فائدة تقدم السمع على البصر في جميع القرآن
ذلك لأن السمع أهم من البصر على قول كثير من المفسرين مع وجود من يقول بأهمية البصر
يقول الطبري : ( والسمع يدرك به من الجهات وفي النور والظلمة, ولا يدرك بالبصر إلا من الجهة المقابلة وبواسطة من ضياء وشعاع, ؛ لأن السمع لا يدرك به إلا الأصوات والكلام, والبصر يدرك به الأجسام والألوان والهيئات كلها )
يقول ابن القيم : ( واحتج مفضلوا السمع بأن به ينال غاية السعادة من سمع كلام الله وسماع كلام رسوله صلى الله عليه وسلم )
يقول ابن عجيبة في تفسيره: ( وقدَّم في جميع القرآن نعمة السمع على البصر؛ لأنه أنفع للقلب من البصر، وأشد تأثيرًا فيه، وأعم نفعًا منه في الدين )
ومن المفسرين المتأخرين من رأى أن لتقديم السمع على البصر فائدة وحكمة, ومنهم الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي ذكر عدداً من الحِكم في تقديم السمع على البصر, ومنها:
1- أن السمع أول عضو يؤدي وظيفته في الدنيا، فالطفل ساعة الولادة يسمع عكس العين فإنها لا تؤدي مهمتها لحظة مجيء الطفل إلى الدنيا.
2- أن الأذن لا تنام, فالإنسان عندما ينام يسكن فيه كل شيء إلا سمعه، وإنك إذا أردت أن توقظ النائم ووضعت يدك قرب عينيه فإنه لا يحس، ولكنك إذا أحدثت ضجيجاً بجانب أذنه فإنه يقوم من نومه فزعاً. والشيء الذي لا ينام أرقى في الخلق من الشيء الذي ينام، فالأذن لا تنام أبداً منذ ساعة الخلق.
3- أن الأذن هي الصلة بين الإنسان والدنيا، فالله سبحانه وتعالى حين أراد أن يجعل أهل الكهف ينامون مئات السنين قال: " فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدا " [الكهف: 11], ومن هنا عندما تعطل السمع استطاعوا النوم مئات السنين دون أي إزعاج، ذلك أن ضجيج الحركة في النهار يمنع الإنسان النوم العميق، وسكونها بالليل يجعله ينام نوماً عميقاً، وهي لا تنام ولا تغفل أبداً.
4- أن العين تحتاج إلى نور حتى ترى, وبالتالي فإن العين لا ترى في الظلام, ولكن الأذن تؤدي مهمتها في الليل والنهار, في الضوء والظلام.
والتحقيق أن السمع له مزية والبصر له مزية, فمزية السمع العموم والشمول, ومزية البصر كمال الإدراك وتمامه, فالسمع أعم وأشمل, والبصر أتم وأكمل, فهذا أفضل من جهة شمول إدراكه وعمومه, وهذا أفضل من جهة كمال إدراكه وتمامه
لكن ظهرت حقائق علمية متعددة تثبت أن للسمع ميزات كثيرة تفوق تلك الميزات التي يتميز بها البصر لم تكن معروفة قبل أربعة عشر قرناً، ولم يعرف الكثير منها إلا في العقود الأخيرة من القرن العشرين, على أيدي علماء متخصصين بذلوا في سبيل الوصول إليها أعماراً طويلة, واستخدموا أحدث الوسائل العلمية وأدقها.
إذ أن آلة السمع وهي الأذن تتكون قبل آلة البصر وهي العين ، فالأذن الداخلية للجنين تنضج وتصبح قادرة على السمع في الشهر الخامس، بينما لا تفتح العين ولا تتطور طبقتها الحساسة للضوء إلا في الشهر السابع ، بالإضافة إلى أن الطفل يبدأ بالسمع منذ ولادته ويكون حادا بعد أيام بينما حاسة البصر فهي ضعيفة جداً عند الولاة إذ تكاد أن تكون معدومة، ويصعب على الوليد تمييز الضوء من الظلام، ولا يرى إلا صوراً مشوشة للمرئيات، وتتحرك عيناه دون أن يتمكن من تركيز بصره وتثبيته على الجسم المنظور، ولكنه يبدأ في الشهر الثالث أو الرابع تمييز شكل أمه أو قنينة حليبه وتتبع حركاتهما، وعند الشهر السادس يتمكن من تفريق وجوه الأشخاص، إلا أن الوليد في هذا السن يكون بعيد البصر، ثم يستمر بصره على النمو والتطور حتى السنة العاشرة من عمره ، كما ثبت أيضا أن الأذن مسئولة عن التوازن أيضا بالإضافة لوظيفتها الرئيسية , أما العين فهي مسئولة عن البصر فقط.
ومن المعلوم أن المولود الذي يولد فاقداً لحس السمع يصبح أبكماً بالإضافة إلى صممه ولن يتمكن من تعلم النطق والكلام, أما الذي يولد فاقداً لحس البصر فإنه يتمكن من تعلم النطق وبسهولة ، بالتالي يتبين أن فاقد السمع أقل علماً من فاقد البصر, بل قد يكون فاقد البصر أحد العلماء الكبار بخلاف فاقد صفة السمع فإنه لم يعهد البتة. .
هذه الحقائق العلمية الناصعة تبين بكل وضوح وجلاء الإعجاز العلمي في الآيات البينات التي قدمت السمع على البصر؛ لأسبقيته في الخلق والتطور العضوي والوظيفي , ولتركيبه التشريحي وتقدم مركز السمع على مركز البصر في الدماغ.
والله أعلم