السفر هو ذلك البستان اليانع الجميل الذي يريد الجميع أن يقصده ويذهب إليه, فيه نزهة النفس ووقود الروح وراحة البدن ورحيق العقل ومتعة البصر والنظر وبهجة العائلة والأسرة وسرور الكبير ولهو الصغير وفائدة الجميع, فيه نكافئ أنفسنا عن إنجازات عام مضى وانقضى، ونعد أنفسنا لعام قادم وحالم.
هو لا شك جزء من حياتنا ومعاشنا واحتياجنا, وعندما يذكر ترى البسمات توزعت والأسارير انفرجت والكل سرّ واسترّ, وبدء الكل بالاستعداد ليوم موعود ينتظره الجميع.
ولكي تكون رحلتنا السياحية وإجازاتنا السنوية قد أصابت الهدف وحققت المغزى, وجمعت جميع المغانم والمعالم والمكارم التي ننشدها ونرجوها, نذكر لكم بعض النقاط الهامة التي نحتاجها في رحلتنا الآسرة، فتوكلوا على الله وأغلقوا الحقائب وشدوا الأحزمة واقرءوا دعاء السفر، استعدادًا للغوص سويًا معكم في هذه النقاط الذهبية، التي سوف تجعل من السفر غاية في الروعة والجمال والفائدة, فما أجمل أن تكون رحلتنا قد جمعت أطيب الثمر وأروع الدرر.. إنها باختصار رحلة العمر..
احرص على ما يلي:
التخطيط المبكر للسفر، وتحديد الوجهة وخط السير والأماكن المراد زياراتها, وهذا الأمر سوف يسمح لكم بالحصول على خصومات هائلة للحجز المبكر، ويجعل الوجهة واضحة والحجز أسهل والرحلة أمتع وأيسر, بعيدًا عن المشاكل الناتجة عن التخبط أو فوضى اللحظات الأخيرة وزحمة الموسم وانتهاء الفرص وغلاء الأسعار.
احرصوا على جمع أكبر قدر من المعلومات، خصوصًا أنها سهلة ومتاحة عبر الانترنت, وعلى ضوء هذه المعلومات قوموا بالمفاضلة والاختيار حسب رغباتكم, ثم ضعوا جدولاً للرحلة؛ يوضح الخطوط العريضة ويجعلها منظمة وانسيابية، بعيدًا عن التخبط والاجتهادات السلبية التي تضيع الرحلة وتفسد الإجازة.
حاولوا الحصول على أفضل سعر للطيران والفنادق والرحلات السياحية والبرامج، فهناك تنافس كبير في هذا المجال، خصوصًا في الحجز الإلكتروني, ولا تختاروا أول عرض يعرض عليكم، ولكن قوموا بعمل المقارنات واختيار أفضل العروض وأكثرها توفيرًا واقتصادًا وجودة ومنفعة لكم.
جهزوا حقائب السفر بعدد من الأشياء المهمة التي تحتاجونها في رحلتكم، ومن الاقتراحات (مصحف, بوصله للقبلة والاتجاهات, سجادة صلاة, الأدوية الضرورية, كتب مناسبة, منشورات دعوية عن الإسلام، حيث يكثر طلبها, هدايا بسيطة من بيئتك المحلية تقدمها في أوقات التعارف, مواد غذائية لا تتوفر في بلد السفر, الكاميرات, الملابس المناسبة لطقس بلد السفر, كمبيوتر محمول, صورة من جواز السفر والأوراق المهمة للضرورة, قاموس للغة البلد وكتاب مبسط عن أبرز الكلمات التي يحتاجها الزائر, حقيبة صغيرة للرحلات اليومية).
احرصوا على الخروج مبكرًا للمطار (3 ساعات على الأقل)، والبعد كل البعد عن مشاكل التأخر وإلغاء الحجز, فلا تبدأ رحلتك السياحية بتوترٍ أنت من صنعته لنفسك, وإذا كان سفرك عبر السيارة فتأكد من جاهزيتها ووضعها العام, وتأكد من سلامة إطاراتها ومحركاتها, فحياتك ومن معك غالية، فلا تذهب ضحية الإهمال والتكاسل.
