أطفالنا ثروتنا الحقيقية التي لا تقدر بثمن، فهم أكبادنا التي تمشي على الأرض، و محور اهتمامنا، ومن ثم فإنا نتطلع إلى رؤيتهم دوماً في أحسن حال وأعظم مرتبة. ومن الطبيعي أن يكون وقع الصدمة على الوالدين كبيرا إذا اكتشفوا قيام طفلهم بفعلة مشينة، كالكذب أو السرقة، موجهين لأنفسهم تهمة الإهمال والتقصير في تربية هذا الطفل، ومن ثم تسود لديهم النظرة السوداوية عن مستقبل طفلهم، ملصقين له حكماً سريعاً بأنه (لص) وأنه سيصبح منبوذا منهم ومن المجتمع.
وإذا قارنا موقف الأهل من مشكلة سرقة الطفل أو التأخر الدراسي نجد أن وقع السرقة عليهم أكبر بكثير، ولسنا نبالغ إن قلنا إن وقعه يأتي كالطامة التي تجعل الأهل يتخبطون، ولا غرو في ذلك؛ لأنهم ينظرون إلى السرقة كداء ينتفي معه صلاح طفلهم.
ومن هنا كان لزاما علينا أن نبدأ في رحلة الكشف عن الدوافع الرئيسة للسرقة لدى الأطفال لمعرفة الحل الأمثل والأنجع للعلاج.
السرقة موروثة أم مكتسبة؟!
يمكن تعريف السرقة على أنها الاستيلاء على ما يملكه الأخر بدون وجه حق، فالسرقة هي إحدى العادات السلوكية السيئة التي لا ترجع إلى أي دوافع فطرية؛ بل إنها مكتسبة من المحيط الذى يعيشون فيه، عن طريق التقليد وهى ليست حتمية الحدوث.
والسرقة كما يراها علماء النفس، تختلف من مرحلة عمرية لأخرى وفقاً لإدراك الطفل لمعنى السرقة، وتفرقته بينها وبين الاستعارة، فطفل الثالثة غالباً ما يسعى لأخذ كل ما يجتذب انتباهه ويخبئه في جيبه، وهو ما يحدث كثيرا في تجمعات الأطفال، مثل: (الحضانة) وفي هذه المرحلة لا ينبغي الحكم على الطفل بأنه سارق لأنه لم يكتسب بعد مفهوم الملكية الفردية والملكية العامة، فهذه الميول الاستكشافية لدى الطفل إحدى سمات المرحلة، وليست ميولا إجرامية.
وبعض الأمهات يقعن في خطأ جسيم قد يرسخ عادة السرقة -التي لم تكن مقصودة- عند طفلها بالتعتيم على هذا السلوك الطارىء، وإن اضطرها ذلك إلى عدم إعادة الشيء إلى أصحابه، ظناً منها أنها ستفضح ابنها حال قيامها برد ما أخذه الولد، في حين أن الأطفال تترجم هذا التصرف على أنه أمر عادي وشيء مباح.
وتعد المرحلة العمرية من الثالثة إلى الخامسة هي أنسب مرحلة لإرساء مفهوم الملكيات الخاصة عند الأطفال؛ لأن من شب على شيء شاب عليه.
لماذا يسرق الأطفال؟!
وبالنظر إلى دوافع السرقة نجد أنها كثيرة ومتعددة عند الأطفال، فهي تبدأ كاضطراب سلوكي في سن الخامسة حتى الثامنة من عمر الطفل، وقد يتطور الأمر في سن العاشرة حتى الخامسة عشر، ومن أعراض هذا الاضطراب السلوكي الكذب والعدوانية والتأخر الدراسي.
وتأتي الغيرة والانتقام كأحد دوافع السرقة كأن يغار من إخوته لتفوقهم أو تميزهم عليه في مجال من المجالات أو نشاط من الأنشطة، فيحاول أن يشفي غليله منهم بالسرقة كنوع من رد الفعل الذي يشعره بشيء من الرضا الكاذب.
كما يعد الاضطراب المزاجي أحد أسباب السرقة ودوافعها، حيث يكون الطفل غير متحكم في مشاعره ويعاني من العصبية الشديدة في حالة عدم تلبية رغباته.
وربما يسرق الطفل أيضاً للفت الانتباه، وللحرمان من الحب خاصة في حالات انشغال الأهل أو لوجود شحناء بينهم.
وللسرقة دوافع أخرى مثل: الخوف، أو الحاجة إلى الشعور بالاستقلال، أو التفاخر بين أصدقائه بامتلاك شيء مميز يشبع لديه جانب النقص الذي يسببه له أحياناً بخل الوالدين.
