أساسيات في فهم الأسرة ووظائفها
د. عمر المديفر
ثم علم متكامل خاص بالأسرة يقوم على فهمها ودراستها والبحث في تفاصيل تفاعلاتها، ومنه نشأت علوم متعددة من أهمها علم التواصل الإنساني وعلم الارشاد الأسري وتبعهما علم العلاج الأسري بمدارسه ومبادئه المتعددة والمختلفة.
وهناك أساسيات مهمة، محدودة وواضة تعين على تكوين مفهوم تحليلي وتشكيلي للأسرة ومن ثم القيادة إلى قراءةٍ أفضل للأسرة وواقعها وفهمها والقدرة على إرشادها بشكل أفضل، ومن ذلك:
1- أنَّ العائلة شبكة علاقات منتظمة ومستقر:
ويراد بذلك أفراد الأسرة بينهم علاقة تبادلية متوازنة ومتقاطعة وأن كل فرد فيها لديه دور معين يقوم به بشكل منتظم يحفظ له وللأسرة دورها ويحقق أهدافها واستمرارها. أما القصد من استقرارها فهو أن الأسرة تحتوي على توازنات معينة في داخلها تضمن لها استقرارها وبقاءها، وهذا الاستقرار بالطبع لا يعني الجمود ولا يعني أن الأسرة تبقى على حال واحدة لا تتغير بل الأسرة كيان متغير ومنتظم من حيث تفاون أعمار أفرادها ومنتظم من حيث قدرة الأسرة على البقاء في حالة منتظمة من الأدوار لكل فرد فيها.
وكل أسرة قد تمر بحالة من عدم الاستقرار واختلاط في النظام وفي شبكة علاقاتها المستقرة المتحركة لأسباب طارئة أو دائمة وهذا هو الأصل في كل أسرة ولهذا ليس المهم معرفة هذا التغير، ولكن الأهم كيف تتامل الأسرة مع هذا التغير، فإذا مرت بتغير ما ولم تستطع التفاعل معه بطريقة إيجابية فقد يؤدي ذلك إلى اضطراب واختلال خطير في نظامها المستقر مما يؤدي إلى انفجار مشاكل ربما ليس لها علاقة بالتغيير لكنه يكون بسبب فشل الأسرة في التأقلم مع هذا المتغير.. ولتوضيح هذه الفكرة يمكننا النظر إلى أمثلة كثيرة لهذه التغيرات مثلاً: الانتقال من منزل إلى منزل آخر. أو إنجاب مولود جديد للأسرة. أو إصابة أحد أفرادها بمرض حاد أو مزمن. أو وفاة أفرادها. أو زواج أحد الأبناء وانتقاله إلى بيت الزوجية. فالبنت الكبرى مثلاً إذا تزوجت وانتقلت إلى بيت زوجها وهي التي كانت تشارك الأم أعمالها وتقوم بدعم لها، فإن الأم ستحتاج إلى شخص آخر من نفس العائلة يقوم بتلك المهمة وغالباً ما تكون البنت التي تليها. وها هنا يجب أن نسأل: هل البنت الصغرى موجودة فعلاً؟ أو أنها غير موجودة؟ وهل تستطيع تلك البنت تقديم الدعم للأم؟ وهل تعرفت على الكيفية المناسبة لتقديم ذلك الدعم؟ هذا بالطبع تغير بسيط أدى إلى حدوث اختلال بسيط في نظام الأسرة ويتطلب منها التفاعل معه إيجابياً والتغلب عليه ولكن المشكلة قد تتخذ أبعاداً أخرى إذا لم توجد البنت البديلة أو أنها لا ترغب أو لا تستطيع القيام بنفس المهمة أو لم تعطها الأم فرصة للقيام بهذه المهمة. وبالتالي فمن طريقة تعامل الأسرة مع الأمر ومدى ما سيحدثه من تغير يمكننا أن نقوم الأسرة إيجابياً أم لا.