احرص على النوم باكرًا ليلة السفر، وأنهِ كل شيء يخص الرحلة قبل ليلة من الرحلة على الأقل، واسترخ تمامًا، وابدأ الاستمتاع.
ضع حقيبة صغيرة معك, ويستحسن أن تربطها إلى خصرك بحزام, يكون فيها جميع الأوراق الرسمية والجوازات وقدر معقول فقط من المال بأكثر من عُملة, كالدولار مثلاً وعملة البلد المقصود, بالإضافة إلى بطاقة ائتمان واحدة على الأقل والتذاكر وكل ما يخص الرحلة مثل رقم السائق المستقبل واسمه واسم الفندق ونحو ذلك, بالإضافة إلى الكرت الشخصي للتعريف بنفسك وتكوين علاقات جديدة في كل مكان تزوره، فالعلاقات ثروة لا تقدر بثمن.
أخرِج من بيتك قبل السفر الأشياءَ الثمينة مثل الذهب ونحوه, واجعلها في مكان آمن لحين عودتك, ويمكن ذلك عبر صندوق الأمانات في البنوك, واحرص حرصًا كبيرًا على إغلاق وتأمين بيتك وقت السفر, والتأكد من إغلاق الأجهزة الكهربائية, واترك بعض الأنوار مفتوحة لاعتبارات أمنية, وأغلق الشبابيك لضمان عدم دخول الغبار, بالإضافة إلى إخراج جميع الأطعمة المعرضة للتلف ووضعها في مكانها اللائق.
تأكد من صلاحية الجواز، وأنه سارٍ لأكثر من 6 أشهر، وتأكد من حصولك على تأشيرة دخول للبلد في حال الحاجة لذلك, وإن كان هناك عمالة منزلية معكم في الرحلة تأكدوا من استخراج الأوراق اللازمة من جهات الاختصاص، والتزم بقواعد النظام في البلاد التي تسافر إليها، ولا تجعل جهلك بالأنظمة يحرمك متعة الرحلة.
لا تنس الأوراد اليومية والأدعية المأثورة والأذكار الصباحية والمسائية، وكن دومًا في سفرك رسول علم ونور وإيمان وخير وتقوى وقيم, فالسفر يسفر عن أخلاق المرء، وهو من يكشف أي الناس أنت. ولا تنس أن تدعو الله بهذا الدعاء الهام: (اللهم إني أستودعك ديني ونفسي وأهلي وعِرضي ومالي وبيتي، فأنت الذي لا تضيع ودائعه).
ابتعد عن ما يلي:
أن تكون الرحلة للترفيه والأكل والتسوق فقط، فهناك منافع وفوائد في السفر لا تعد ولا تحصى, فلا تحرم نفسك ومن معك منها، واجعل المكتبات والمتاحف والمعارض الدولية والأماكن والمزارات الهامة والمحورية مقصدك, واحرص على الاستفادة من ثقافات الشعوب الأخرى وتنوعها, ومجالات التطور في تلك البلدان, وانقل تلك التجارب الناجحة للغير لتعم الفائدة والمنفعة, وتأمل في كل ما هو إيجابي أمامك، فالحكمة ضالة المؤمن.
الإكثار من الأمتعة وتحمل مصاريف إضافية باهظة في الشحن بعد تجاوز الحد المسموح به، وهي ظاهرة متفشية بكل أسف لدينا في العالم العربي, ولا تنسوا أن حلاوة الرحلة في بساطتها.
لا تكرر بلد السفر، وكن مكتشفًا، ذا فضول إيجابي. وجرب الجديد، ولا تكن تقليديًا تعيد نفسك, فالكرة الأرضية من أمامك فيها من العجائب والغرائب ما يستحق التجديد وحب الاكتشاف.
ابتعد عن الإنفاق الزائد وتتبُّع المظاهر السطحية والفارغة, أو محاولة لفت النظر، فعواقبها الاقتصادية والأمنية وخيمة، وقد تدخلكم في متاهات أنتم في غنى عنها.
