كيف نعالج كسر الفقرات الناجم عن هشاشة العظام؟
تسجل سنويا في الولايات المتحدة أكثر من 1.5 مليون إصابة بالكسور الناجمة عن هشاشة العظام.
وتشكل كسور الفقرات، العظام التي تحتل موقعها في العمود الفقري، نحو نصف كل الإصابات تقريبا.
وتزيد أعداد إصابات كسور الفقرات بالضعف تقريبا عن أعداد إصابات كسر عظم الحوض. وقد وصلت نسبة النساء اللواتي تعدين سن اليأس من المحيض وأصبن بكسر الفقرات إلى 25 في المائة.
وبخلاف كسور عظم الحوض، التي غالبا ما تنجم عن حالات السقوط، فإن كسور الفقرات لا تحدث عادة، إلا قليلا، نتيجة صدمة مباشرة، بل إن الفقرات التي تصبح ضعيفة بسبب هشاشة العظام لا تتمكن من مقاومة الإجهاد والضغط الطبيعيين عليها، ولذلك فإن وضعها يتأثر بمجرد حركة بسيطة، مثل الانحناء، أو الاستدارة السريعة، أو رفع ثقل بسيط.
كسر الفقرات
ولا تظهر أية أعراض على كسر الفقرات في ثلثي حالات حدوثها، كما أنها تظل غير مشخصة لفترة طويلة حتى تظهر مثلا في الصور الشعاعية التي تلتقط لتشخيص مشكلات صحية أخرى.
وقد يبدو أن الكسر في فقرة واحدة لا يؤدي إلى أي عواقب وخيمة، إلا أن وجود هذا الكسر الوحيد قد يقود إلى تداخلات بعيدة المدى، ومنها الخطر الكبير لحدوث كسور جديدة.
وفي بحث نشر عام 2024 في المجلة الطبية الأميركية، وجد باحثون في «دراسة الكسور الناجمة عن هشاشة العظام» (Study of Osteoporotic Fractures) أن النساء اللواتي كان لديهن تاريخ من كسور الفقرات، ازداد لديهن أربع مرات خطر حدوث كسور جديدة خلال 15 سنة من المتابعة.
كما رصد لديهن خطر أكبر في الإصابة بالكسور في عظام أخرى، خصوصا في عظم الحوض.
ويمكن للتأثيرات المتراكمة للكسور المتعددة أن تقود إلى مشكلات صحية مدمرة، إذ إن الألم المزمن، الإعاقة، وصعوبة المشاركة في الحياة اليومية تؤدي إلى العزلة، وإلى مشكلات في العلاقات الأسرية، ومشكلات عاطفية، ومنها الكآبة التي تظهر لدى 40 في المائة من الأشخاص المصابين بكسر الفقرات.
كما يزيد كسر الفقرات من خطر الوفاة المبكرة، ولكن ليس بدرجة زيادة خطرها بسبب كسر عظم الحوض.
ومع تقدم أعمار السكان فإن من المتوقع ازدياد معدلات الكسور الناجمة عن هشاشة العظام، إلا أننا ولحسن الحظ نمتلك وسائل لعلاج هذه الكسور أكثر مما كان لدينا قبل 10 سنوات مضت، ومنها خطوات لتخفيف الألم، ودعم وإسناد الفقرات المكسورة، وخفض الإعاقة.
عواقب كسر الفقرات
إن الفقرة لا تنكسر بالمفهوم العادي للكسر، وهي لا تنقصم مثل الغصن، أو مثل الرِّجل أو الذراع المكسورتين، بل إنها تنهار وتنثني على نفسها، مثلما ينهار كوب مصنوع من الورق عندما تدوس عليه بقدمك. والاصطلاح الشائع لمثل هذا النوع من الكسر هو «الكسر الانضغاطي» (compression fracture).
وقد يكون الألم الناتج عن هذا الكسر حادا أو خفيفا، وقد يشعر به المصاب في موضعه أو في موضع بعيد عنه عند جانبي منطقة البطن.
وفي حالات كثيرة لا يظهر أي ألم، أو يظهر ألم خفيف، وتكون العلامة الرئيسية للكسر تضاؤل طول القامة وانحناءها إلى الأمام.
ويعتمد تضاؤل طول القامة والتشوه في شكلها على عدد ومواقع وحدّة الكسور.
ويعاني أغلب الأشخاص المصابين بكسور الفقرات من حالة كسر في فقرة واحدة أو فقرتين. وأكثر الكسور شيوعا هو في منطقة تقع خلف الصدر (وسط الظهر)، وفي بعض الأحيان في الفقرات القطنية (أسفل الظهر).
