قصور الجنة وبناؤها
قصور الجنة وبناؤها
في الصحيحين من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أدخلت الجنة -أي: ليلة الإسراء والمعراج -فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ -أي: القباب العالية من اللؤلؤ- وإذا تربتها -أي: طينتها- المسك ).
فربنا هو الذي يصف لنا الجنة؛ لأنه خالقها، ونبينا هو الذي يصف لنا الجنة؛ لأنها دخلها ورآها بعينيه في الدنيا، دخلها ليلة الإسراء والمعراج؛ وحديث النبي صلى الله عليه وسلم لأمته عن نعيم الجنة هو حديث من رأى بعينيه، وسمع بأذنيه؛ وليس الخبر كالمعاينة.
فاسمع ماذا يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم! سأل الصحابةُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يصف لهم الجنة فقال الحبيب: ( الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة -أي: طوبة- وملاطها المسك الأذفر، وتربتها الزعفران، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت والمرجان، من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم ).
فلا تبلى الثياب في الجنة، ولا ينتهي الشباب في الجنة، ولا ينقطع النعيم في الجنة.
وأرجو أن تجنح معي وأن تتصور كلمات الصادق الذي لا ينطق عن الهوى حين وصف لنا بيتاً في الجنة من لؤلؤة مجوفة، تصور معي بيتاً من لؤلؤة مجوفة! وتصور معي قصراً مبنياً من الذهب الخالص! كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: ( نزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فرأى خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال جبريل للمصطفى: يا رسول الله! هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتت فأقرئها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب أي: قصب اللؤلؤ، وليس ما يتبادر إلى أذهاننا من النبات المعروف- لا صخب فيه ولا نصب )، أي: لا تسمع فيه خديجة ضوضاء، ولا تتألم فيه ولا تحزن، ولا ينتابها الهم أبداً.
أما القصر من الذهب ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أدخلت الجنة -أي: ليلة الإسراء والمعراج- فإذا أنا بقصر من ذهب، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا لي: هذا القصر لفتىً من قريش -لشاب من شباب قريش- يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: فظننت أني أنا هو -أي: ظن المصطفى أن هذا القصر له صلى الله عليه وسلم- فقيل لي: لا، هذا لـ عمر بن الخطاب ، فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم لـ عمر : فأردت أن أدخله لأنظر إليه يا عمر فتذكرت غيرتك، فبكى عمر وقال: بأبي أنت وأمي! أو عليك أغار يا رسول الله؟! ) فتصور معي بيتاً من لؤلؤة، وتصور معي قصراً كاملاً من ذهب خالص، فأي نعيم هذا؟!! وأي فضل هذا؟!! يعيش ملك من ملوك الدنيا أو أمير من الأمراء في قصر لو دخلت إليه لكاد -ورب الكعبة- أن يطيش عقلك.
لقد دخلت قصراً في الإمارات لأمير من الأمراء دعاني إلى الزيارة، ورب الكعبة! لقد كاد عقلي أن يطيش، فقلت لإخوة معي: يا إخوة! هذا الذي نراه من إعداد البشر للبشر، فما ظنكم بإعداد رب البشر، في جنة لم يخطر نعيمها على قلب بشر؟! ففي الجنة بيت من لؤلؤة، وقصر من ذهب، وبناء الجنة لبنة من ذهب، ولبنة من فضة.
ويزداد الجمال إذا عرفت أن هذه البيوت وهذه القصور تجري من تحتها الأنهار.
تصور معي قصراً من ذهب فوق نهر، وبيتاً من لؤلؤة فوق نهر، إنه منظر عجيب! والأنهار: نهر من ماء، ونهر من لبن، ونهر من خمر، ونهر من عسل، قال عز وجل: { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى } [محمد:15]، اللهم اجعلنا من أهلها.
تجري هذه الأنهار من الماء، والأنهار من اللبن، والأنهار من الخمر، والأنهار من العسل، تحت هذه البيوت والقصور، ويزداد الجمال ويزداد الكمال ويزداد الحسن بالأشجار والظلال والثمار.