ابتعد عن السفر بمبالغ كبيرة؛ ففيها خطورة كبيرة, واحرص على أن يكون معك أكثر من بطاقة بنكية احتياطًا في حال الضياع والتلف، لا قدر الله, وشيكات سياحية آمنة لتنويع الوسائل, واحرص عند خروجك من الفندق على أخذ مصروفك اليومي فقط، واترك الباقي في صندوق الأمانات (safety box ) مع الجوازات والأوراق المهمة, وخذ معك بطاقة للسحب واترك الأخرى في الصندوق للطوارئ والمفاجأة, وهنا تؤمن نفسك، ويكون لديك طريق للعودة في حال حدوث أي طارئ.
حاذر من الإساءة لدينك أو بلدك أو ثقافتك أو شخصك بأي تصرف أو سلوك أو حديث, وكن متحضرًا وراقيًا ومبتسمًا شاكرًا مهذبًا، حيث حينها تكون سفيرًا مثاليًا لوطنك وأمتك التي تتشرف بالانتماء لها، وسوف تؤجر على ذلك بإذن الله.
السياحة ليست أكلًا أو مطاعم أو تسوقًا فقط، وعلينا أن نخرج من هذا المفهوم القاصر لها, فهي اكتشاف وتأمل وتدبر, واستفادة واستثمار, ومفاهيم وعلاقات وعادات جديدة، بالإضافة إلى قضية الاسترخاء والراحة والاستجمام.
إطفاء عقلك وتفكيرك من الأخطار التي يرددها البعض, ولكن كن متفكرًا متدبراً مستفيدًا من كل حسن ومناسب يقع أمامك، واستفد من كل الإيجابيات التي تراها، وحاول أن تطبقها وتنقلها إلى بلدك الأم. ولا تنس الاعتزاز بدينك وقيمك وثوابتك, فلا تنجرف مع التيار وتركب الأمواج وتندم على قدمت.
لا تكن ممن يسهر بالليل وينام بالنهار، فذلك يضيع عليك الخير الكثير، خصوصًا في الكثير من البلاد المتقدمة، والتي تغلق مزاراتها وأماكنها السياحية الجملية في تمام السادسة مساءً.
ابتعد عن التجمعات التي يقوم بها البعض يوميًا في بعض الشوارع أو الميادين العامة الشهيرة في المدينة المقصودة, لساعات طوال، ومشاهدة الذاهب والقادم, وممارسة الفضول المقيت والتطفل المقزز, والاستعراض الشكلي والمظهري، حيث تبرز للمتابع سطحية تفكير هؤلاء وبحثهم عن سد نقص معين في شخصياتهم من خلال هذه المعسكرات التي يقيمونها في المقاهي والمطاعم.
ابتعد عن الأماكن المشبوهة أو الموبوءة, فكم من ظالم لنفسه انزلقت به القدم لدقائق هناك في بغي وفساد ومجون وفسق فأضاع نفسه ولم يجدها, فخطأ دقائق ثمنه عمرك كله، وعندما يذهب العمر فلن توهب عمُرًا آخر!!
محبرة الحكيم
"ما أجمل أن نجمع بين سياحة الأجساد وسياحة العقول فنكون قد جمعنا بين الحسنييْن، وأصبنا غاية الهدف".
قال الإمام الشافعي:
تَغَرَّبْ عَنِ الأَوْطَانِ فِيْ طَلَبِ العُلَى وسافِرْ ففي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِـدِ
تَفَرُّجُ هَـمٍّ، واكتِسَـابُ مَعِيْشَـةٍ وَعِلْمٌ، وآدابٌ، وصُحْبَـةُ مَاجِـدِ
فإن قيلَ في الأَسفـارِ ذُلٌّ ومِحْنَـةٌ وَقَطْعُ الفيافي وارتكـاب الشَّدائِـدِ
فَمَوْتُ الفتـى خيْـرٌ له مِنْ قِيامِـهِ بِدَارِ هَـوَانٍ بيـن واشٍ وَحَاسِـدِ
وماننحرم من جديدك
الله يخــلييج حبييبتي