ولا تقود حالة كسر لفقرة واحدة أو فقرتين إلا إلى تضاؤل قليل جدا في طول القامة، إلا أن الكسور المتعددة قد تقود إلى اعوجاج الظهر في ما يسمى بحالة الحدب الظهري (dorsal kyphosis) أو «حدبة الأرملة» (dowager>s hump).
وينجم الحدب الظهري عن عدد من العوامل، ومنها التغيرات التنكسية في المفاصل والفقرات والعظام، ولذلك فإن بمقدوره التأثير بقوة على شكل الإنسان وعلى حركته وصحته.
ويفقد العمود الفقري استقامته بشكل متعاظم، ويتخذ شكلا أعوج. ويندفع الجزء الأعلى من الجسم منحنيا إلى الأمام، وتأخذ في التقلص المسافة بين عظام القفص الصدري والحوض، وينحشر جدار الصدر، وتنسحق الأعضاء الموجودة في منطقة البطن مسببة اندفاع المنطقة إلى الأمام.
وفي بعض الحالات الشديدة جدا يعاني المصاب من صعوبة التنفس، ومن خلل في عملية الهضم.
وبمقدور الكسور الناتجة عن الانضغاط المتراكم أن تتسبب في إعاقة بدنية ووظيفية مثلما تتسبب في ذلك كسور عظم الحوض.
وقد يتحول الألم إلى ألم مزمن بعد أن تضطر عضلات الظهر إلى أداء مجهود أكبر للتكيف مع الكسور. وقد يحتاج المصاب إلى عصا لمساعدته في المشي، كما قد لا يمكنه تحمل الركوب في السيارة لأكثر من عدة دقائق.
ما العمل؟
يمكن التأكد من وجود كسر في الفقرات بالتصوير بأشعة إكس. وفي العادة فإن كسر الفقرات الانضغاطي يحدث لدى النساء بعد سن اليأس من المحيض بسبب هشاشة العظام، إلا أنه قد يحدث نتيجة التعرض لصدمة، أو الإصابة بعدوى، أو بورم سرطاني.
ويبدأ علاج كسر الفقرات المؤلم بتناول الأدوية المخففة للألم المتوفرة من دون وصفة طبية، مثل «أسيتامينوفين» acetaminophen («تايلينول» Tylenol)، الأسبرين أو «ايبوبروفين» ibuprofen («أدفيل» Advil أو «موترين» Motrin).
أما الألم الشديد فيتطلب الراحة التامة في السرير لفترة قصيرة وتناول أدوية أقوى ابتداء بجرعات صغيرة من الأدوية الافيونية opiates مثل «أوكسيكودون» oxycodone («أوكسيكونتين» OxyContin) التي غالبا ما توصف مع «اسيتامينوفين».
إلا أنه يجب تفادي الراحة التامة في السرير لمدة طويلة، لأنها قد تساهم في عمليات هدم العظام وحدوث مشكلات صحية أخرى. كما قد يساعد وضع كمادات من قطع الجليد، أو كمادات حارة على المنطقة المؤلمة في تخفيف الألم.
ويوصى في العادة بوضع ملفاف للظهر لتخفيف الألم ولإعادة العمود الفقري إلى استقراره، في أثناء شفائه.
ويصمم الملفاف لدفع العمود الفقري على اتخاذه لوضع أكثر استقامة مما هو عليه، ما يخفف الضغط على الفقرات المتضررة، ويقلل من احتمالات تضرر فقرات أخرى.
ويأخذ الشفاء فترة تمتد لثلاثة أشهر. ولا ينبغي استخدام الملفاف لفترة أطول من ذلك لأنه قد يؤدي إلى إضعاف عضلات الجذع.
وحالما يمكن للمصابين تحمل الحركة بعد هذه الفترة، فإن الاختصاصيين يشجعونهم عادة على القيام بتمارين رياضية خفيفة مثل السباحة أو المشي، ثم وفي ما بعد يمكنهم إجراء تمارين أخرى لتقوية عضلات الجذع.
أدوية هشاشة العظام كما يجب فحص المصابين لتقييم درجة هشاشة العظام لديهم بقياس كثافة المعادن في عظامهم، ويجب معالجة هشاشة العظام بالأدوية القياسية لها، وهي أدوية «البيفوسفونايت» bisphosphonates، مثل «أليندرونيت» alendronate («فوساماكس» Fosamax) و«رايزدرونيت» risedronate («أكتونيل» Actonel) و«إيباندرونيت» ibandronate («بونيفا» Boniv).
وبمقدور أدوية «البيفوسفونايت» أن تساعد في تخفيف الألم الحاد، إلا أن مهمتها الأولى هي تحسين كثافة المعادن في العظام.
وعلى المدى الطويل فإنها تساعد في خفض معدلات كسر فقرات جديدة بنسبة تصل إلى 50 في المائة.
