مبشرات وعلامات النبوة
( إنك لمن المرسلين )
المقــد مـــــــــــــــــــــــة
إن الحمد لله حمدا كثيرا .. ملؤه رجاء فى مغفرة الغفور الرحيم ، ونعوذ بالله العظيم ، رب العرش الكريم ، من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلاهادي له ، يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ، له المنة وله الفضل ،وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصلى الله على محمد وصحبه وسلم .
إن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدى هدى الله وهدى نبيه محمدا عبده ورسوله ، وشر الأمور محدثاتها ، ووكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ،وكل ضلالة فى النار .
أما بعد :
إن فى تتبع أسباب التبشير بقدوم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر لازم لمن أراد اليقين بالله ورسوله ، وبالإسلام دينا قيما ، والرد على الطوائف الضالة المضلة من الذين ينكرون رسالة المصطفى صلى الله عليه وسلم ،بل تتعدى لإنكار شخصه الكريم ، والسخرية من من وصفه الله العظيم بأنه على خلق عظيم .
قال تعالى : ( ن .. والقلم وما يسطرون * ما أنت بنعمة ربك بمجنون * وإن لك لأجرا غير ممنون * وإنك لعلى خلق عظيم * فستبصر ويبصرون * بأييكم المفتون * إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين * ) القلم 1ـ 7
فإلى من يتخبطه الشيطان فى شراك التشكك ، وإلى من يبحث عن اليقين ، إلى من يتساءل من هو ، إلى من أنعم الله عليه باليقين والتصديق ، وأعلاها إلى من يسبح ويتنعم بالإيمان والحب الإلهى ، أخطوا معكم فى طريق البحث ،وسبيل التدبر ، للوصول إلى نعيم مقيم بتتبع آثار وتاريخ الأنام للتعرف على مواقع التبشير بقدوم سيد الأنام وسيد ولد آدم محمدا صلى الله عليه وسلم ، وكذلك تتبع تاريخ وآثار حياته الشريفة للتعرف على دلائل وعلامات نبوته ، حتى ننتهى معا إلى هداية وتبصير ، ونجاة من مصير مدمر إلى نعيم الجنات وخير البركات .
وهذا هو أول الطريق إلى الله ، أوله تتبع لأسباب التبشير ومواقعها التى تدل على أنه الحبيب الذى أرسله الله رحمة للعالمين ، وهدى وموعظة للمتقين ، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا من رب رحيم ، ليهدى الناس إلى طريق الرشاد ، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ، وجعله سراجا منيرا ، ليأخذ بالناس من طريق الضلالة إلى طريق الهداية والرشاد ، والسعادة فى الدارين وإلى نعيم الجنات.
نبدأ الطريق بتبشير أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام كما أوضح الإمام الحافظ أبى الفداء إسماعيل بن كثير فى كتابه ( البداية والنهاية ) فى القرن الثامن الهجرى إذ قال :
قال أهل الكتاب : إن إبراهيم عليه السلام سأل ذرية طيبة ، وإن الله بشره بذلك ، وإنه لما كان لإبراهيم ببلاد بيت المقدس عشرون سنة ، قالت سارة (زوجته) لإبراهيم عليه السلام :إن الرب قد أ حرمنى الولد ، فادخل على أمتى ( جاريتها ) هذه لعل الله يرزقنى منها ولدا .فلما وهبتها له ، دخل بها إبراهيم عليه السلام ، فحين دخل بها حملت منه . قالوا : فلما حملت إرتفعت نفسها وتعاظمت على سيدتها ، فغارت منها سارة فشكت ذلك إلى إبراهيم فقال لها: إفعلى بها ما شيئت ، فخافت هاجر ، فهربت فنزلت عند عين هناك فقال لها ملك من الملائكة : لاتخافى فإن الله جاعل من هذا الغلام الذى حملت خيرا وأمرها بالرجوع ، وبشرها أنها ستلد إبنا وتسميه إسماعيل ، ويكون وحش الناس ، يده على الكل ويد الكل به ، ويملك ( ومن ذريته ) جميع بلاد إخوته . فشكرت الله عز وجل على ذلك .
