تخطى إلى المحتوى

الإيمان والإحتساب في رمضان لفضيلة -رمضنيات 2024.

الإيمان والإحتساب في رمضان لفضيلة

مَن صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا ، غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ ، ومَن قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ
الراوي: أبو هريرة المحدث:البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 2024
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

الإيمان والاحتساب في رمضان

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد،
فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي – عليه وسلم- قال: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) [رواه البخاري ومسلم]
وعنه -رضي الله عنه- أن النبي – عليه وسلم- قال: (مَنْ قامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) [رواه البخاري ومسلم]
وقد ورد في حديث ضعيف الإسناد صحيح المعنى: (إِنَّ الله -تعالى- فَرَضَ عَلَيْكُمْ صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَسَنَنْتُ لَكُمْ قِيَامَهُ، فَمَنْ صَامَهُ وَقَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا خَرَجَ مِنْ الذُّنُوبِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) [رواه النسائي وابن ماجه وأحمد وصحح إسناده أحمد شاكر]
فصوم رمضان سبب عظيم لغفران ذنوب العباد، وذلك مقيد بشرطين يسيرين على من يسرهما الله عليه وهما: الإيمان والاحتساب، «إيمانًا» بالله ورضًا بفريضة الصوم، و«احتسابًا» بأن يصوم محتسبًا للثواب والأجر من عند الله غير كاره لهذا الصيام ولا شاك في الأجر والثواب، والإيمان أساس قبول الطاعات ومنها الصيام والقيام، وإلا فقد يصوم الكافر؛ قال -تعالى-: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ الله عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ والله سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [النور: 39].
وقال -سبحانه-: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ [الفرقان: 23].
وقال: (إِنَّ الله لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) [النساء:48].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – عليه وسلم-: (الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لا إِلَهَ إِلا الله، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأذَى عَنْ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الأيمَانِ) [رواه البخاري ومسلم]
وأصل الإيمان في اللغة: التصديق كما في قوله -تعالى-: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا﴾ [يوسف: 17] -أي: بمصدق لنا-، وشرعًا فالإيمان قول باللسان وإقرار بالجنان وعمل بالأركان، أو هو قول وعمل، لذلك ورد في كثير من النصوص اقتران الإيمان بالعمل الصالح، مثل قوله -تعالى-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا﴾ [الكهف: 107] والإيمان شعب، والطاعات كلها من شعب الإيمان، والمعاصي كلها من شعب الكفر.
وقد بوب الإمام البخاري «باب قيام ليلة القدر من الإيمان» وذكر الحديث الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه-عن رسول الله – عليه وسلم- قال: (مَنْ قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) و«باب الجهاد من الإيمان»، وذكر الحديث الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه-أيضًا عن رسول الله – عليه وسلم- قال: (انتَدَبَ الله لِمَنْ خَرَجَ في سَبِيلِهِ لا يُخْرِجُه إلا إيمانٌ بِي وتَصْدِيقٌ بِرَسُولِي أنْ أَرْجِعهُ بما نال مِنْ أجْرٍ أو غَنِيمةٍ أوْ أدْخلهُ الجنّةَ).
وقد عد رسول الله – عليه وسلم- صيام رمضان من الإيمان، وأفضل شعب الإيمان التوحيد، المتعين على كل أحد، والذي لا يصح شيء من الشعب إلا بعد صحته، وقد اتفق العلماء على أن العبد يدخل في الإسلام بالشهادتين وهي قولنا: «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وتجري عليه أحكام الإسلام في الظاهر، فإذا انضاف إلى ذلك تصديق الباطن كان مؤمنًا عند الله تعالى.
وأدنى هذه الشعب إماطة ما يتوقع ضرره بالمسلمين من الأذى، والحياء شعبة من الإيمان؛ لأنه وإن كان غريزة في بعض الأحيان، إلا أنه قد يكون تخلقًا واكتسابًا كسائر أعمال البر، وهو حتى وإن كان غريزة، لكن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى اكتساب ونية وعلم، فهو من الإيمان بهذا؛ ولكونه باعثًا على أفعال البر ومانعًا من المعاصي، وقد يطلق على كل طاعة على حدة وصف الإيمان، كما في قوله -تعالى-: ﴿وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: 143] وقد أجمع العلماء أن المراد: صلاتكم إلى بيت المقدس قبل تحول القبلة إلى الكعبة.
وقال عمار بن ياسر -رضي الله عنه-: «ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار» [رواه البخاري]
وقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن الإيمان يزيد وينقص، وزيادته بالطاعات ونقصانه بالمعاصي والزلات، وقد استدل الإمام البخاري في صحيحه على ذلك بعدة نصوص منها: ﴿وَيَزِيدُ الله الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى﴾ [مريم: 76]، ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى﴾ [محمد: 17]، وقوله: ﴿أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ [التوبة: 124].
قال ابن بطال المالكي: «فإنْ قيل: إنّ «الإيمان» في اللغة: «التصديق» فكيف ينقص؟ فالجواب: أنَّ التصديق يكمل بالطاعات كلها، فكلما ازداد المؤمن من أعمال البر كان إيمانه أكمل، وبهذه الجملة يزيد الإيمان، وبنقصانها ينقص، فمتى نقصت أعمال البر نقص كمال الإيمان، ومتى زادت زاد الإيمان كمالا. وأما التصديق بالله -تعالى- وبرسوله – عليه وسلم- فلا ينقص.
ومما يؤيد ذلك أيضًا ما كتبه عمر بن عبد العزيز إلى عدي: «إِنَّ لِلأيمَانِ فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ وَحُدُودًا وَسُنَنًا، فَمَنْ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الأيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلْ الأيمَانَ، فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ حَتَّى تَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنْ أَمُتْ فَمَا أَنَا عَلَى صُحْبَتِكُمْ بِحَرِيصٍ» وأهل الإيمان يتفاضلون ويتفاوتون في درجات الإيمان فليس من حصل أكثر هذه الشعب كمن حصل دون ذلك.
وقد قال ابن أبي مليكة: «أدركت ثلاثين من أصحاب النبي – عليه وسلم- كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنَّ إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل»، وأفضل هذه الأمة إيمانًا بعد نبيها – عليه وسلم- أبو بكر فعمر فعثمان فعلي، ثم الصحابة -خيار أولياء الله المتقين-، وكما وصفهم ابن مسعود -رضي الله عنه-: «كانوا أبر هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا».
وعن العباس -رضي الله عنهما-ن عبد المطلب أنه سمع رسول الله – عليه وسلم- يقول: (ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بالله رَبًّا وَبِالإِسْلامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا) [رواه مسلم]