أما حقن «البيفوسفونايت» – مثل «حمض الزولدرونيك» zoledronic acid («ريكلاست» Reclast، «زوميتا» Zo********) والحقن من دواء «بونيفا» – فهي بدائل للنساء اللواتي لا يمكنهن تناول الأدوية عبر الفم.
كما أن دواء آخر للعظام هو «كالسيتونين» calcitonin (ماياكالسين» Miacalcin، «فورتيكال» Fortical) فإنه أقل فاعلية لتحسين حالة كثافة المعادن في العظام، إلا أن بوسعه تخيف الألم، رغم أنه لا يعتبر تعويضا عن الحبوب المخففة للألم، بينما يزيد دواء «تيريباراتيد» teriparatide («فورتيو» Forteo) الذي يعطى على شكل حقنة، من كثافة العظام ويقلل من خطر كسر الفقرات.
عمليات تقويم الفقرات
هناك وسيلتان علاجيتان تتسمان بأقل شكل من أشكال التدخل: جراحة تقويم الفقرات vertebroplasty وجراحة تقويم الحدبة (الاحدوداب) kyphoplasty، وهما تشملان عملية حقن إسمنت طبي يعمل على استقرار الفقرات المنضغطة.
وقد بدأت هاتان العمليان في الولايات المتحدة في التسعينات من القرن الماضي، وأضحت من أنواع العلاجات المتاحة لآلام الكسور التي لا تستجيب إلى أنواع العلاجات المحافظة الأخرى.
ووفقا للدكتور جون بان الاختصاصي في الأشعة في مستشفى بريغهام والنسائية في بوسطن، فإن ملفاف الظهر والأدوية المخففة للألم تستخدم أولا في البداية «لرؤية ما إذا كان الكسر سوف يلتئم بنفسه.
وإن لم يحدث هذا وظل المصاب يعاني من الألم – بعد أربعة إلى ستة أسابيع في العادة – عند ذاك يجب التفكير في إجراء العمليات».
وهناك القليل جدا من دراسات المراقبة التي تقارن بين فاعلية عمليتي جراحة تقويم الفقرات وجراحة تقويم الحدبة، وسلامتهما، على المدى البعيد، سواء المقارنة بين هاتين العمليتين أو في ما بينهما وبين الطرق المحافظة.
كما أنه ليس من الواضح في ما إذا كان كل واحدة من هاتين العمليتين تحسن من استقرار العمود الفقري أو تمنع حدوث الكسور على المدى الطويل.
إلا أن السبب الرئيسي لإجراء هاتين العمليتين هو استمرار الألم، ويقول 85 إلى 90 في المائة من الذين خضعوا لهاتين العمليتين إنهم أحسوا بتخفيف الألم فورا.
كما وجدت دراسة مراجعة لـ21 دراسة شملت 1039 مريضا، نشرت عام 2024 في مجلة «باين فيزيشيان»، أن كلتا العمليتين تقلل الألم بنسبة تزيد عن 50 في المائة.
ولا يعلم أحد بالضبط كيف تؤدي هاتان العمليتان مهمتهما.
وهناك إحدى النظريات القائلة إن الألم هو في الغالب نوع من الاستجابة الالتهابية الناجمة عن التوزيع غير المتساوي للقوى الميكانيكية التي تؤدي إلى تكسر العظم.
ويعتقد أن الإسمنت يساعد في إعادة استقرار الفقرة المتضررة، الأمر الذي يقلل الالتهاب، ويقلل الألم بالنتيجة.
كما أن من المحتمل أيضا أن الإسمنت يدمر النهايات العصبية الموجودة في الفقرة، التي تنقل إشارات الألم.
وقبل إجراء أي من العمليتين يخضع المصاب للتصوير بجهاز المرنان المغناطيسي لتبيان مدى الفائدة من إجرائها.
والمصاب الذي سيخضع للعملية هو الذي تظهر صور المرنان المغناطيسي له وجود استسقاء العظم (bone edema)، أو وجود السائل، الذي يرتبط بوجود كسر حديث.
وإن لم تكن هناك حالة استسقاء العظم فإن ذلك يعني أن الكسر قد شفي وأنه ليس الموضع المسبب للألم.
كما يمكن لصور المرنان المغناطيسي تأكيد وجود مشكلات في الحبل الشوكي أو الفقرات أو عضلات العمود الفقري.
وتنفذ عمليتا جراحة تقويم الفقرات والحدبة، عبر الجلد، في عيادة يومية، وغالبا ما تكون تحت تخدير يكون المريض واعيا خلاله.
ويستخدم التخدير الكامل إن كانت الكسور متعددة أو شديدة أو كان المريض كبيرا في السن أو مريضا، أو لا يمكنه البتة الانبطاح على بطنه.