2- أنَّ العلاقات الأسرية دائماً في حركة:
نلحظ مما سبق ذكره أن التغير أمر من صميم البناء العائلي لذلك يؤكد علماء الفكر والاجتماع على أن العلاقاتت بين أفراد العائلة دائماً في حركة وتغيير، وأنها تتصف بعدم الثبات مع الثبات العام في مكوناتها والثبات السطحي في طبيعة علاقاتها، وهم يصفونها أحياناً بأنها علاقات جدلية بمعنى أنها قائمة على التغير المستمر فمثلاً علاقة الوالدين بالطفل منذ ولادته تتغير بتقدمه في العمر تبعاً لنمو الطفل وللعلاقة التي يمكن أن تنشأ بين الوالدين والطفل وتبعاً لظروف الوالدين …. والسر يكمن في قدرة كلا الطرفين على تقبل التغيير والقدرة على ضبط العلاقة بحبسه، وكما سنذكر لاحقاً فإنَّ هذا التغير جزء من دورة حياة العائلة التي يحتاج الأفراج فيها إلى التأقلم مع مراحلها المتغيرة وفي حال فشلهم في ذلك تحصل أزمات وربما مشكلات لا حصر لها.
3- أنَّ كل العلاقات تتأثر وتؤثر:
كل العلاقات تتأثر وتؤثر في بعضها البعض لكل فرد يعيش داخل العائلة ولا تحصل بمعزل عن بقية الأسرة الآخرين، حتى الأطفال الصغار وكذلك الوالدين، فمثلاً عندما يمرض الطفل الصغير ويحتاج لدخول المستشفى لفترة طويلة تتجاوب الأم مع هذا التغير بطرق مختلفة مع أفراد الأسرة وقد تتبدل علاقتها مع زوجها وكذلك ربما تختلف علاقة الأب مع الأبناء ويطرأ جو جديد على الأسرة وقد يكون لهذا التغير أو غيره أثر كبير في حياة العائلة، وكذلك التغيرات الإيجابية تحدث آثاراً متعددة، وبعض التغيرات قد تترك آثارها لفترات طويلة في حياة العائلة فتصبح تجربة لا تنسى إن كانت إيجابية أو سلبية وبذلك تتعلم العائلة كيف تستفيد من تجاربها أو تضطر بسبب عدم قدرتها على إعادة التأقلم والحفاظ على الأسرة.
4- أنَّ كل فرد فاعل بحسب موقعه:
كل فرد فاعل بحسب موقعه داخل الأسرة فكل أفراد السرة فاعلون ولا يوجد بينهم من هو سلبي أو من لا دور له سواء أحس به أم لم يحس به، حتى الأولاد الذين يعيشون خارج محيط العائلة بسبب زواج أو دراسة أو ظرف دائم أو مؤقت يؤثرون في نظامها واستقرارها وكذلك هم يتأثرون، فإذا افترضنا وجود ابن سلبي داخل الأسرة يتسم بالانعزال عن باقي أفرادها، فإنه سيؤثر على استقرار العائلة ونظامها على الرغم من سلبيته وانعزاله وكذلك إذا أخفق في دراسته أو تعرض لمكروه ما لأن الأسرة لا تستطيع أن تستغني عن أي فرد من أفرادها أو أن لا تتأثر به وبظروفه وواقعه لأن الأسرة كالجسد الواحد إذا اختل عمل أحد أعضائها اختل عمل بقية الأعضاء، أو اختلف عن ذي قبل.
– تصنيف الأسر وأنواعها:
يقسم علماء الاجتماع الأسرة إلى عدة تصنيفاتت، وقد سبق الإشارة إلى بعضها لكننا هنا سنذكر أكثرها شيوعاً وهو التصنيف الذي يقوم على "عدد أفراد الأسرة ومكان إقامتهم" على النحو التالي:
1- الأسرة القريبة من العائلة الممتدة:
وهي الأسرة التي يعيش فيها الابن أو البنت قريباً من عائلته الممتدة بعد زواجه وانفصاله عنها، فيكون بينه وبين الأسرة الممتدة علاقة تؤثر في دوره داخل الأسرة النواة التي أنشأها.
