أيهما أفضل للمؤمن ان يمكن او يبتلى
سُئل الإمام الشافعى رضى الله عنه أيهما خير للمؤمن أن يمكن أو يبتلى
فقال لا يُمكّن المؤمن حتى يُبتلى ؟
الصبر حالة من الحالات التى تظهر إيمان المؤمن وثقته فى الله سبحانه وتعالى ومن لا يعرفون دواء الصبر على البلايا والمحن التى تصيب الإنسان ولا يعرف حكمتها غالباً تفترسهم أوبئة الاكتئاب والحزن والسخط فهى فى نظره عندئذ عقاب ينزل على رأسه دون غيره من الناس .. ومن يتأمل قوله تعالى " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا " التوبة 51 يدرك أن هذه الابتلاءات محن لا تخلو من منح وأنها لنا وليست علينا و ربما كانت سببا لرحمة نجهلها أو خير لا نراه وقد تكون سبباً فى أن يبلغ المبتلى مكانة فى الدنيا أو الآخرة لم يكن ليبلغها بعمله فيحمله الصبر إلى حيث يعجز عمله أن يحمله "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " .الزمر 10
والله سبحانه وتعالى يخبر المؤمنين أنه سيبتليهم وفى عبارة مؤكدة بتأكيدين اثنين ( اللام والنون )
" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ " البقرة 155
والبشرى ليست لكل من ابتلاه الله بل للصابرين على الابتلاء والصبر على الابتلاء يعين عليه أن يدرك الإنسان مغزاه أو يفوض الأمر فيه لله وهذا أحد أهم دروس قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح الذى يجمع المفسرون على أنه الخضر ، فموسى عليه السلام وهو نبى مرسل لم يستطع صبرا على ما لم يجد له تفسيرا فسأل العبد الصالح أكثر من مرة كما فى القرآن الكريم والعبرة لكل مؤمن إلى أن تقوم الساعة وهى أن يسلم بالفعل ـ لا بالقول وحده ـ أن فوق كل ذى علم عليم وإلا أصبح كل إنسان فى حاجة إلى مصاحبة هذا العبد الصالح فى رحلة تعلم ، وعندما يدرك الإنسان أن ما يمر به من ابتلاءات ليس إهانة بل اختبار لثقته فى الله التى تترجم فى سلوكه صبراً ،
يقول تعالى :
" وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ " الشورى 43
والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمنح كل من شرفه الله بشرف الابتلاء وساماً رفيعاً يقول صلى الله عليه وسلم " أشد الناس بلاء الأنبياء فالأمثل فالأمثل " والصبر مدرسة تربوية إسلامية فالرسول يربى أصحابه فى الحديث الشريف قائلا : " عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له " .
وما أعطى أحد عطاء أوسع من الصبر وهو يكون على الطاعات والعبادات ويكون كذلك على الأحزان والمكاره والابتلاءات كافة، فى البيت والعمل والسوق والشارع ومع الأسرة والأصدقاء والجيران .. فاللهم اجعلنا من الصابرين.
ودونك معالم فقه الابتلاء عند سلفنا الصالح:
1- الابتلاء ضرورة إيمانيّة: قال -تعالى-: {أحسبَ الناسُ أن يُتركوا أن يَقولوا آمنَّا وهم لا يُفتنون} [العنكبوت:2].
لا بدَّ أن يمتحن الله أهل الإيمان ويبتليهم حتى يميز الصادق من الكاذب، ولذلك اقتضت حكمة الله -تعالى- البالغة أن نصب الابتلاء سبباً مفضياً إلى تمييز الخبيث من الطيب، والشقي من الغوي، ومن يصلح وممن لا يصلح: {ما كان الله ليَذَر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيثَ من الطيب} [آل عمران:179]. ويخلص الصادق من الوهن البشري الذي لا تسلم منه نفس بشرية؛ فتسموا همّته فوق الألم فيدرك أنه جسر إلى المعالي فلن يدرك المرء المجد حتى يلعق الصبر. ويبتلى المرء على قدر دينه كلما اشتد إيمانه عظم ابتلاؤه حتى يخلص من شرور نفسه وسيئات أعماله، ويظهر طيب نفسه بكير الامتحان؛ كالذهب الذي لا يخلص ولا يصفو من غشة إلا بكير النيران، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: ((أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل: يبتلى الرجل على حسب دينه؛ فإن كان في دينه صلباً اشتدّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقّة ابتلي حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه من خطيئة)). ولذلك فالمؤمن ينظر إلى الابتلاء أنه نعمة ورحمة من الله على عباده يتعهدهم بالابتلاء المرة بعد المرة؛ لينقيهم، ويطهرهم، ويذهب عنهم رجز الشيطان، ويربط على قلوبهم، ويثبت به الأقدام. وكذلك ينظر إليه أنه دليل رضى ومحبة من الله لعباده، فإن الله إذا أحبَّ عبداً ابتلاه، وكلما صلب إيمان المرء، وقوي يقينه اشتدّ بلاؤه فمن رضي فله الرضى، والعكس بالعكس.
