نقْل اللغة العربية إلى الشارع:
هذا هو السبيل الأنجع في رأيي للعودة بأمتنا العربية والإسلامية إلى مركز الريادة، إن أكثر اللغات الرائدة في العالم لا يَختلف المنطوق المتداول في الشارع منها عن المدرسة، ولا أظهر من اللغة الإنجليزية التي أصبحت لغة العلم والتخاطب في أكثر بقاع الأرض.
المتعلم الجديد للغة العربية القادم من أوربا وأمريكا وآسيا يجد ما ينفِّره أكثر مما يُشبِع نهمته منها ويُحبِّبه ويُرغِّبه فيها، ولا يوجد بلد عربي يتكلمها بنو جلدته في شؤونهم العامة وحياتهم اليومية، كلها عاميات دارجة نسبتها إلى العربية مُتفاوتة القرب، وبعضها يُعزى إليها ظلمًا وعدوانًا.
المنابر الإعلامية العربية الحالية تقدم خدمة جليلة للإسلام، أقصد العربية الفصحى، ولا أتكلم عن فجور بعضها وابتعادها عن الإسلام القويم الحنيف، والله يَنصُر دينه بالبرِّ والفاجر.
خضْتُ تجربة خاصة بحكم محبتي لغة نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم ولغة الإسلام والقرآن ولغة أهل الجنة في الجنة، جمعني الله وإياكم ونبينا فيها، وخاضها قبلي الدعاة والعلماء والمفكرون، وإن لم يكونوا للأسف على مستوى واع بـ(الضرورة القصوى لممارسة اللغة العربية قبل ضرورة تعليمِها في المدارس).
الممارسة قبل التعليم:
حينما اجتهدتُ منذ صغري للتكلم باللغة العربية ما استطعت – في خلواتي، ومع أصدقائي في الدراسة، ومع الناس – وجدتُ استهزاءً من بعض الملتزمين، وقلما حدث لي ذلك مع غيرهم، مع أني لا أعرب إعرابًا، ولكني أتخيَّر ما لا يُنفِّر من الألفاظ والعبارات العربية البديلة عن تلك المُتداوَلة من اللغة الفرنسية أو العامية الدارجة التي لا أعلم من أين نزلت علينا وهي على تلك المنزلة البالغة مِن الركاكة؟!
صبر وجلد وتحديات أخرى:
أبدأ بالتحديات الأخرى: فتن وهرج ومرج وخلاعة وكفر ونفاق، ومجال التخطيط لها محدود، ويتجاوز العلم إلى العمل أكثر، أو بالتعبير الحديث: معركة تكتيكية أكثر منها إستراتيجية؛ لهول الطوارئ وتلاحق النوازل والمستحدثات، والمعصوم مَن عصَمَ الله.
أما الصبر والجلد في موضوع اللغة العربية الرافد الأول لدِين الفضيلة والرقيِّ، فحسبُك أخي القارئ العربي المسلم أن تعلم وجوب الالتزام بها في نفسك، وأن التكلم بها شَعيرة راسخة من شعائر الإسلام.
تدرج: تشخيص وترشيد وتعميم:
التشخيص: هو المرحلة التي ينجز فيها مختصو وفقهاء اللغة معاجم لتحديد عيوب اللهجات وسبُل تقويمها أو تبديلها.
الترشيد: هو المرحلة التي يلزم فيها الأفراد المسلمون المُتعلمون العارفون باللغة العربية أنفسهم ومن حولهم من أهليهم وأصدقائهم وجيرانهم وتلامذتهم ومَن استرعوه، بتصحيح المفردات غير العربية واستِبدال العربية بها.
ويُلزم فيها العلماء والمفكرون والآباء الواعون والأمهات المربيات الراشدات أنفسهم بالإنكار على متكلمي (غير المصطلحات العربية) في مرحلة أولى، ثم على متكلمي (غير العربية) في مرحلة ثانية، ولم لا تكون حملات في المساجد وعلى منابر الإنترنت والفضائيات كسابقاتها المباركة؛ مثل حملة الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
التعميم:
هو المرحلة السهلة التي تجعل الناس بعد تذوق العربية وتعلمها وإحساسهم بمدى عسْر حياتهم قبلها يَنعمون بها ويتداولونها، فتَسري فيهم سريان نور الشمس في صبيحة يوم ربيعي زاهر، ولا رادَّ لها إلا الله.
اختلاف اللهجات واختلاف الدأب:
هو دأب آل الإيمان مختلفي اللهجات في بلادنا العربية لتشخيص أمراض الألسنة، يجتهدون اجتهادًا علميًّا عمليًّا – مستعينين بجهود المعاهد والدراسات الأكاديمية العريقة السابقة والحالية – ويأخذون بالرَّكيك والدخيل من العامية ليَرموا به في مزبلة التاريخ.
فالجزائري والسعودي والمصري والقطري والشامي وباقي العرب، مُلزَم كل منهم في بلده بجَردِ ما عنده من دخيل للمُضيِّ في خطة المرحليَّة للتحسين والتعريب الشامل.