2- الأسرة النواة: هذه الأسرة غالباً ما تضم الزوج والزوجة وما يتبعهم من أبناء وبنات فقط، ويدخل في تكوينها في المجتمع الحديث العاملون في المنزل من خدم أو سائقين وما شابههم.
3- الأسرة الممتدة: وهي الأسرة الأصل أو المصدر وينحدر منها الزوجان، ولها دور كبير في صياغة تصور الفرد لدوره داخل الأسرة النواة التي تنشئها في المستقبل.
4- الأسرة المنفصلة: وهي التي يعيش فيها أحد الزوجين مع الأولاد منفصلاً عن الطرف الآخر.
5- الأسرة البعيدة: عن العائلة الممتدة: وهي الأسرة التي يعيش فيها الابن أو البنت بعيداً عن عائلته الممتدة بعد زواجه وانفصاله عنها.
وظائف الأسرة:
1- الإنجاب: وهو الهدف الأسمى من الزواج … به يحفظ النوع الإنساني ويعمر الكون وتستقر النفوس بحصول امتدادها واستمرار ذكرها من خلال الذرية.
2- الإعالة: تتضمن الجوانب المادية والاقتصادية والمحافظة الجسدية وتعليم الدين والأخلاق أيضاً.
3- التنشئة الاجتماعية: ويقصد بها اكتساب المهارات الضرورية، وهو الدور الأساس للأسرة لأنها المحضن الأول والأساسي للطفل، وهي المسؤولة عن تعليمه مهارات التفاعل الاجتماعي، ليخرج الابن أو البنت في الأسرة وهو قادر على تكوين علاقات كاملة وناضجة مع الأطراف الآخرين في المجتمع وفي الأسرة.
أما الأسرة المضطربة تربوياً أو المفككة ستولد أنماطاً أخلاقية غير مناسبة وتورثهم عادات قد تؤدي إلى اضطراب علاقاتهم الاجتماعية مستقبلاً. فالأسرة تقوم بدورها في التنشئة الاجتماعية بشكل آلي وهي تشعر أو لا تشعر بأهمية ذلك، ويبدأ هذا الدور منذ بداية تكون هذه الأسرة لكن المشكلة تكمن في الأنماط التربوية التي تعتمدها للقيام بعملية التنشئة من حيث السوية أو الاضطرابب. وما ذكرناه عن الأسرة المضطربة لا يعني أن هذه الأسرة لا ترغب في تنشئة أبنائها التنشئة الملائمة لكن أحياناً وبتأثير عوامل عديدة منها الجهل بالوسائل التربوية المناسبة أو لأسباب مرتبطة بطبيعة شخصية الأبوين وعوامل أخرى توقع الأسرة في أزمات عنيفة تعطل دورها التربوي وبالتالي بدلاً من أن تنتج أفراداً منتجين وقادرين على التعامل مع الواقع من خلال ما اكتسبوه من مهارات اجتماعية من الأسرة يحصل العكس ويتحولون إلى عبء على أنفسهم وأسرهم ومجتمعهم.
ونؤكد على أن دور الأسرة المعاصرة في تعليم أبنائها مهارات التعامل الاجتماعي أصبح أكثر أهمية من ذي قبل لضعف ممارسة هذا الدور من مؤسسات المجتمع الأخرى، وهذا الأمر ينعكس بوصفه أسلوب تعامل قائم على الأبناء بشكل مباشر تعليمي وبشكل غير مباشر نفسي، من ذلك على سبيل ا لمثال: أسلوب الضبط الاجتماعي والذي يعني الكيفية التي يستطيع الابن من خلالها ضبط نفسه عند التوتر فالأسرة الغاضبة دائماً أو الناقدة أو العائلة التي تستخدم الضرب كوسيلة تربوية أساسية، يجد أفرادها صعوبات بالغة في ضبط أعصابها مستقبلاً لأنهم لم يتلقوا أساليب مناسبة في التنشئة الاجتماعية، والضبط الاجتماعي الكافي لذواته.