ومعنى الحديث أنه لم يطلب غير الله تعالى، ولم يسع في غير طريق الإسلام، ولم يسلك إلا ما يوافق شريعة محمد – عليه وسلم-، ولا شك أن من كانت هذه صفته فقد خلصت حلاوة الإيمان إلى قلبه وذاق طعمه.
وقد بيَّن القاضي عياض أنَّ مَنْ كان كذلك صح إيمانه واطمأنت به نفسه وخامر باطنه لأن رضاءه بالمذكورات دليل لثبوت معرفته، ونفاذ بصيرته، ومخالطة بشاشته قلبه لأن من رضي أمرًا سهل عليه فكذا المؤمن إذا دخل قلبه الإيمان سهلت عليه طاعات الله -تعالى- ولذت له.
والإيمان الذي نتحدث عنه مرده للوحي الصادق، ولذلك ابتدأ الإمام البخاري كتابه بكتاب «الوحي» ثم «الإيمان» ثم «العلم» وذلك لعظيم فقهه في دين الله، وقد بيَّن بذلك أن مرد العلم والإيمان لكتاب الله ولسنة رسوله – عليه وسلم-، ولا يجوز الرجوع في ذلك إلى علم الكلام أو الفلسفة.
والنزاع بين أهل السنة والجماعة -الذين يرجعون لمثل ما كان عليه رسول الله – عليه وسلم- وصحابته الكرام- وغيرهم من الفرق الضالة إنما هو نزاع في مصدر العلم ومنهج الفهم، فالصوفية يعتمدون في استنباط الأحكام على الذوقيات والمكاشفات والمشاهدات والمنامات، ثم أصحاب المنهج العقلاني؛ كالمعتزلة وأشبهاهم، وهم الذين يقدمون العقل على النقل، ثم يأتي بعد ذلك أصحاب المنهج الوثني كالإسماعيلية والباطنية والروافض.
قرأ ابن عباس قوله -تعالى-: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ [آل عمران: 106]، فقال: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والافتراق، وما الحق إلا واحد، فاعرف الحق تعرف أهله، وعلى الحق نور، وهو ما وافق الكتاب والسنة.
والقرآن يُطلق على معاني العقيدة والتوحيد وصف الإيمان قال -تعالى-: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الأيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: 52].
والعقيدة يراد بها الحكم الجازم الذي يعقد الإنسان قلبه عليه بغير تردد أو شك، واصطلح كثير من العلماء على إطلاق اسم التوحيد على مجمل الأمور التي يجب أن يعتقدها الإنسان وهو الذي تضمنته كلمة لا إله إلا الله، والإيمان ثم القرآن هو منهج التربية المعتمد.
وذلك لقول جندب -رضي الله عنه-: «تعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانًا»، ولقول ابن عمر -رضي الله عنهما-: «لقد عشنا برهةً من الدهر وإن أحدنا ليُؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة فيتعلم حلالها وحرامها وزواجرها وأوامرها وما ينبغي أن يقف عنده منها، ولقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته لا يدري ما أمره وما زاجره، وما ينبغي أن يقف عنده منه، ينثره نثر الدقل».
فراجعوا إيمانكم عباد الله وصوموا وقوموا إيمانًا واحتسابًا، فبهذا تفترقون عمن يصوم على سبيل تخسيس وإنقاص وزنه، ومن يصوم كرياضة، ومن يمتنع عن الأكل والشرب بغية الانتحار، واعلموا أن الصيام يضيق مجاري الشيطان في العروق، وبالتالي فلا مانع من الصيام إيمانًا واحتسابًا وفي ذات الوقت بغية تقليل حدة الشهوة وذلك لقول النبي – عليه وسلم-: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَليَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ).
وعلى الصائم أن ينظر هل زاد إيمانه في رمضان أم نقص؟ وهل عظم يقينه أم قل؟ وإلا فرغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له، اللهم زدنا إيمانًا ويقينًا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ورزقًا واسعًا ودينًا قيمًا وشفاء من كل داء.
وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
ط®ظ„ظٹط¬ظٹط©

بارك الله فيك

يقيم

بارك الله فيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.