إن الحياة التنافُسيَّة المتسارعة الراهنة وتوافر وسائل الإعلام يُوجب اغتنامها، والعمل السريع الجاد الكثيف من شباب الأمة قبل شيبها يوجب توظيف الورقة الرابحة في ملف السبق الحضاري: لغتنا العربية الخالدة.
مثال جزائري:
• ألو
• وَاشْ رَاكِي تْدِيرِي؟
• رَانِي نْطَيَّبْ فـْ الْفْطُورْ
• عْلَى قدَّاشْ (وِيكْتْ) نْجِي لِيكْ فَمْ (ثَمَّ) بَاشْ نْرُوحُو نْزُورُو مَّا وْبَّيْ وْخاوْتِي
• على الساعْتِينْ (الزُّوجْ) نْتَاعْ العْشِيَّا.
• جِيبْ مْعَاكْ قَرْعَ قَازوزْ وْزُوجْ كِيلُو بَنَانْ وْبَّاطَا قَهْوَ ولْجَاجَ
• مَا عَنْدِيشْ الدْرَاهْمْ. ما نِيشْ رَافْدْ (هازْ) مْعَايَ ضُرْكَ. نْسيتْ الْبورتفوي فُوقْ لورديناتور.
♦ ♦ ♦ ♦
وبالفصحى:
• ماذا تفعلين الآن؟
• أنا أحضِّر(أطبخ) الغداء.
• متى أجيء (آتي) إليك، ثمة (هناك) لكي نذهب (نروح) لزيارة أمي وأبي وإخوتي.
• على الساعة الثانية مساءً (عشية).
• ايتِ معكَ بقارورة عصير وكيلو غرامين من الموز (الطلح) وعلبة قهوة ودجاجة.
• ليس عندي مال (دراهم)، لا أحمل معي الآن، نسيت المحفظة على الحاسوب.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
• في العامية كلام عربي كثير يخشى أن يندثر؛ مثل: يَكتب، يمشي، يرسم، يقرأ، يرقد…
• هناك من العامي الدارج الرديء لفظًا (نطيب لكلمة أطبخ)، والرديء معنى (قرعة للقارورة)، والرديء لفظًا ومعنى: (نتاع تستخدم للإضافة؛ مثل: of في الإنجليزية)، (ألو) لا تُترجم حتى نُصبِح نحن المُبتكِرين.
ثمرات تعميم العربية:
• تُصبح الأمة جسدًا واحدًا، وما أحوجنا إلى حملة "عثمانية" تطولُ ألسنةَ العرب لتصفِّيها فتصفو بذلك القلوب والعقول، ولئن اختلفت لغات العرب مِن قبْل لتباعُد الأمصار وصعوبة التواصل الدائم، فما يجعلها تتنافر بالكلية في زمن الفضائيات والإنترنت.
• تحقيق معنى (الشهادة على الناس) بالمنطق واللغة القرآنية الصحيحة، وصدق الله: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الزخرف: 3]، وتالله لكأني بكتاب الله يُخاطبنا: أنتم لا تعقلون، تعسًا لكم، تقرؤونني عربيًّا، وتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؛ بضرائر العجمة، اتَّبعتم سنن من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، وألزمتم أنفسكم بها إلزامًا، أما تكلم اللغة العربية وتكلُّفها في سبيل الحق فلا، إن لم تبكوا على أنفسكم فتباكوا فبئست العقول عقولكم.
لقد رأيت أمريكيًّا تعلم 23 لغة، منها العربية التي اضطر لتعلم عدة لهجات منها للتواصل مع العرب والمسلمين، وأتصوره بذل جهدًا عظيمًا، كيف لا ونحن العرب لا نفهم لهجات بعضنا البعض؟!
إن اللغة العربية سلسة جميلة، ولا حاجة للأعاجم الراغبين في تعلم دينِنا ولغتنا وثقافتنا إلى إهدار تلك الجهود، أم أننا يسَّرنا للعُسرى وعسرناها على الخلق؟ لقد تشتَّتت ألسنة وأذهان العرب، وشتَّتوا ألسنة وأذهان المسلمين الجدد، والتوبة تجبُّ ما قبلها.
تحقيق التناغُم بين اللسان والفكر، وإني على ثقة تامة أنه لو أجريت دراسة عِلمية دقيقة في هذه المسألة لوجد أن الخبال واللوثة التي أصابت العقل العربي منشؤها اختلاط لسانه الذي:
• أبطأ بعض لهجاته في نطْق الحرف والكلمة والجملة، فصار خامل العقل والفؤاد.
• أو أسرع في لهجته عما تَقتضيه الفطرة والقدرة البشرية على التفكير السوي، فلم يُصبِ الحِكمة وضلَّ.
• أو كثرت عليه موازين النحو والصرف في دارج اللغة، فلم يعدْ له مَرجِع يرتكز إليه، وما أجمل سوق عكاظ في أيام تُسمَّى "الجاهلية".
و يباركلك حبيبتي
طرحك جميل و مفيد و هااام
نورتي مينو.
جزاكِ الله كل خير غاليتي طرح موفق وهادف
بارك الله فيكِ .واسمحي لي بتقييم الموضوع …
يسعدك الرحمن …