قصة اعجبتنى فأحببت أن انقلها لكم
قصة حب ولقاء بين المقابر
انطلقت بسيارتي الفارهة في ظلمات الليل والطرقات المظلمة إلا من أضواء خافتة رسمتها عواميد النور على الشوارع الخالية من الناس… انحرفت بسيارتي حتى وجدت نفسي أجول بين مقابر مصر الجديدة بعدما قضيت ليلة رائعة مع أصدقائي شربت فيها كل ما قد يجول في خاطرك من محرمات وغير محرمات… حتى كدت لا أرى شيئًا أمامي وأنا أقود سيارتي من أثر ما كنت أشربه.
وقلت في نفسي أنه لربما أجد فتاة جميلة في هذا الطريق المظلم أستطيع أن أُلاطفها وأقضي معها بقية ليلتي … ظللت انتهك طريقي وأجوب بسيارتي بين المقابر حتى شعرت أنني أكاد لا أبصر شيئاً وأن الخمر قد تملك من رأسي … فوقفت بسيارتي وفتحت نافذتها لأستنشق بعضًا من الهواء النقي، وقد أرجعت مسند الكرسي إلى الوراء حتى استرخي قليلاً … وقد كان المكان مخيفًا مظلمًا … سكون سائد وصمت عميق وسماء ترتجف فيها النجوم خائفة مرتعشة … وخُيل إلى أنني أبصر في الأفق المظلم أشباحًا تروح وتغدو … إلا أنني أقنعت نفسي أنني لابد وأنني أتوهم ذلك .. أما آن الأوان لأن أبعد عن تلك المنكرات التي تذهب عقلي … لقد كانت تقول لي ذلك من زمن بعيد … لما تركتها؟؟ لقد كنت إنسانًا نذلاً لا يستحق الحياة!!! تركتها لأنني أخشى المسئولية
والزواج ……..
دعني من مثل هذه الأفكار التي قد تعكر صفو الليلة … وفجأة مزق هذا السكون الذي يحيطني صوت بكاء خفيض يشبه الأنين… أصابتني الرجفة … لقد كان المكان موحشًا، مظلم النواحي مما لا يجعل النفس تتقبل هذا الصوت بسهولة وبغير فزع … أنصتت باهتمام ولكنني لم اسمع بعدها شيئًا … فحدثتني نفسي أنه لربما توهم عقلي ذلك وخاصة وأنني في شبه غيبوبة ، إلا أن الصوت قد عاد إلى الأنين مرة أخرى مما دفعني إلى الفزع والخوف … فقررت أن أغلق السيارة وأنزل لأستطلع ماذا يحدث بين القبور وما هو مصدر ذلك الصوت … ولا أستطيع أن أنكر كيف كنت خائفًا، فزعًا، ولكن فضولي كان أقوى من خوفي … وخُيل إلى وأنا أسير بين القبور أنني سأبصر أشباحًا تروح وتغدو كما يُروى في القصص والأساطير … حتى أبصرت في الظلام مخلوقًا لفته الظلمة فجعلت منه ما يشبه الشبح. ثم بدأت معالم وتفاصيل هذا المخلوق تظهر جلياً كلما اقتربت منها …نعم إنهافتاة …..!!!!!!!!
لعب الشيطان برأسي ووجدتني أقول لنفسي في خبث : "هاهي الليلة تكتمل وقد لاحت فتاة أمامي، فرسم القدر لوحته الجميلة ليكمل ليلتي التي كنت اخطط لها"… اقتربت منها فوجدتها جالسة بجانب إحدى المقابر وقد عرضت لوحة كبيرة أمامها مسندة على القبر، وقد راحت ترسم في دقة وتركيز حتى خُيل إلى أنها لا تشعر بوجودي … أثرني وجود هذه الفتاة في هذا الجو الغريب المخيف … صحيح إنها لا تبدو بالجمال الذي كنت أتوقعه لقضاء ليلة جميلة، ولكن هناك ما يجذبني إليها، وأود لو أعرف قصتها!!
