إذا جلست لتتحدث مع مجموعة منالناس. فلا تأخذ الجلسة كلها لحسابك الخاص .لا تحاول أن تكون المتكلم الوحيد. أو المسيطر علي دفة النقاش. اعط فرصةلغيرك. لكي يتحدث هو أيضاً. ويعبر عن رأيه. ولا تُشعر أحداً أنه غريب في مجلسك. بلأطلب من غيرك أن يتكلم. وقل له في مودة "يسرنا أن نسمع رأيك". لا تظن أنباقي الحاضرين لا يفهمون مثلك. ولا تضع نفسك في موقف المدير. الذي يقبل ما يعجبه منآراء. ويرفض ما لا يعجبه. أو أن يكون حكماً علي ما يقوله الغير.
3. حبذا لو كنت في الحوار آخرالمتكلمين. وليكن لتأخرك في الحديث هدفان. هما الأدب والحكمة.أما الحكمة فهي لكي تكون لك فرصة في أن تدرس موضوع الحديث جيداً قبل أنتتكلم مع الحاضرين فيه. وأن تستعرض في ذهنك كل وجهات النظر وبراهينها وأسانيدها. حتي إذا ما تحدثت. يكون ذلك عن دراية ومعرفة. وتكون قد أعطيت غيرك فرصة للتعبيروأعطيت نفسك فرصة للتفكير.
4. أما الأدب. فهو أن تفضل غيرك علي نفسك .تقدمه في الحديث عليك. احتراماًلرأيه. أو لسنه. أو لخبرته. أو لرغبته في إبداء رأيه. وفي هذا الأدب. لا تحاول أن تجيببنفسك علي كل سؤال. وبخاصة الموجه إلي غيرك. انتظر إلي أن يتكلم الآخرون. وإن كانهناك ما يحتاج إلي إضافة. أذكره في اتضاع مع احترامك لكل ما قيل من قبل. وضع فياعتبارك توقير من هم أكبر منك سناً. أو أعلي منك مقاماً. وتذكر قول أحد الآباءالروحيين : إذا جلست مع الشيوخ. أو مع الأساتذة المعلمين. فكن صامتاوإن سألوك عنرأيك. فقل أحب أن أسمع وأتعلم..
5. لهذا كنمتواضعاً ودمثاً في حديثك وفي صمتك.. لا مانع إذا دُعيت إلي الكلام في بعضالأوقات أن ترد في اتضاع قائلا: البركة فيكم. كيف أتكلم وفلان موجود؟! فإنه يفهم فيهذا الموضوع أكثر مني. ليته يزيدنا علماً.. أنا في الحقيقة لم أدرس هذا الموضوعجيداًَ. أخاف أن أتكلم فأضيع وقتكم!. وليكن هذا الاتضاع في قلبك. قبل أنتلفظه بلسانك. وإن تكلمت هكذا. فلتكن كلماتك بمشاعر صادقة. وليست بطريقة مصطنعة. إنما بتعبير حقيقي عما في قلبك.
6. وطبعاً يقتضيالاتضاع والأدب. أنك لا تقاطع غيرك أثناء حديثه..
لا تسكته لكي تتكلم أنت. فإن هذا يدل علي عدم احترامك لمحدثك. أو عدماحترامك لكلامه.. أو أن مقاطعتك له. تدل علي ثقتك بنفسك. وتفضيل ذاتك عليه. ويحدثأحياناً إذا ما قاطعت غيرك في الحديث أنه لا يقبل ذلك منك. ويقاطعك هو الآخر. ولايكون مستعداً لسماعك. وتتبادلان المقاطعة أنت وهو بدون فائدة. وتختلط كلماتكمابطريقة مشوشة. وأسلوب معثر للآخرين. ويبدو للسامعين أنكما لستما في حوار أو نقاش. إنما في صراع أو عراك..!
7. من أدب الحديث أيضا. أنه لا يعلوصوتك علي صوت محدثك. سواء كان ذلك في حديث خاص. أو في حوارأو مناقشة. وعموماً. الصوت الهاديء له وقاره واتزانه. أما الصوت العاليفيالمناقشات فهو أمر غير لائق. إن الحوار الهاديء يأتي بنتيجة. أماالأصوات العالية فتحوله إلي شبه شجار. لذلك ينبغي البعد عن صخب الصوت في المناقشات. فليست الكرامة والانتصار في علو الصوت أو حدته.. بل إن قوة الكلام هي في منطقهوحجته وإقناعه. ولا يتفق مطلقاً مع أدب الحديث. أن يعلو صوتك علي محدثك. ويغطي عليكلامه. أو أن يكون في نبرة صوتك ما يشعره بعدم احترامك له. إنك بهذا لا تكسب محدثكولا سامعيك. مهما ظننت انك تكسبالحوار.
8. إن كنت في حوار. وأخطأ منتحاوره. فلا تكشفه. ولا تحرجه. ولاتتهكم عليه. ولا تتعرض لأخطائه في قسوة. بل اظهر الرأي السليم فيايجابية ووقار. دون أن تحطم غيرك. خذ الخير الذي في كلام محدثك. واترك الباقي.. امتدح النقاط البيضاء السليمة التي في حديث من أخطأ. قبل أن تتعرض للرد علي أخطائه. وليكن ردك في جملته بموضوعية. دون أن تمس شخص المحاور أو عقليته. ثم اذكر رأيك إليجواره. وليس فوق حطامه.
