r]للداعي الحكيم أوصاف وعلامات كثيرة يُعرف بها ، أشار إلى بعضها الإمام الغزالي رضي الله عنه في إحياء علوم الدين فقال: {وقيل خمس من الأخلاق هي من علامات علماء الآخرة مفهومة من خمس آيات من كتاب الله َ "الخشية والخشوع والتواضع وحسن الخلق وإيثار الآخرة على الدنيا وهو الزهد"، فأما الخشية فمن قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} فاطر28
وأما الخشوع فمن قوله: {لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً} آل عمران199
وأما التواضع فمن قوله: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} الحجر88
،
وأما حسن الخلق فمن قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ} آل عمران159
وأما الزهد فمن قوله عز وجل: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} القصص80
ويمكن إجمال أوصاف الداعي الحكيم فيما يلي:
أولاً: التواضع لله تعالى في كل حال وخصوصاً عند رواية العلم أو بيانه بالكتابة أو الدراسة فالتواضع أكمل علامة للعلماء لأنها تدل على حقيقة الخشية من الله ، وقد حصر الله خشيته في العلماء لأن شأن العالم العارف لنفسه بنفسه الممتلئ من معرفة ربه المتحلي بواردات قدسه ألا يرى لنفسه حالاً ولا مقالاً بل يرى نفسه أقل من كل شئ وهذا هو النظر التام ، كما قيل:
إذا زاد علم المرء زاد تواضعاً …. وإذا زاد جهل المرء زاد ترفُّعاً
وفي الغصن من حمل الثمار مثاله …. فإن يعزُّْ عن حمل الثمار تمنّعاً
ثانياً: الحلم والأناة ، لأنهما خصلتان يحبهما الله وإذا تجرد منهما العالم هلك لأنه يتصف بالحماقة والعجلة ، فالعجلة توقعه في الخطأ والحماقة تنفر منه الخلق والحق فيكون ضاراً وقد يُبْتلى إذا لم يتصف بالحلم والأناة بالإعجاب برأيه والتعصب له فيجادل من خالفه ويؤيّد رأيه بالحجج ولو كان باطلاً
ثالثاً: من أكمل صفات العلماء أن يُعلِّموا كل فريق من الناس ما لابد لهم منه ويخفوا الحكمة إلا عن أهلها ، كما قيل: {لا تمنعوا الحكمة أهلها فتظلموهم ، ولا تعلموها غير أهلها فتظلموها} ، ومن علّم الحكمة لغير أهلها فتح على نفسه باباً من الشر وعلى المسلمين باباً من الفتنة فالعالم يُعلِّم الناس على قدر عقولهم ويداريهم كما قال صلى الله عليه وسلم: {كلَّموا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون ، أتريدون أن يكذَّب الله ورسوله؟}{1}
رابعاً: السكينة والرحمة ، فإن السكينة دليل على التمكين وبرهان على الرسوخ في العلم والرحمة من أخص صفات العلماء بحكم الوراثة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأجمل صفاته صلوات الله وسلامه عليه ما أثبتها الله تعالى له بقوله: {حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} التوبة128
وقدَّم الله عز شأنه الرحمة في الإيتاء على العلم للعالم فقال سبحانه: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً} الكهف65
خامساً: من أجلّ علامة العلماء ، العمل بالعلم في السر والجهر خشية من الله، والأخذ بالعزائم ولو كان في ذلك ما تكرهه نفوسهم أو تتألم منه أبدانهم إرضاء لله ولا يأخذون بالرخص من غير أسبابها وذلك لكمال اقتدائهم برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان فيما يروى عنه صلوات الله وسلامه عليه يأخذ نفسه بالأشد ويأمر غيره بالأيسر ولذلك كان كُمَّل أصحابه رضوان الله عليهم يقتدون بفعاله قبل أقواله لأن الإقتداء بأفعاله عزيمة
سادساً: التحفظ من أن يرى رأياً فيحكم به من غير أن يتثبت من أنه حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم أو أنه مأخوذ بالاستنباط من الكتاب والسنة أو من عمل أئمة السلف أو له نظير أو شبيه من أعمال السلف رضوان الله عليهم
سابعاً: الاجتهاد في سدّ باب الذرائع والفتن وإراحة أفكار المسلمين من الاشتغال بما يضر ولا ينفع الأمر الذي سبَّب فرقة المسلمين ووقوع العداوة والشحناء بينهم وجعل غير المسلمين يظنّون أن الدين الإسلامي مؤسس على تعصب لأشياء لا حقائق لها ، ومثال ذلك فتح باب التفاضل بين الصحابة والعلماء أو في الآراء والمذاهب والاعتقادات
ناهيك عن الفظاظة في الأخلاق والغلظة في الطباع والسخف في القول عند الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر متذرعين بحجة أن هذا من الدين وأن هذه نصيحة وأن هذه الطريقة الشرعية التي أمر الله بها ، ويجهلون أنهم بذلك وقعوا في كبائر لا تحصى منها مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخلاقه ومخالفة سنته في الدعوة وتنفير عباد الله ووقوعهم في بغض الدين وبغض أهله وظنوا أنهم أحسنوا
ثامناً: أن يكون أكثر بحثه عن علم الأعمال وعما يفسدها ويشوش القلب ويهيج الوسواس ويثير الشر فإن أصل الدين التوقي من الشر ولذلك قيل :
عرفت الشَّرَّ لا للشَّرِّ لكن لتوقِّيه ،،، ومن لا يعرف الشَّرَّ من الناس يقع فيه