نتحدث الآن عن رذيلة وآفة خطيرة يقع فيها بعض الرجال والنساء؛ وهي:
اللعن.
اللعن نحن منهيون عنه لفظاً، سواء هذا اللعن لإنسان أو لحيوان أو لجماد، كل هذا مذموم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس المؤمن بالطعّان، ولا اللعّان، ولا الفاحش، ولا البذيء" (1). وعن شريح قال: أخبرتنى عائشة أن أبا بكر لعن بعض رقيقه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر، ألعانون وصديقون، كلا ورب الكعبة"، مرتين أو ثلاثاً، فأعتق أبو بكر يومئذ بعض رقيقه، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "لا أعود"( 2). والنبي – صلى الله عليه وسلم – كان يقول: "إن اللعانين لا يكونون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة"( 3).
اللعنة هي: الطرد من رحمة الله. فلُعن إبليس، أي: طرد من رحمة الله، قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المائدة:78-79)، فالمسلم منهي أن يلعن إنساناً، وحتى نهينا نحن كمسلمين عن لعن الحيوان. قال أنس: كان رجل يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعير فلعن الرجل بعيره، فقال صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله لا تسر معنا على بعير ملعون" (4)…….
اللعن، وكما سبق، هو: الطرد والإبعاد من رحمة الله عز وجل، لا يجوز إلا على المتصفين بصفة من هذه الصفات الثلاثة: إما كافر، أو ظالم، أو فاسق، على وجه العموم، لا التعيين. تقول: لعنة الله على الظالمين، لعنة الله على الكافرين، لعنة الله على الفاسقين، لكن إياك من أن تلعن إنساناً بعينه، لماذا؟ لأننا لا ندري بم يختم له.يقول بعض العلماء: إن من بان لنا موته على الكفر، جاز لعنه وذمه إن لم يكن فيه أذى على مسلم ، ولكن عندما تلعن كافراً يجب أن يكون لك مسألة الكفر كفر، بواح، كفر ظاهر وواضح. فمسألة اللعن هذه يجب أن يراعيها الإنسان، حتى وإن كان الذي لعنه كافراً.
فيجب على الإنسان أن يحاذر من أن يرمي رجلاً مسلماً بفسق أو فجور، كما في حديث أبي ذر، رضي الله عنه: "لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك" (5). لأن اللعنة كما يقول أهل العلم إذا لعن إنسان إنسانا أو شخصا أو حيوانا أو أي شئ صعدت اللعنة إلى السماء فغلّقت في وجهها أبواب السماء ثم تعود؛ فإن وجدت الذي لعن أهلا للعنة نزلت عليه وإلا عادت إلى صاحبها والعياذ بالله رب العالمين (6). والنبي – صلى الله عليه وسلم – ربما دعا على أقوام معينين لأنه بما أراه ربه. قال اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة، الذين كانوا يؤذون الرسول – صلى الله عليه وسلم – (7).
وفي حديث عائشة، رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"لا تسبوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدموا" (8). فالإنسان الذي مات وتوفي، ووري الثرى أمسك لسانك عنه، ما الذي سوف تستفيده أن تخوض في أعراض الأموات فتؤذي به الأحياء. لما جاء عكرمة مسلماً مع خالد بن الوليد كلاهما في السنة 11 من البعثة قبل انتقاله صلى الله عليه وسلم للرفيق الأعلى بسنتين قال: "يطلع عليكم عكرمة من هذا الشعب" أو من هذا المكان، أو من هذه الناحية، "فلا تسبوا أباه"، يعني لا تقولوا لعن الله أبا جهل أو أبو جهل كان كذا وكذا، "فإن هذا لا يبلغ الميت وإنما يؤذي الحي" (9) فلا داعي لذلك.
حتى أن نعيمان كان دائماً يؤتى به شارباً للخمر وحد مرات في أيام النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعض الصحابة: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به. فقال عليه الصلاة والسلام: "لا تكن عونا للشيطان على أخيك"(10).