جراحة تقويم الفقرات
يقوم أحد الإخصائيين في الأشعة أو جراحة الأعصاب أو جراحة العظام بتوظيف نظم التصوير المقطعي الطبقي الكومبيوترية، أو نظم التصوير بأشعة إكس في الزمن الحقيقي، بإدخال إبرة مجوفة عبر شق صغير في الجلد نحو القسم المنضغط من الفقرة.
وعندما تصل الإبرة إلى موضعها فإنه يقوم بحقن إسمنت جراحي من مادة «ميثاكريلات الميثيل» methyl methacrylate التي تمتلك خصائص تشابه معجون الأسنان.
ويتم خلط هذه المادة مع إحدى المواد التي تسهل على الإخصائي رؤية الإسمنت في أثناء تدفقه نحو الفقرة المتضررة.
ويتصلب الإسمنت في غضون 15 دقيقة تقريبا، وتتم مراقبة المريض لساعتين أو ثلاث ساعات في ردهة الشفاء قبل أن يسمح له بالعودة إلى منزله.
جراحة تقويم الحدبة
تنفذ هذه العملية أيضا بتوظيف نظم التصوير، وتجرى بشق الجلد في الظهر وإدخال بالونات يمكن نفخها توضع في أنابيب، عبر جانبي الفقرة المتضررة.
وبعد نفخ البالونات تتكون فجوة تتيح للفقرة العودة إلى موقع انتصابها. ثم يجري تفريغ البالونات وسحبها، ثم تملأ الفجوة بالإسمنت.
وتستمر العملية لفترة 30 إلى 60 دقيقة لكل فقرة متضررة، وقد يقضي المريض ليلة في المستشفى.
أخطار عمليات التقويم
إن عمليتي تقويم الفقرة وتقويم الحدبة التي يجريها إخصائيون متمرسون آمنة عموما، إلا أن التخدير يتسم دوما بالمخاطر، كما أن الأعصاب قد تتضرر بسبب إدخال الإبر، إضافة إلى أن كل عملية يجري فيها شق للجلد تحمل في طياتها احتمال حدوث نزف الدم أو الإصابة بالعدوى.
كما يثير تسرب الإسمنت أيضا المخاوف، إلا أن الإخصائي الذي يراقب الأمور في الزمن الحقيقي بتوظيف نظم التصوير الشعاعية، يمكنه رصد ذلك وإيقاف عملية الحقن.
والأمر المثير للمخاوف حقا هو أن يتسرب الإسمنت إلى مواقع يمكنه فيها التسبب في حدوث مشكلات خطيرة، ففي قناة العمود الفقري، على سبيل المثال، يمكن للإسمنت الضغط على الحبل الشوكي، أو يمكنه التسرب إلى مجرى الدم، الأمر الذي قد يتسبب في تشكيل خثرات دموية تنتقل إلى القلب والرئتين.
إلا أن هذه المضاعفات نادرة جدا في حالات علاج كسور الفقرات الناجمة عن هشاشة العظام (إلا أن الكسور الانضغاطية الأخرى الناجمة عن الأورام أو العدوى أو الصدمة قد تكون أسوأ أو أن تكون مضاعفاتها أكثر).
ويساعد اختيار المصابين الحقيقيين في تجنب المضاعفات وكذلك من احتمالات تسرب الإسمنت، ولذا يجب تقدير نسبة الكسر الانضغاطي بدقة، وتفادي إجراء العمليتين إن كان موضع الكسر قريبا من قناة العمود الفقري.
كما أن التأثيرات البعيدة المدى للإسمنت على الفقرة لا تزال غير معروفة، ويدرس الباحثون احتمال أن يزيد وجود الإسمنت من خطر كسر الفقرات المجاورة، ربما بواسطة التغيرات التي يحدثها في القوى الميكانيكية.
ويعتقد بعض الأطباء أن على المصابين الخضوع لواحدة من هاتين العمليتين كخيار أول، بدلا من الانتظار من أربعة إلى ستة أسابيع للحكم على نتائج العلاج بالأدوية، واستخدام ملفاف الظهر، والتزام الراحة في السرير.
إلا أن الغالبية تؤمن بأن علينا ومن باب الحصافة – ولحين معرفتنا بمخاطر العمليتين وتأثراتهما البعيدة المدى – أن نجرب العلاجات المحافظة قبل كل شيء. وأخيرا فإن كنت تستعد لإجراء واحدة من هاتين العمليتين، فعليك باختيار مستشفى يضم أفضل الخبرات فيهما، وأفضل نظم التصوير الشعاعي.
منقووول للإفادة
تحياتي
اشكر حسن اختيارك وجميل طرحك
ودائما ننتظرك
وجودك أسعدني كثيرا
تحياتي الخالصة لك