تخطى إلى المحتوى

مريض إيدز و كلام أهل السماء ! – الشريعة الاسلامية 2024.

مريض إيدز و كلام أهل السماء..!

قال الراوي :
بلغني أن زميلاً لنا في العمل أصيب بمرض الايدز نتيجة عملية نقل دم ،
فبادرت إلى عيادته ، وأخذت في طريقي اثنان من الزملاء فكنت ثالث ثلاثة ..
وما إن وقعت عيني عليه ، حتى هالني منظره ، شبح إنسان يجثم على السرير ، وحالة انهيار تامة
، كان أشبه بمن يسير إلى مقصلة ، تنتظر فصل رقبته !
حاول المسكين أن يداري ما هو فيه ، باصطناع ابتسامة باهتة ، كانت ترتجف على بوابة شفتيه ،
وتجلى فيهما ما كان يعتمل في قلبه من أهوال ..!
تشعر بوضوح أنه قد نفض يديه تماماً من الدنيا وأهلها ، غير أنه لا يزال متمسكاً بها ، يريد العودة
إليها ، ولكن هيهات !!
أحسست أنه يريد أن يقول : انتهى كل شيء ، ليس أمامي سوى انتظار الموت !
وخيل إلي أن كلمة الموت هذه ، جعلت جسمه يهتز .. مع أنه لم يقلها !
..
كنت قد اتفقت مع زملائي قبل الدخول عليه ، أن نحرص على أن تكون وجوهنا باشة متهللة ، تحمل
إليه نسائم الأمل ، ثم نسوق إليه من المعاني ما يفتح له بوابات الرجاء في الخروج مما هو فيه ..!
غير أنا لما رأيناه ، خرست ألسنتنا ، وأحسب أننا فشلنا في رسم الابتسامة على وجوهنا ، فلقد كان
المشهد فوق وصف الواصف !
وما أنقذنا من هذه الورطة التي وجدنا أنفسنا فيها ، إلا أن دخل والد المريض وبصحبته شيخ جليل ،
لا تقع عيناك عليه ، إلا امتلأ قلبك مهابة !
..
تقدم الشيخ ووضع يده على رأس صاحبنا وشرع يتمتم ، كان يتلو آيات من القرآن ويدعو ، ولمحت
على عينيه دمعات شرعت تترقرق أثناء ذلك ..
ثم جلس وشرع يتحدث حديث السماء لأهل الأرض .. حديثا خيل إليّ لو أنه صُب على صخرة ، لذابت
رقة وخشوعا ..!
ولا عجب إن رأيت صاحبي كأنه الزهرة ، أوشكت أن تذبل ، ثم شرعت تتفتح تحت ضوء الفجر ..!
..
استرسل الشيخ في كلام طويل ، وددنا أن لا يتوقف عنه ، ولكن قطع حديثه النداء للصلاة ، فبادر
يقوم ليضع يده من جديد على رأس المريض وأخذ يدعو له مرة أخرى.. ثم كرر عليه الوصية
بضرورة أن لا ينقطع عن الدعاء ..
لا يمكنني أن أسوق حديث الشيخ كاملا ، فهذا يحتاج إلى ذاكرة حديدية ، لا يلفت منها شيء ،
وذاكرتي لا تسعفني بهذا ..!
غير أني أسوق ما استقر من عقلي مما وجدت له أثرا مباشرا وقويا أثناء كلام الشيخ .. فكان مما
قال :
..
مما يسلي على البلاء ويخففه ، بل ويحمل هذا المبتلى على حمد الله على ما قضى وقدر أمور كثيرة
منها :
_ أن يتذكر أن خير الخلق وصفوتهم وأحبهم إلى الله وهم الأنبياء الكرام ، وعلى رأسهم سيدهم
محمد صلى الله عليه وسلم قد نزل بهم من البلاء ما يدك الجبال دكا ، ومع هذا صبروا وصابروا بل
وبقيت ألسنتهم تدور بحمد الله ..
وهنا ذكر آيات من القرآن الكريم ، وساق قصصا من السيرة النبوية ..
.
_ ومنها : أن هذا البلاء الذي نزل ، ليس في دينه ، فكل بلاء ليس في الدين هين إذا ما قيس بمن
يصاب في دينه ، لأن الذي يصاب في دينه يكون قد خسر الدنيا والآخرة ، وتعرض لسخط الله
وغضبه عليه ..
.
_ ومنها : أن هذا الذي وقع عليه ، كان مكتوبا في الأزل ، ( إنا كل شيء خلقناه بقدر)وليس بوسع
