الحمد لله
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وآخرون أنه يمكن أنه يرى الإنسان ربه في المنام ، ولكن يكون ما رآه ليس هو الحقيقة ؛ لأن الله لا يشبهه شيء سبحانه وتعالى ، قال تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الشورى / 11 فليس يشبهه شيء من مخلوقاته ، لكن قد يرى في النوم أنه يكلمه ربه ، ومهما رأى من الصور فليست هي الله جل وعلا ؛ لأن الله لا يشبهه شيء سبحانه وتعالى ، فلا شبيه له ولا كفو له .
وذكر الشيخ تقي الدين رحمه الله في هذا أن الأحوال تختلف بحسب حال العبد الرائي ، وكل ما كان الرائي من أصلح الناس وأقربهم إلى الخير كانت رؤيته أقرب إلى الصواب والصحة ، لكن على غير الكيفية التي يراها ، أو الصفة التي يراها ؛ لأن الأصل الأصيل أن الله لا يشبهه شيء سبحانه وتعالى .
ويمكن أن يسمع صوتا ويقال له كذا وافعل كذا ، ولكن ليس هناك صورة مشخصة يراها تشبه شيئا من المخلوقات ؛ لأنه سبحانه ليس له شبيه ولا مثيل سبحانه وتعالى ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى ربه في المنام ، من حديث معاذ رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى ربه ، وجاء في عدة طرق أنه رأى ربه ، وأنه سبحانه وتعالى وضع يده بين كتفيه حتى وجد بردها بين ثدييه ، وقد ألف في ذلك الحافظ ابن رجب رسالة سماها : " اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى " وهذا يدل على أن الأنبياء قد يرون ربهم في النوم ، فأما رؤية الرب في الدنيا بالعيان فلا .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لن يرى أحد ربه حتى يموت ، أخرجه مسلم في صحيحه . ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك قال : ( رأيت نورا ) وفي لفظ ( نور أنى أراه ) رواهما مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه ، وقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن ذلك فأخبرت أنه لا يراه أحد في الدنيا ؛ لأن رؤية الله في الجنة هي أعلى نعيم المؤمنين ، فهي لا تحصل إلا لأهل الجنة ولأهل الإيمان في الدار الآخرة ، وهكذا المؤمنون في موقف يوم القيامة ، والدنيا دار الابتلاء والامتحان ودار الخبيثين والطيبين ، فهي مشتركة فليست محلا للرؤية ؛ لأن الرؤية أعظم نعيم للرائي فادخرها الله لعباده المؤمنين في دار الكرامة وفي يوم القيامة ، وأما الرؤيا في النوم التي يدعيها الكثير من الناس فهي تختلف بحسب الرائي – كما قال شيخ الإسلام رحمه الله – بحسب صلاحهم وتقواهم ؛ وقد يخيل لبعض الناس أنه رأى ربه وليس كذلك ، فإن الشيطان قد يخيل لهم ويوهمهم أنه ربهم ، كما روي أنه تخيل لعبد القادر الجيلاني على عرش فوق الماء ، وقال أنا ربك وقد وضعت عنك التكاليف ، فقال الشيخ عبد القادر : اخسأ يا عدو الله لست بربي ؛ لأن أوامر ربي لا تسقط عن المكلفين ، أو كما قال رحمه الله ، والمقصود أن رؤية الله عز وجل يقظة لا تحصل في الدنيا لأحد من الناس حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما تقدم في حديث أبي ذر ، وكما دل على ذلك قوله سبحانه لموسى عليه الصلاة والسلام لما سأل ربه الرؤية . قال له : ( لَنْ تَرَانِي … الآية ) الأعراف / 143 ، لكن قد تحصل الرؤية في المنام للأنبياء وبعض الصالحين على وجه لا يشبه فيها سبحانه الخلق ، كما تقدم في حديث معاذ رضي الله عنه ، وإذا أمره بشيء يخالف الشرع فهذا علامة أنه لم ير ربه وإنما رأى شيطانا ، فلو رآه وقال له : لا تصل قد أسقطت عنك التكاليف ، أو قال ما عليك زكاة أو ما عليك صوم رمضان أو ما عليك بر والديك أو قال لا حرج عليك في أن تأكل الربا . . . فهذه كلها وأشباهها علامات على أنه رأى شيطانا وليس ربه . أما عن رؤية الإمام أحمد لربه لا أعرف صحتها ، وقد قيل : إنه رأى ربه ، ولكني لا أعلم صحة ذلك .الحمد لله
رؤية الله تعالى في الدنيا يقظة غير ممكنة ، والدليل على ذلك أن موسى عليه السلام وهو من أفضل الرسل ، وهو أحد أولى العزم الخمسة (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ) قال الله له : ( لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً ) ، اندك الجبل أمام موسى وهو يشاهد : ( وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً ) . غشي عليه لأنه شاهد شيئاً لا تتحمله نفسه : ( فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) الأعراف/143 . فتاب إلى الله من هذا السؤال ، لأنه سؤال ما لا يمكن ، والله عز وجل يقول : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) الأعراف/55 .
فرؤية الله في الدنيا حال اليقظة لا يمكن حتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة المعراج لم ير ربه ، وقد سئل هل رأيت ربك ؟ قال : ( رأيت نوراً ) . وفي لفظ : ( نورٌ أنَّى أراه ) . يعني بيني وبينه حجب عظيمة من النور ، وقد جاء في الحديث في الصحيح أن الله عز وجل محتجب بالنور ، وذلك في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( حجابه النور لو كشفه لأحرقته سبحات وجهه من انتهى إليه بصره من خلقه ) .
وسبحاته : بهاؤه وعظمته ، فلو كشف هذا النور الذي بينه وبين الخلق لاحترق الخلق جميعاً ، لأن بصره ينتهي إلى كل شيء ، فيحترق كل شيء بهذا النور العظيم ، وعلى هذا نقول : لا تمكن رؤية الله في الدنيا في اليقظة .
أما في المنام فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى ربه في المنام ، لكن هل غيره يمكن أن يراه ؟ يذكر أن الإمام أحمد رحمه الله رأى ربه ، وذكر بعض العلماء أن ذلك ممكن ، فالله أعلم ، لكن أخشى إن فتح الباب أن تدخل علينا شيوخ الصوفية وغيرهم فيقول أحدهم رأيت ربي البارحة ، وجلست أنا وإياه ، وتنادمنا وتناقشنا ، ثم يجيء من هذه الخزعبلات التي لا أصل لها ، فأرى أن سد هذا الباب هو الأولى