اقتربت أكثر وشعرت بحسي المجرب أنها فتاة جميلة أو ربما كانت كذلك، فقد بدا حول عينيها تجاعيد الإرهاق والذبول … حقيقة لقد شعرت بخيبة الأمل،فلم تكن هي من ذلك النوع من النساء الذي قد يأسرني! أردت أن انصرف، فليس هناك ما يدعوني لأني أجازف بليلتي، ومع ذلك لم أتحرك … لا أعرف لماذا؟…فكثيرًا ما ينطلق تفكيري في ناحية بينما يظل تصرفي في سكون وبرود من ناحية أخرى … زاد اقتربي منها ورأيتني أسألها في لهجة استغراب : – ماذا تفعل فتاة رقيقة مثلك في المقابر الساعة الثالثة فجرًا؟؟!….
أزاحت خصلة شعرها من على وجهها وتحركت ببطء ثم نظرت إلىَ … نظرت إلىَ طويلاً وساد الصمت لبرهة من الوقت حتى ظننت أنني أحدث نفسي، ثم راحت تنظر إلى لوحتها مرة أخرى وكأنني ليس لي وجود!! فعدت استحثها الكلام، فقد كان رد فعلها ذلك غريبًا جدًا، وقلت:- لما لا تجيبين على سؤالي، ولما لا تذكرين سبب وجودك هنا في هذا الوقت المتأخر من الليل؟؟!
نظرت إلى نظرة طويلة في صمت مريب وكأنها تبحث في معالم وجهي عن شيء قد تاه منها منذ زمن، ثم قالت:- لقد كنت انتظرك !!!!!!!!!!!!!!
فاجأتني تلك الإجابة كثيرًا ، كثيرًا جداً … إنني لا أعرفها ولا اعتقد أنني قد رأيتها من قبل، فأجبتها في لهجة مستنكرة وبصوت عالِ:- كيف تنتظرينني؟ أتعرفينني؟ إنني لا أذكر أنني قابلتك من قبل!!!..
بدا عليها ألم مروع حينما سمعتني أقول ذلك، ورأيت دمعاً يترقرق من عينيها … فكرت قليلاً فوجدت أن الليلة وما خططت لها قد بدأ يتلاشى، فحاولت أن أقوم لأفوز بما بقي من هذه الليلة خير من الجلوس في هذا الجو الحزين… اعتدلت قليلا في جلستي تأهبًا للذهاب، فوجدتها تقول لي:- فيم التعجل؟ أتريد أن تتركني مرة أخرى بعد كل ما انتظرته؟؟!!..
نظرت إليها في غضب وذهول… لابد أن هذه السيدة قد أصابها الجنون من جراء جلوسها وسط المقابر كل هذا الوقت … نظرت إلي نظرة أشعرتني أنها فهمت ما يجول في خاطري فوجدها تقول:- أعلم أنك تتهمني بالجنون الآن، ولكنني أريدك ولا أظنك تخذلني وأنت الرفيق الرحيم كما كنت دومًا في نظري … أرجوك أبقى معي هذه الليلة … هذه الليلة فقط … فلقد انتظرتك طويلاً.
وعادت إلى الصمت مرة أخرى منتظرة جوابي… صمتت لبرهة وهي تنظر إلي وكأنها تستعطفني… وأردفت قائلة :- كنت في الثامنة عشر …
إنها مصممة على أن أجلس معها، فكرت قليلاً … فوجدت أنه لا ضير من قضاء بقية الليلة معها، لقد انتهت الليلة ولم يبق منها أمل… عادت لتكمل :- كنت في الثامنة عشر عندما شعرت بالحب لأول مرة … وقد كنت مشهورة بين زميلاتي بالمهارة في الرسم، فكنت كثيرًا ما أصور حياتي مع من أحب في لوحاتي الخيالية الجميلة … وظللت أعيش معه ومع لوحاتي تلك القصة الرومانسية الهادئة المليئة بمشاعر الحب البريئة حتى وجدته قد بدأ ينأى عني دون سبب واضح، ورأيت حبه لي يتلاشى … فاجئني جفائه وأنا التي لم أتخيل أن الحب والوفاء يمكن أن ينعدما في الحياة … ومع ذلك ظللت على عهدي ووفائي له، ورفضت كل من تقدم لخطبتي وقد كنت انتظره… لقد كنت على يقين أن حبنا لا يمكن أن يزول… ربما قد مر عليه بعض لحظات الملل ولكن لابد وأنه سيعود حتى وإن طال انتظاري … كنت آتي كل يوم هنا إلى المقابر حيث لقائنا الأول… حينما التقينا أول مرة صدفة وأنا أزور قبر أبي… كنت آتي لأتذكر أيامي معه حينما كان يأخذنني بسيارته ونقض معاً أحلى اللحظات، فأنتظر وأنتظر ولكن لا أحد … وتوفيت والدتي أيضًا وبقيت وحيدة، فرأيت أنني لابد وأن أهب حياتي كلها له … فلم يعد لي سواه في هذه الدنيا …