9. إن كنت تعرف ما سيقوله محدثك. فلا تخجله وتسكته. سواء كان ذلك في قصة. أوفكاهة. أو في اقتباس ما.. بل استمع إلي كلامه في هدوء. كما لو كنت تسمعه لأول مرة! واظهر إعجابك بما يستحق الاعجاب فيما تسمعه.. ولا تسبقه بالكلام. أو تكمل له مايريد أن يقوله. فيضطر أن يقطع حديثه. ويصمت في خجل.
10. وفي المناقشة: إن وجدتالحق في الجانب الآخر. فلا تماحك. إنما اعترف بالحق. بغير ملاججة. ولا تغالط. فإن المغالطةتفقدك احترام الناس. وتثيرهم ضدك امتدح محدثكعلي صواب رأيه. وقل له: إنك علي حق في هذه النقطة. بهذا تكسب تقديره لك. أما إن كنت صاحب الرأي الصواب. وتنازل محدثك عن رأيه. فاتركه ينسحب دون إذلال. لا تحاول أن تريق ماء وجهه فيانسحابه. أو أن تشعره بالهزيمة. وتُشهد الحاضرين علي انتصارك. وتجعل ذلك مجالالافتخارك وانتفاخك. إنما كن كريما في حوارك.. وهناك أمور من الأفضل أن تناقش فيها غيرك علي انفرادفربما يعترف بخطئه أمامك علي انفراد. مما لا يستطيعه امام الناس.
11. لا يكن هدفك من النقاش. أن تغلب الناس وتهزمهم.
بل الأفيد أن تربحهم وأنتقنعهم. لا أن تخسرهم بكسب المناقشة..
إن بعض الناس يظنون أن الانتصاريكون في تحطيم مناقشيهم أو في اضحاك الناس عليهم! ولكن الإنسان الناجح هو الذي يربحمن يناقشه. وبهذا يربح المناقشة. ولا يُخجل إلا المكابرين المتكبرين.
12. في الحوار: لا تتكلم في إعجاب بنفسك. ولا تمدح ذاتكأثناء حديثك. لا يكن غرضكمن حديثك هو مدح الناس لك. ولا تقله بطريقة تستوجب المديح. ولا تكن فيك روح التباهيوالخيلاء. وفي حديثك عن أي عمل طيب عملته. لا تنس المجهود الذي قام به الغير ممناشتركوا معك في انجاح العمل. ولاتنس نعمة الله التي أعانتك. ولا تركز علي ذاتكوحدك! والمستمعون أيضاً لا يستريحون لهذا الأسلوب.
13. احذر من أن تدعي المعرفةبكل شيء. متحدثاً في كل موضوع مهما كان في غير تخصصك. هناك أمور من الخير لك انتتركها للإخصائيين فيها ولاصحاب الخبرة. ولا يقلل من شأنك اطلاقاً أن تصمت أثناءالحديث عنها. ولا يضيرك إن سئلت. أن تقول "لا أعرف" أو انني في صراحة محتاج أن ادرسهذا الموضوع. فمعلوماتي عنه قليلة وغير مؤكدة. أو أن تحيل من يسألك إلي مرجع ينفعه ويمنحه المعرفةالمطلوبة مثل هذا الأسلوب يشعر سامعك بدقتك وصدقك. ويجلب احترامه لك.
14. في حديثك مع الناس. لا تضغط عليهم في معرفة أسرارهمأو أسرار غيرهم.. ولا تكن لحوحاً. احترس من الأسئلة التي تمس حياة الناس الخاصة. ولا تحاولأن تعرف ماليس من حقك أن تعرفه. ولا تضغط علي انسان في أن يقول لك ما يحرص عليكتمانه. سواء كان ذلك من أسراره هو. أو من أسرار أقاربه أو أصدقائه أو معارفه. ينبغي أن تحترم خصوصيات الناس. ولاتصر علي كشف ما يريد غيرك أن يستره أو يغطيه. فليس هذا نافعاً لك. ولا له.. ولا تكن لحوحاً بطريقة تتعب محدثك.
15. كن دقيقاً في كلامك. وفي اختيار الألفاظ. هناك كلمات كثيرة يمكنك أن تستبدلها بغيرها. فتكون أفضل وأصوب. وأكثر دقة. وأخف وقعاً علي آذان الناس وعلي قلوبهم. وتؤدي نفس المعني دون أن تخطيء. فكن حكيما في اختيار الألفاظ. وقل كل كلمة بميزان دقيق. ولا تدع أحداً يمسك عليك كلمة. وراجع الألفاظ التي تعودت أن تستخدمها في حديثك. مستبدلا بعضها بما يليق.
16. ليكن كلامك بقدر. وحافظ علي وقت محدثك. لا يصح أن تطيل الكلام في موضوع لا يستحق الاطالة فيه. أو في موضوع لايهم محدثك في قليل أو كثير. ولاتطل الحديث مع إنسان يكون مشغولا. والوقت غير مناسب. وهو يريد أن ينهي الحديث. سواء كان صريحا في ذلك أو يمنعه خجله. بادر أنت بانهاء الحديث في لباقة. ولا تنتظر أن يمل هو. أو يقلق بسبب مشغولياته الأخري.
لا تكن كثير الشروحات طويل المقدمات. وبخاصة إن كنت تتحدث مع إنسان ذكي يفهم بسرعة. أو مع إنسان قد أدرك تماماً ما تريد أن تقوله. وليس في حاجة إلي توضيح أكثر. وتصبح شروحاتك ضغطا علي أعصابك .