والصديق (الشايب)… خطر
في سيرة الإنسان على وجه الأرض أفراح وأتراح وأحزان ومسرات، تراه يتلفت يمنة ويسرة باحثًا عمن يشاركه فرحه ويشاطره حزنه، يؤنس وحشته ويزيل وحدته، ولكن من هو هذا الصديق والرقيق؟!
يذكر كثير من الدعاة والمربون وعلماء الاجتماع أن النسبة الكبرى من الانحرافات تأتي نتيجة حتمية لمصاحبة رفقاء السوء.
وما ذُكر هؤلاء الرفقاء إلا انصرفت الأذهان واتجهت الأنظار إلى الشباب والفتيات في سن المراهقة، وهذا حق بحكم السن وعدم النضوح والإدراك المبكر، ولكن هذا فيه نوع من القصور، فإن رفيق السوء لا يقتصر على مرحلة من مراحل العمر، فكم رأينا من رجل بلغ أشده وهو في أحسن حال ثم أخذ في تغيير مساره الصحيح بفعل رفيق سوء تعرف عليه في عمل أو من خلال زيارة أو مجاورة، ونساء كثر بدأن خطوات غير موزونة وغير ثابتة مع أن أبناءها بدؤوا يشبون عن الطوق.
فخطر رفيق السوء أنه يتسلل إلى القلب خلسة وفي غفلة من الإنسان، وإلا فما ظنك بمن خط الشيب مفرق رأسه وهو على حال طيبة في بيته ومع أهله عابدًا مطيعًا، ثم فجأة لما تعرف على فلان
كـثرت أسفاره وطال غيابه! حتى يمسي بالمراهق الكبير! ومـا رأيك بامرأة بدا ابنها وابنتها أطول منها جسمًا ثم ها هي تبدي محاسنها ومفاتنها عند الرجال الأجانب على تقادم فيها وكبر!
ولربما كان تأثير رفيق السوء في سن متقدمة أسرع من تأثير الصغير لأمور منها: محاولة الكبير إبراز رجولته والمرأة إبراز أنوثتها التي بدأت تغيب عنها الشمس، ثم إن الصغير قد يجد من يحيطه بالعناية والرعاية وينصحه ويأخذ على يده، وقل مثل ذلك في الكبير، ثم إن في اعتداد الشخص بنفسه وتكبره على كبر سنه وعدم قبوله للنصح أكبر تلك العوامل.
في الصحيح عن ابن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أمية، فقال صلى الله عليه وسلم : «يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله» فقالا له: ترغب عن ملة عبد المطلب، فأعاد عليه رسول الله، فاعادا، فكان آخر ما كلمهم به هو: على ملة عبد المطلب وأبي أن يقول: لا إله إلا الله، فتأمل في رفيفي السوء أبي جهل وعبد الله بن أمية وكيف كانا سببًا في حرمان عم النبي صلى الله عليه وسلم من النطق بالشهادة!
وقد شفى النبي صلى الله عليه وسلم كل عليل بكلمات نبوية عظيمة في أوضح مثال عن الصحبة فقال – عليه الصلاة والسلام – في الحديث المتفق عليه: «إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير، إما أن يُحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا منتنة».
وقبل أن تتلمس صديقك ورفيقك تأمل في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم
وانظر في حال صحبتك وأمر رفقتك، قال صلى الله عليه وسلم: «الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يُخالل» [رواه أحمد].
ولا يُظن أن رفيق السوء هو من يدل على المعاصي، بل إن من لا يدلك على الخير هو رفيق سوء وعلى تفاوت بين الأمرين؛ لكن الإنسان يرتقي في الصحبة إلى أعلى الأصحاب منزلة وأقربهم كمالاً.
وأنت تتلمس صحبتك وخيار الناس لك لا يفتك ولا يغب عن عينيك أمر أبنائك وبناتك وزوجتك! أصلح الله القلوب وأقر الأعين([1]).
* * *
من كتيب: سنبلة قلم
للشيخ: عبدالملك القاسم
والصلاة والسلام علي أفضل الخلق سيدنا محمد واّله وصحبه أجمعين
مشكورة جزاك الله كل خير
ووفقك الي مايحب ويرضي
اللهم أرزقني العفو والعافيه في الدنيا والاخره