واستأجرت مكاناً في حي مقفر مجاورًا للمقابر المظلمة حتى آتي كل يوم وأجلس وأرسم حتى الفجر علني أراه … وأصبحت أقتات يومي من لوحاتي… وبت اجلس على القبر وأحلم وأرسم وانتظره وقد أنهكني التراب وأرهق هذا الجو صدري وأصبحت لا استطع تحمل هذه الأتربة حتى علمت بعدها أنني لن أعيش طويلاً …!!! يا للحمق والغباء ! كيف صور لي الوهم أنني سأحيى معه حياة هانئة جميلة … ومع تلك اللحظات باليأس ظللت أتمسك بآخر أمل لي، وبدا لي أنه هو الآخر يسير في نفس الطريق …طريق الحب والوفاء الذي أسير فيه… وأنه يبحث عني أيضًا… وأننا لا شك سنتقابل في النهاية … كنت كثيراً ما أتذكر حديثنا وخوفي عليه وعلى صحته وكيف كنت أنصحه أن يبتعد عن المحرمات حتى يحافظ على صحته … وها أنا الآن جسد مسجي أحتاج إلى نصحه وحبه ورعايته، وبت أدعي الله أن يمن عليَ برؤيته لأكمل اللوحة التي بدأتها منذ أحببته … حتى حقق الله لي أملي الآن .. أمازلت تعتقد أننا لم نتقابل من قبل؟؟!!!….
يا للمفاجأة !!! لم أكن اعتقد أبداً أن هناك من يستطع أن يحب في هذه الدنيا بمثل هذا الوفاء والصدق وتذكرت كل ما كان بيننا …..
يا لي من إنسان جبان أحمق لم يقدر النعمة التي كان يملكها … أحسست بأني أكاد أتهاوى في موضعي … نظرت إليها وهي مترنحة أمامي في صمت مشدوهاً دون أن أجسر على أن أقول شيئاً ولكنني اعتدلت وقلت لها :- ها أنا قد عدت إليك بعدما عرفت معنى الحب والوفاء ولسوف أعوضك عن كل ما فقدت …
ولكنني لم أتلق أي جواب … لقد فارقت الحياة !!!! نعم فارقت الحياة بعدما قضت حياتها كلها في حب ووفاء لإنسان لا يستحق شيئًا، ومع كل ذلك كانت تفترض فيه حسن النية… كل هذه السنوات ومازالت تفترض فيه حسن النية وتحبه، أما نحن فنفترض سوء النية في الناس مع أول موقف يواجهنا… لابد وأنها ملاكًا … لقد فقدت ملاكًا كان يمكن أن يسعدني ويحييني… بكيت … نعم بكيت كثيراً وأنا الذي لم أبك في حياتي قط وشعرت بأن بكائي وندمي وحياتي كلها قليلة لا تساوي شيئاً … حملتها ورفعتها بين ذراعي غير مصدق ، وحينما اعتدلت وجدت على القبر كلمات سطرتها بخط يديها تقول : "هنا أرقد بسلام بعدما أطمأنت روحي أنك ندمت على تركك لي … لقد كنت أعلم أنك مهما بعدت ستأتي لأن حبنا كان قوياً… لم أتمالك نفسي من البكاء… لقد كانت على يقين من حبها ومن أنني سآتي!! سجدت أمام قبرها وأعلنتها صريحة:- أحلف بالله أنني سأقلع عن كل المنكرات … سأفعل كل ما كنت تطمحين إليه وأعدك أن أكون رجلاً صالحاً وأن أكون وفياً لك متى حييت … لقد علمني حبك كيف يكون الوفاء وكيف تكون الرجولة الحقة……
د / سمير عبد التواب
يعطييكِ الععافيةة ..
لـإطروحاتك عبــق خــاص يتناثر من بين جنباتهـ الـإبداع والتميــز
ملتهفةة أنا لكل ما تجلبهـ لنــا ذائقتك الرآقيهـ
لعيــونــك 5 نجوم + تقييم
لآفنــدر أتركهـ لقلبك ونبضهـ