الإنسان أن يغير أو يبدل منه حرفا ، ومن ثم فإن الحزن على ما وقع ليس بمجدي شيئا ، إلا
الحسرة التي تأكل قلبه ولا تصلح له شأنه !
.
_ ومنها : أن يتذكر أن من ابتلاه رحمان رحيم ودود لطيف ، لا تنفك هذه الصفات الجليلة عن
قضائه ، فلابد أن تكون ثمة حكمة فيما وقع..
وهنا ساق بعض القصص المؤثرة ، الدال على لطف الله وحكمته بما يقع ..
.
_ ومنها : أنه لو فكر وقدر وأدار عقله ، وراجع نفسه ، وقلب ملفاته ، لأيقن أنه يستحق أكثر مما
نزل به ، بسبب طول بعده عن ربه ، وطول إعراضه عنه ، وطول تجرئه عليه ..
ولك أن تتخيل سجيناً يستحق مائة سوط ، ثم عوقب بعشرة فقط ، أحسبه سيرى ذلك نعمة عظيمة
تستحق الشكر عليها ..!
.
_ ومنها : أن يتذكر أن كل ابتلاء ينزل بالإنسان ، فإنما الهدف منه ، أن يفر إلى الله سبحانه ،
فينكسر ويتذلل ، ويكثر التضرع بين يديه سبحانه ، فكأنما البلاء عصا يحوشك بها إليه ، لتبقى في
رحابه ، فيملأ قلبك رضا وسكينة ونورا
( وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ )
.
_ ومنها : أن تتصور أن عقوبتك في العاجلة قد عجلت إليك الآن ، بحيث تقدم على الله نقيا صافيا ،
كمثل يوم ولدتك أمك ، فتكون مع أول فوج يدخلون الجنة ، والناس ينظرون في المحشر ينظرون
إليهم في حسرة ، يودون لو أنهم عادوا إلى الدنيا ، وصب عليهم البلاء صبا صبا ..!!
.
_ ومنها : أن تتذكر أن شأن الدنيا هو هذا ، فلا يمكن أن تصفو لإنسان ، فهي دار ابتلاء وأكدار
ومحن وفتن ، فمن صبر وصابر ، نال القرب من الله ورضاه
.
_ ومنها : تتفكر وتقدر أن هذا البلاء أشبه بالدواء الشديد المرارة ، فإذا احتملت مرارته جاء الله
بالشفاء من حيث لا تحتسب .. فاحتمال هذا الذي نزل بك ، قد تكون له ثمرات كبيرة لا تتصورها ولا
تحسب لها حسابا ألبتة ..
وهنا أيضا ساق قصصا من واقع الحياة ..
.
_ ومنها : أن تثق بربك سبحانه ، وأن تحسّن ظنك به ، فهل عوّدك الله إلا حُسنا ، وهل رأيت منه
إلا فضلا ، وهل وجدت منه طوال حياتك إلا كرما وسترا ولطفا وخيرا ؟؟ فقس ما نزل بك إلى تلك
المعاملات الكريمة ، تهون في عينك .
ومنها .. ومنها ,,ومنها ,,,! وخلال ذلك كان يسوق نصوص من القرآن والسنة والسيرة وأنمثلة من
واقع الحياة ..
.
لم نشعر بمرور الوقت وهو يطوف بنا هذا التطواف الجميل ، ثم ختم كلامك بهذه العبارة التي
كررها : إنما يبتليك ليربيك .. أو ليرقيك ..!
ثم أخذ ينصح صاحبنا بكثرة الدعاء وطول التضرع ، مع الثقة أن طلاقة قدرة الله سبحانه أعجب مما
يتصور إنسان .. وساق له قصصا على أهمية الدعاء وماذا يمكن أن يصنع ..
خرجنا من حجرة المريض ونحن نشعر أننا كنا نحن المرضى ، وجاء هذا الشيخ يحمل إلينا طريق
العافية ، ويأخذ بأيدنا إلى مربع الأمان ..!
قال أحدنا ونحن على الباب :
.
ألا ترون كيف فعل كلام الشيخ بصاحبنا ، لقد عادت إليه الحياة من جديد ، ولقد أشبهته بشجرة
متيبسة الأغصان ، ثم فجأة عادت مياه الحياة تجري فيها !
أطلق زميل آخر تنهيدة ثم قال :
كلام أهل السماء يسمو بك ، بشرط أن تفتح له أبواب قلبك ..!

منقووول لعيونكم

الله يبارك فيكي اختي الفاضلة يارب
ويسعدك لموضوعك المتميز
لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.