ومن الجدير بالذكر أن المستوى الاجتماعي ليس له علاقة بسعي الطفل إلى السرقة، فقد تتوفر له كل سبل الرفاهية، ويجاب إلى ما طلب؛ ورغم ذلك تجده يسرق، فهذا متوقف على الطريقة المتبعة في التربية والتي يفضل فيها أسلوب الترغيب والترهيب أو الثواب والعقاب.
ومن الغريب قيام بعض الأطفال بسرقة الطفل الذي يحبونه إذا لم يلقوا منه أي تجاوب تجاههم، وغالباً ما يكون المحبوب من الجنس الآخر معتبرين الشيء المسروق رمزاً لاستمرار العلاقة، وهو ما يعرف (بظاهرة الأثرية) أي الاحتفاظ بأثرٍ من مقتنيات من يحب.
مهارات الطفل السارق
يرى علماء التربية أن السرقة تتطلب أن يكون لدى السارق عدة مهارات عقلية وجسمية تمكنه من القيام بهذا العمل، كسرعة الحركة، ودقة الحواس والجرأة وقوة الأعصاب والذكاء. وهي صفات إذا استثمرت بشكلٍ صحيحٍ فإن ذلك سيكون في صالح الطفل.
فمثلاً إذا قام الطفل بأخذ قطعة من الحلوى من أحد المحلات وخبأها في ملابسه، فلابد من توجيهه وإفهامه – دون تعنيف أو ضرب- أن هذا الشيء لا يجوز، ويفضل اتباع أسلوب تأنيب الضمير معه عن طريق سؤاله عن شعوره إذا ما أخذ منه أحد شيئا عزيزا عليه. وهذا الأسلوب يسهم في تنبيه جهاز الطفل العصبي فيجعله يمييز بين ما يملك وما لا يملك.
نصائح الأطباء
ينصح الأطباء النفسيون بعدة أمور احترازية؛ لتفادي داء السرقة لتصبح أمرا عارضا وليس مرضياً، ومن هذه الأمور:
– المساواة والعدل بين الأبناء، وعدم تفضيل أحدهم على الآخر حتى لا يكون ذلك باعثا على إذكاء نار الغيرة والكراهية بينهم.
– متابعة الطفل ومعرفة مصدر الأشياء التي بحوزته في محاولة لمد جذور التواصل بين الأهل والمدرسة.
– اتباع أسلوب الترغيب والترهيب، والثواب والعقاب، وعدم إلصاق تهمة اللصوصية بالطفل، فعند الاكتشاف الأول يمكن مسامحة الطفل، مع التحفظ على أن تكرار هذه الفعلة مرة أخرى سوف يترتب عليه عقاب يحدده الوالدان بشرط أن يكون متدرجا، علما أن التكرار ليس دليلا على عدم قابلية الطفل للإصلاح.
– مكافأة الطفل على كونه لا يعبث بأشياء الآخرين من أصدقائه مع تشجيعه وضرب الأمثلة له أن الآخرين يفعلون أفعالا خاطئة بينما أنت متميز عنهم.
– ضرورة التشديد على الطفل منذ نعومة أظفاره وإعلامه بحرمة السرقة، وذلك بأسلوب سهل ومبسط، فالرسول – صلى الله عليه وسلم- حين أراد أن يجذب عبد الله بن عمر بن الخطاب لصلاة الليل لم يعاقبه ولم يوبخه، بل قال له نعم الرجل عبد الله لو كان يصلى من الليل إلا قليلا. وبطريقة المدح هذه قد ذكره صلى الله عليه وسلم بشيء قد غفل عنه، فأصبح أمرا محببا إلى نفسه.
– ضرورة قيام الوالدين برد ما أخذه الطفل خلسة؛ لأن التغاضي عن هذه الفعلة قد ترسخ في ذهنه أن ذلك أمر عادى، مع الإكثار من حكاية القصص التي تبين عقوبة السرقة وعقاب السارق التي سيتعرض لها إذا فعل ذلك.
– تعويد الطفل وتربيته على أنه ليس بالضرورة أن يتوفر لديه كل ما يطلبه -خاصة الأمور الترفيهية – فلابد أن يعيش بوسطية فلا إفراط ولا تفريط.
– لابد من أخذ الأمر بجدية وسرية تامة بحيث لا تتعدى الأب والأم، وإذا علم الأبناء من الممكن إفهامهم أن أخاهم أخذ الشيء من قبيل الخطأ وليس العمد.
– متابعة الوالدين لنوعية الأفلام والقصص التي يتعرض لها الأطفال؛ للتأكد من خلوها من السلوكيات الخاطئة التي قد يقلدونها، فمن الضروري أن يختاروا لطفلهم ما يتلائم مع المرحلة العمرية التي يمر بها.
فأطفالنا كالصلصال الطيِّع كيفما شكلناهم وربيناهم وجدناهم، فهم أمانة في أيدينا تستوجب منا الدأب منقول للفائده