قال ابن الجوزي رحمه الله: الحذر الحذر من المعاصي فإنها سيئة العواقب، والحذر الحذر من الذنوب خصوصًا ذنوب الخلوات، فإن المبارزة لله تعالى تسقط العبد من عينه سبحانه ولا ينال لذة المعاصي إلا دائم الغفلة.
فأما المؤمن اليقظان فإنه لا يلتذ بها، لأنه عند التذاذه يقف بإزائه علمه بتحريمها وحذره من عقوبتها، فإن قويت معرفته رأى بعين علمه قرب الناهي وهو الله.
فيتنغص عيشه في حال التذاذه فإن غلبه سكر الهوى كان القلب متنغصًا بهذه المراقبات وإن كان الطبع في شهوته فما هي إلا لحظة ثم خزي دائم وندم ملازم وبكاء متواصل وأسف على ما كان مع طول الزمان.
حتى إنه لو تيقن العفو وقف بإزائه حذار العتاب فأف للذنوب ما أقبح آثارها وأسوء ولَمَّا قَسَا قَلْبِي وضَاقَتْ مَذَاهِبي
تَعَاظَمِني ذَنْبِيْ فَلمَّا قَرَنْتُهُ
فلِلَّهِ دَرُّ العَارِف النَّدْبِ إِنَّهُ
يُقِيْمُ إِذَا ما اللَّيْلُ مَدَّ ظَلامَهُ
فَصِيْحًا إِذَا مَا كَانَ مِنْ ذِكْرِ رَبِّهِ
ويَذْكُرُ أَيَّامًا مَضَتْ مِن شَبَابِهِ
فَصَارَ قَرْينَ الهَمِّ طُول نَهَارِهِ
يَقُولُ إِلَهِيْ أَنْتَ سُؤْلِي وبُغْيَتي
فأنْتَ الذي غَذَّيْتَنِي وكَفَلْتَنيْ
رَجُوتُكَ مُوْلِى الفَضْلِ تَغْفِر زَلَتَيْ
جَعَلْتُ الرَّجَا مِنِّي لِعَفْوكَ سُلَّمَا
بِعَفْوكَ رَبِي كَانَ عَفْوُكَ أَعْظَمَا
تِسحُّ لِفَرْطَ الوَجْد أجْفَانُهُ دَمَا
عَلَى نَفْسِهِ مِن شِدَّةِ الخَوْفِ مأتَمَا
وفِيْمَا سِوَاهُ فِي الوَرَى كانَ مُعْجَمَا
ومَا كَانَ فِيْهَا فِي الجَهَالَةِ أَجْرَمَا
ويَخْدِمُ مَوْلاهُ إِذَا اللَّيلِ أَظْلَمَا
كَفَى بِكَ لِلِرَّاجِيْن سُؤْلاً ومَغْنَمَا
ومَا زَلْتَ مَنَّانًا عَلَيَّ ومُنْعِمَا
وتَسْتُرُ أَوَزَارِيْ وما قَدْ تَقَدَّمَا