وهذه ألبشارة إنما إنطبقت على ولده محمد صلوات الله وسلامه عليه ، فإنه الذى سادت به العرب وملكت جميع البلاد غربا وشرقا ، ولأتاها الله من العلم النافع ، والعمل الصالح مالم تؤت أمة من المم قبلهم ، وما ذاك إلا بشرف رسولها على سائر الرسل ، وبركة رسالته ويمن بشارته ، وكماله فيما جاء به ، وعموم بعثته لجميع أهل الأرض .
وقال : لما ولد إسماعيل أوحى الله إلى إبراهيم يبشره باسحاق من سارة فخر لله ساجدا فقال له : قد استجبت لك فى إسماعيل وباركت عليه وكثرته ونميته ويولد له إثنا عشر عظيما ، وأجعله رئيسا لشعب عظيم .
وتلك بشارة بهذه الأمة العظيمة ، وهؤلاء الإثنا عشر عظيما هم الخلفاء الراشدون الإثنا عشر المبشر بهم عن النبى صلى الله عليه وسلم قال :
" يكون إثنا عشر أميرا " وقال : " كلهم من قريش " وهؤلاء هم ( أبو بكر وعمروعثمان وعلى وعمر بن عبد العزيز وبعض بنى العباس ).
وهذه البشارة الثانية وهى قبول دعاء أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام إذ قال :
قال تعالى : ( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهن إنك أنت العزيز الحكيم ) البقرة 129
فقد سأل الله أن يبعث فى أهل هذا البلد بعد أن أتم بناء بيت الله كما أمره فيها وعاونه ابنه إسماعيل عليهما السلام في رفع قواعد بيت الله الحرام ، وبعث الله فيهم رسولا ختم به أنبياءه ورسله وأكمل له الدين بما لم يؤت أحدا من العالمين ، وصارت الأرض بدعوته على جميع أهلها وأجناسهم ولغاتهم وصفاتهم فى سائر الأمصار إلى يوم القيامة ، لكمال ما جاء به من فصاحة وكمال ولطف ورحمة وكرو ، فخر بنوا آدم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشى الهاشمى المكى ثم المدنى صلوات الله عليه وسلامه .
وتتوالى السنون ومعها الأحداث حتى تصل بنا إلى نبى الله وكليمه موسى عليه السلام ، إذ كتب له الله سبحانه وتعالى فى الألواح ( التوراة ) مما استدل عليه من الآية من سورة الأعراف ، إذ قال تعالى : ( الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراه و الإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم .فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذى أنزل معه . أولئك هم المفلحون ) الأعراف 157
وهذا ما فيه تنويه يذكر محمد صلى الله عليه وسلم وأمته من الله لموسى عليه السلام فى جملة ماناجاه ، وأطلعه عليه .
قال قتادة :
قال موسى : يارب أجد فى الألواح أمة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، رب اجعلهم أمتى . قال تلك أمة أحمد . قال : رب إنى أجد فى الألواح أمة هم الآخرون فى الخلق السابقون فى دخول الجنة ، رب اجعلهم أمتى .قال : تلك أمة أحمد . قال : رب إنى أجد فى الألواح أمة أناجيلهم فى صدورهم يقرأونها وكان من قبلهم يقرأون كتابهم نظرا حتى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئا ولم يعرفوه ، وإن الله أعطاكم أيتها الأمة من الحفظ شيئا لم يعطه أحدا من الأمم قال : رب إجعلهم أمتى . قال : تلك أمة أحمد . قال : رب إنى أجد فى الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر ويقاتلون فصول الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الكذاب فاجعلهم أمتى . قال : تلك أمة أحمد قال :رب إنى أجد فى الألواح أمة صدقاتهم يأكلونها فى بطونهم ويؤجرون عليها وكان من قبلهم إذا تصدق بصدقة فقبلت منه بعث الله عليها نارا من فأكلتها وإن ردت عليه تركت فتأكلها السباع والطير وإن الله أخذ صدقاتهم من غنيهم لفقيرهم قال : رب فاجعلهم أمتى . قال : تلك أمة أحمد .قال : رب فإنى أجد فى الألواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال : رب اجعلهم أمتى . قال : تلك أمة أحمد . قال : رب إنى أجد فى الألواح أمة هم المشفعون المشفوع لهم فاجعلهم أمتى . قال : تلك أمة أحمد .
قال قتادة : فذكر لنا ( كعب الأحبار ) أن موسى عليه السلام نبذ الألواح وقال : اللهم اجعلنى من أمة أحمد .
والحمد لله علي نعمة الاسلام