4- منح المكانة: من الوظائف الأساسية، منح المكانة لأفرادها، وإشعارهم بالانتماء النفسي والاجتماعي والمادي وحتى الجغرافي والقبلي. وهذا هو الشيء الذي يختلف فيه الأطفال اللقطاء والأيتام عن الأطفال الذين يعيشون في العائلة والأسرة. فاليتيم أو اللقيط تتولد لديهم صعوبات فيما يتعلق بانتمائهما لأنهما افتقدوا خصلة منح لمكانة التي تقدمها الأسرة غالباً والدراسات النفسية المتعلقة بالأسرة تزخر بالأبحاث التي تشير إلى الضرر النفسي الذي يلحق بالفرد حينما لا يجد أسرة ينتمي إليها ولا تمنحه الانتماء اللازم لكل نفس بشرية.
5- الإشباع العاطفي: وهذه من الوظائف التي يغفل عنها الكثيرون، بل حتى الأبحاث أهملت هذا الجانب لمدة طويلة حتى تم تدريجياً الإحساس بأهميتها من خلال أبحاث محورية غيرت التفكير في مجال الصحة النفسية بشكل جذري. وهذه الوظيفة تنبع من أن الإنسان يكتسب القدرة على التعامل مع الغضب ويتعلم كيف يشعر بالرضا وأيضاً يتعلم كيف ومتى يفرح؟ ومتى وكيف يحزن؟ يتتعلم هذا كله داخل الجو الأسري، ولكي يصل إلى النضج في التعبير عن مشاعره وعواطفه لابد من إشباعه عاطفياً داخل الجو الأسري. فالإنسان الذي يعيش في أسرة مفككة ومتوترة وغير ناضجة عاطفياً أو في أسرة تتعامل مع أفرادها بطريقة سيئة ولا تهيئ لهم فرصة للتعبير عن أنفسهم قد يكون لديه صعبوات في التعبير والنضج العاطفي، وقد تنتج هذه الأسرة أفراداً يعنون العديد من الاضطرابات النفسية والعاطفية أو لا توجد لديهم القدرة على ضبط مشاعرهم أو التعامل إيجابياً مع انفعالاتهم.
وحينما يتم تدريب أحد المرشدين الأسريين يتم تلعيمه أنه يجب عليه أن يعرف أن من المهم في تقييم أي حالة أو مشكلة يجيب عن أسئلة مثل:
هل الأسرة التي ينتمي إليها استطاعت منح أفرادها فرصة التعبير عن مشاعرهم؟
هل استطاعت تلك الأسرة إشباع أفرادها عاطفياً؟ مع الملاحظة أن مصطلح الإشباع ليس المقصود به النظرة العامة السطحية لدى الكثيرين لكه يشمل قدرة الفرد على التعبير عن المشاعر وعلى قراءتها بشكل جيد والتواصل مع الآخرين بناء عليها وأن لا تكون المشاعر نقطة ضعف لديه يستغل من خلالها.
هل استطاعت تلك الأسرة التوافق إيجابياً مع التغير والتنقل من مرحلة إلى أخرى؟
ما نوع التواصل بين أفراد تلك الأسرة؟
هل يتعامل الأفراد في تلك الأسرة بوضوح؟
هل الأدوار موزعة بين أفرادها بشكل عادل؟
كل هذه الأسئلة وغيرها تبين إلى حد ما وضع الفرد داخل العائلة، ونستفيد من خلالها في عمليات الفهم والوصول إلى الإرشاد المناسب.
لك جزيل الشكر
مرورك ابهجني
لك ودي