هذا وحشي قاتل حمزة رضي الله عنه، الذي أعتقته هند لقتله حمزة، هو الذي قتل مسيلمة الكذاب بعد أن أسلم وتاب (11)، يعني إذا تاب عن الكفر وتاب عن القتل جب الإسلام ما قبله، فلا يجب أبداً أن يلعن عندما نسمع قصته لأنه هو الذي قتل حمزة، كيف تخوض في هذا الرجل الذي انتهت حياته بالإيمان وبالإسلام. فالمؤمن ليس بلعّان، ولا ينبغي أن يطلق لسانه؛ لأن الإنسان إذا تعوّد على لعن الفاسقين، ولعن الظالمين، ولعن الكفار، ربما يتعود لسانه على أن يلعن غيرهم. فلا ينبغي أبداً أن يكون المسلم لعاناً ولا طعاناً ولا خواضاً في أعراض الناس.وعن مكي بن إبراهيم قال: كنا عند عبد الله بن عون، فذكروا بلال بن أبي بردة، فجعلوا يلعنونه ويقعون فيه، يعني: لجوره وظلمه، قال: وابن عون ساكت، فقالوا له: إنما نذكره لما ارتكب منك، فقال: "إنما هما كلمتان تخرجان من صحيفتي يوم القيامة لا إله إلا الله ولعن الله فلاناً" (12).
وإن أبغض الناس كما قال ابن عمر إن أبغض الناس إلى الله: كل طعّان لعّان (13) . أيضا بعض الناس عندما يصاب أو يؤذى من إنسان يستبدل اللعن بالدعاء عليه فيدعو عليه بالشر، فيقول: اللهم أصبه بالأمراض بالأوجاع، لا تسلمه؛ هذا غير مستحب ومذموم. المظلوم يدعو على الظالم حتى يكافئه، ثم يبقى للظالم عنده فضلة يوم القيامة، يظل يدعو يدعو، فالله يعوضك يا من ظلمت فيما ظلمت فيه، فيظل هذا الظالم له عندك فضل أنك تدعو عليه أكثر من المطلوب، قال لنا بعض أهل العلم: لا تدعو على الظالم، على الرغم من أنه يجوز أن يدعو الإنسان على ظالم ظلمه؛ لأن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، يعني: لا تدع على الظالم فإن ظلمه أسرع إليه من دعائك عليه. يعني: الذي يظلمك هذا ظلمه أسرع عليه ضرراً من دعائك، وأنت تريد أن تقتص منه؛ اتركه لله عز وجل يقتص منه، ويأخذ لك حقك، ويعوضك يوم القيامة، وتأتي يوم القيامة يا من ظلمت، ويدخل هؤلاء الذين صبروا على الظلم في الدنيا الجنة بغير حساب، يذهبون من أرض المحشر من قبورهم إلى باب الجنة، قال الله تعالى : (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر:من الآية10).
هؤلاء هم أهل الصبر، الذين يصبرون على أذى الناس، ولا سيما ظلم ذوي القرابة، وظلم ذوي القرابة أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند، وهذا الرحم الكاشح نحن مأمورون بصلته، ومأمورون بوصله؛ لأن هذا يستل السخيمة، ويستل الضغينة، ويستل الأحقاد من قلوب هؤلاء الذين لا يكنون لنا خيراً. والإنسان ينبغي أن يعود نفسه التأسي بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أصل من قطعني، وأن أعطي من حرمني، وأن أعفو عمن ظلمني، حتى بلغ الصحابة رضي الله عنهم، هذا المجتمع المثالي، مجتمع القيم والمبادئ، أن الصحابي كان يضع التمرة في فم أخيه فيجد حلاوتها في فمه هو، وكان الواحد منهم في المعركة يحب أن يقتل ويستشهد قبل أخيه، يعني كان يؤثر أخاه على نفسه، وهكذا صنع الأنصار مع المهاجرين، قال تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) (الحشر: من الآية9) هكذا مدحهم رب العباد سبحانه وتعالى فتبوءوا خيري الدنيا والآخرة.
فيا ليتنا نسلك مسلكهم، ويا ليتنا نكف ألسنتا عن الخوض باللعن، والسب، والشتم للناس وللحيوان وللجماد حتى تتعوّد ألسنتنا أن تقول الخير، وتنطق بالخير ومن أصبح وأمسى ولسانه رطب بذكر الله؛ أصبح وأمسى وليس عليه خطيئة.
اللهم اجعل ألسنتنا مكفوفة عن الشر، لهّاجة بالذكر، و لهّاجة بالطاعة، إنك على ما تشاء قدير، أنت ولي ذلك والقادر عليه.
مشكورة اختي الله يبارك فيكي يارب
يقييم
ومن اهتدى بك فلن يضل،
ومن استكثر بك فلن يقل،
ومن استقوى بك فلن يضعف،
ومن استغنى بك فلن يفتقر،
ومن استنصر بك فلن يخذل،
ومن استعان بك فلن يغلب،
ومن توكل عليك فلن يخيب،
ومن جعلك ملاذه فلن يضيع،
ومن اعتصم بك فقد هدى إلى صراط مستقيم،
اللهم فكن لنا وليا ونصيرا، وكن لنا معينا ومجيرا، إنك كنت بنا بصيرا