2- الابتلاء سنة من سنن الله الجارية في الأمم الخالية: قال -تعالى-: {ولقد فتنّا الذينَ من قبلِهم فليعلمنّ اللهُ الذينَ صدقوا ولَيَعلمنَّ الله الكاذِبين} [العنكبوت:3].
3- الابتلاء مقدمة التمكين: لما كان الابتلاء ضرورة إيمانيّة؛ فإنّ المؤمن يحصل له الألم ابتداءُ ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة، وسئل الشافعي -رحمه الله- أيهما أفضل للرجل أن يُمكن أو يُبتلى؟ فقال: ((لا يُمكن حتى يُبتلى)). وقد ابتلى الله المؤمنين فلما صبروا مكَّنهم في الأرض، واستخلفهم: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لمَّا صبروا وكانُوا بآياتنا يُوقنون} [السجدة:24]، فلا يظن عاقل أن أحداً يخلص من الألم ألبتّة، وإنما يتفاوت أهل الآلام في العقول فأوسطهم من باع ألماً مستمراً عظيماً بألم منقطع يسير ثم تعقبه لذة في الدنيا والآخرة. وكما أنّ الابتلاء سنة جارية كذلك التمكين والاستخلاف كما قال –تعالى-: {وعّد الله الذين آمنوا منكُم وعَملوا الصالحاتِ لَيستَخلِفنّهم في الأرض كما استَخلف الذين من قبلِهم وليُمكننَّ لهم دينهمُ الذي ارتضى لهم وليبدلنّهُم من بعد خوفِهم أمناً يَعبدونني لا يُشركونَ بِي شيئاً ومن كَفَر بعدَ ذلك فأولئك همُ الفاسقون} [النور:55].
4- عدم استعجال التمكين واستدعاء البلاء: المؤمن يتأنى في الأمور، وينظر في عواقبها؛ لأنَّ الفقيه من نظر في العواقب، ولم تستفزه البداءات، ولذلك فهو لا يستعجل التمكين وإن جاشت عاطفته، وغلت حماسته؛ لأنه يعلم أنه لا بدّ من الابتلاء ابتداء، وهو لا يتمنّى الابتلاء ولا يستدعيه؛ لأنّ في طياته فتنة مجهولة العواقب لا يدري الإنسان أيثبت أم ينكص على عقبيه؟ -عياذاً بالله-. ويدل على ذلك الأدعية المأثورة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي يسأل الله فيها العفو والعافية والمعافاة من البلاء والابتلاء. وكذلك الأحاديث التي فيها النهي عن تمني لقاء العدو، أو المرض أو غير ذلك من البلاء. عن حذيفة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه)). وقالوا: وكيف يذل نفسه؟. قال: ((يتعرض من البلاء ما لا يطيق))
وما تقدم من فقه هذه المسألة مداره على حديث خباب بن الأرت –رضي الله عنه- قال: شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: ((كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض؛ فيجعل فيها؛ فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه. والله ليُتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)). وبيان ذلك: إخباره عن ابتلاء مؤمني الأمم الماضية يشير إلى أنه ضرورة إيمانيّة، وأنه سنّة جارية في المؤمنين على مر العصور
فنسال الله ان نصبر على المحن التي نمر بها يوما بعد يوم
جزاك الله كل خير على الموضوع الرائع
اسال الله ان يفرغ علينا صبرا وان يصب علينا الاجر صبا مثلما صب البلاء علينا صبا
رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ .