تخطى إلى المحتوى

قصص الانبياء – إبراهيم عليه السلام -قصة قصيرة 2024.

قصص الانبياء – إبراهيم عليه السلام

خليجية

النبي الأمي العربي، من بني هاشم، ولد في مكة بعد وفاة أبيه عبد الله بأشهر قليلة، توفيت أمه آمنة وهو لا يزال طفلا، كفله جده عبد المطلب ثم عمه أبو طالب، ورعى الغنم لزمن، تزوج من السيدة خديجة بنت خويلد وهو في الخامسة والعشرين من عمره، دعا الناس إلى الإسلام أي إلى الإيمان بالله الواحد ورسوله، بدأ دعوته في مكة فاضطهده أهلها فهاجر إلى المدينة حيث اجتمع حوله عدد من الأنصار عام 622 م فأصبحت هذه السنة بدء التاريخ الهجري، توفي بعد أن حج حجة الوداع.

المسيرة

سيرته:

محمد (صلى الله عليه وسلم)
في غرب الجزيرة العربية، وفي مكة المكرمة، ولدت (آمنة بنت وهب) ابنها
محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، في الليلة الثانية عشرة من ربيع الأول
سنة 571 ميلادية وهو ما يعرف بعام الفيل.
وقد ولد محمد صلى الله عليه وسلم يتيمًا، فقد مات أبوه، وهو لم يزل جنينًا في بطن أمه، فقد خرج عبدالله بن عبدالمطلب إلى تجارة في المدينة
فمات هناك، واعتنى به جده عبدالمطلب، وسماه محمدًا، ولم يكن هذا الاسم مشهورًا ولا منتشرًا بين العرب، وقد أخذته السيدة حليمة السعدية لترضعه في
بني سعد بعيدًا عن مكة؛ فنشأ قوىَّ البنيان، فصيح اللسان، ورأوا الخير والبركة من يوم وجوده بينهم.
وفي البادية، وبينما محمد صلى الله عليه وسلم يلعب مع الغلمان، إذ جاء إليه جبريل -عليه السلام- فأخذه، وشق عن قلبه، فاستخرج القلب، واستخرج منه علقة هي حظ الشيطان منه، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم أعاد القلب إلى مكانه، فأسرع الغلمان إلى حليمة فقالوا: إن محمدًا قد قتل، فاستقبلوه وهو متغير اللون، قال أنس بن مالك: كنت أرى أثر ذلك المخيط في
صدره.[مسلم والحاكم] ولما رأت حليمة السعدية ذلك، أرجعت محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى أمه آمنة، فكان معها تعتني به حتى بلغ السادسة من عمره، وبعدها توفيت، فأخذه جده عبدالمطلب الذي لم يزل يعتني به منذ ولادته، ولما مات جده وهو في الثامنة من عمره، عهد بكفالته إلى عمه أبى طالب..
وقد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حرب الفجار مع أعمامه، وهذه حرب خاضتها قريش مع كنانة ضد قيس عيلان من هوازن دفاعًا عن قداسة الأشهر الحرم ومكانة بيت الله الحرام، كما شهد حلف الفضول الذي ردت فيها قريش لرجل من زبيد حقه الذي سلبه منه العاص بن وائل السهمى، وكان هذا الحلف في دار عبدالله بن جدعان، وقد اتفقت فيه قريش على أن ترد للمظلوم
حقه، وكان لهذين الحدثين أثرهما في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان من بين أهل قريش امرأة شريفة تسمى خديجة بنت خويلد، كانت تستأجر الرجال في تجارتها، وقد سمعت بأمانة محمد صلى الله عليه وسلم، فأرسلت إليه تعرض عليه أن يخرج بتجارتها إلى الشام، وتعطيه أكثر ما تعطى غيره، فوافق
محمد صلى الله عليه وسلم، وخرج مع غلامها ميسرة، وتاجرا وربحا، ولما عادا من التجارة، أخبر ميسرة سيدته خديجة بما لمحمد صلى الله عليه وسلم
من خصائص، وكانت امرأة ذكية، فأرسلت تخطب محمدًا صلى الله
عليه وسلم.
ثم جاء عمه أبو طالب وعمه حمزة وخطباها لمحمد صلى الله عليه وسلم، وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بخديجة، وكانت نعم الزوجة الصالحة، فقد ناصرته في حياتها، وبذلت كل ما تملك في سبيل إعلاء كلمة الله، وقد عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسن تدبيره وحكمته ورجاحة عقله في حل
المشكلات، فقد أعادت قريش بناء الكعبة، وقد اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود مكانه، حتى كادت أن تقوم حرب بينهم، وظلوا على ذلك أيامًا، واقترح أبو أمية بن المغيرة تحكيم أول من يدخل من باب المسجد، فكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فأمر بإحضار ثوب، ثم أمر بوضع الحجر في الثوب، وأن تأخذ كل قبيلة طرفًا من الثوب، فرفعوه جميعًا، حتى إذا بلغ الموضع، وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة مكانه، ثم بنى عليه، وكان آنذاك في الخامسة
والثلاثين من عمره.
ولما قربت سن محمد صلى الله عليه وسلم نحو الأربعين، حببت إليه العزلة، فكان يعتزل في غار حراء، يتعبد فيه، ويتأمل هذا الكون الفسيح، وفي يوم من الأيام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعبد في غار حراء، فجاء جبريل، وقال له: اقرأ.. فقال له محمد صلى الله عليه وسلم: ما أنا بقارئ. فأخذه جبريل فضمه ضمًّا شديدًا ثم أرسله وقال له: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ. فأخذه جبريل ثانية وضمه إليه ضمًّا شديدًا، وقال له: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ. قال له جبريل:
{اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم} [العلق:1-5] _[متفق عليه].
فكان هذا الحادث هو بداية الوحي، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف مما حدث له، فذهب إلى خديجة وطلب منها أن تغطيه، ثم حكى لها
ما حدث، فطمأنته، وأخبرته أن الله لن يضيعه أبدًا، ثم ذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وحكى له ما رأى، فبشره ورقة بأنه نبي هذه الأمة، وتمنى أن لو يعيش حتى ينصره، لكن ورقة مات قبل الرسالة، وانقطع الوحى مدة، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نزل الوحى مرة ثانية، فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل قاعدًا على كرسى بين السماء والأرض، فرجع مسرعًا إلى أهله، وهو يقول: زملونى، زملونى (أى غطونى) فأنزل الله تعالى قوله: {يا أيها المدثر . قم فأنذر . وربك فكبر . وثيابك فطهر . والرجز فاهجر} _[المدثر: 1-5] ثم تتابع الوحى بعد ذلك [البخارى].
وبعد هذه الآيات التى نزلت كانت بداية الرسالة، فبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الأقربين إلى الإسلام، فكان أول من آمن خديجة زوجته، وأبو بكر صديقه، وعلي بن أبى طالب ابن عمه، وزيد بن حارثه مولاه، ثم تتابع الناس بعد ذلك في دخول الإسلام، وأنزل الله -سبحانه- على رسوله صلى الله عليه وسلم قوله: {وأنذر عشيرتك الأقربين}_[الشعراء: 214] فكان الأمر من الله أن يجهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعوة، فجمع أقاربه أكثر من مرة، وأعلمهم أنه نبي من عند الله -عز وجل-.
ولما نزل قول الله تعالى: {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين} [الحجر: 94] قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يستنكر عبادة الأصنام، وما عليه الناس من الضلالة، وسمعت قريش بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم فأخذتهم الحمية لأصنامهم التى لا تضر ولا تنفع، وحاولوا أن يقفوا ضد هذه الدعوة الجديدة بكل وسيلة، فذهبوا إلى أبى طالب، وطلبوا منه أن يسلم لهم الرسول صلى الله عليه وسلم فرفض، وكانوا يشوهون صورته للحجاج مخافة أن يدعوهم، وكانوا يسخرون من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن القرآن، ويتهمونه بالجنون والكذب، لكن باءت محاولاتهم بالفشل، فحاول بعضهم تأليف شىء كالقرآن
فلم يستطيعوا، وكانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أشد الإيذاء كى يردوهم عن الإسلام، فكانت النتيجة أن تمسك المسلمون بدينهم أكثر.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتمع بالمسلمين سرًّا في دار
الأرقم بن أبى الأرقم يعلمهم أمور الدين، ثم أمرهم بعد فترة أن يهاجروا إلى الحبشة، فهاجر عدد من المسلمين إلى الحبشة، فأرسلت قريش إلى النجاشى يردهم، لكن الله نصر المسلمين على الكفار؛ فرفض النجاشى أن يسلم المسلمين وظلوا عنده في أمان يعبدون الله عز وجل، وحاول المشركون مساومة أبى طالب مرة بعد مرة بأن يسلم لهم محمدًا إلا أنه أبى إلا أن يقف معه، فحاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن الله منعه وحفظه.
وفي هذه الأوقات العصيبة أسلم حمزة وعمر بن الخطاب، فكانا منعة وحصنًا للإسلام، ولكن المشركين لم يكفوا عن التفكير في القضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما علم أبو طالب بذلك جمع بني هاشم وبني عبدالمطلب واتفقوا على أن يمنعوا الرسول صلى الله عليه وسلم من أن يصيبه أذى، فوافق بنو هاشم وبنو عبدالمطلب مسلمهم وكافرهم إلا أبا لهب، فإنه كان مع قريش، فاتفقت قريش على مقاطعة المسلمين ومعهم بنو هاشم وبنو عبدالمطلب، فكان الحصار في شعب أبى طالب ثلاث سنوات، لا يتاجرون معهم، ولا يتزوجون منهم، ولا يجالسونهم ولا يكلمونهم، حتى قام بعض العقلاء، ونادوا في قريش أن ينقضوا الصحيفة التى كتبوها، وأن يعيدوا العلاقة مع بني هاشم وبني عبدالمطلب، فوجدوا الأرضة أكلتها إلا ما فيها من اسم الله.
وتراكمت الأحزان فيما بعد لوفاة أبى طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم وزوجه خديجة بنت خويلد، فقد ازداد اضطهاد وتعذيب المشركين، وفكَّر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخرج من مكة إلى الطائف يدعو أهلها إلى الإسلام، إلا أنهم كانوا أشرارًا، فأهانوا النبي صلى الله عليه وسلم وزيد ابن حارثة الذي
كان معه، وأثناء عودته بعث الله -عز وجل- إليه نفرًا من الجن استمعوا إلى القرآن الكريم، فآمنوا.
وأراد الله -سبحانه- أن يخفف عن الرسول صلى الله عليه وسلم فكانت رحلة الإسراء والمعراج، والتى فرضت فيها الصلاة، خمس صلوات في اليوم والليلة واطمأنت نفس النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الرحلة، ليبدأ من جديد الدعوة إلى الله، وقد علم أن الله معه لن يتركه ولا ينساه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في موسم الحج يدعو الناس إلى الإيمان بالله وأنه رسول الله، فآمن له في السنة العاشرة من النبوة عدد قليل، ولما كانت السنة الحادية عشرة من النبوة أسلم ستة أشخاص من يثرب كلهم من الخزرج، وهم حلفاء اليهود، وقد كانوا سمعوا من اليهود بخروج نبي في هذا الزمان، فرجعوا إلى أهليهم، وأذاعوا الخبر بينهم.
وعادوا العام القادم وهم اثنا عشر رجلاً، فيهم خمسة ممن حضر العام الماضى وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفت هذه البيعة ببيعة العقبة الأولى فرجعوا وأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير ليعلمهم أمور دينهم، وقد نجح مصعب بن عمير نجاحًا باهرًا، فقد استطاع أن يدعوا كبار المدينة من الأوس والخزرج، حتى آمن عدد كبير منهم، وفي السنة الثالثة عشرة من النبوة، جاء بضع وسبعون نفسًا من أهل يثرب في موسم الحج، والتقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعوه بيعة العقبة الثانية، وتم الاتفاق على نصرة الإسلام والهجرة إلى المدينة.
وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بعدها الصحابة أن يهاجروا إلى يثرب، فهاجر من قدر من المسلمين إلى المدينة، وبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعلى وبعض الضعفاء ممن لا يستطيعون الهجرة، وسمعت قريش بهجرة المسلمين إلى يثرب، وأيقنت أن محمدًا صلى الله عليه وسلم لابد أن يهاجر، فاجتمعوا في دار الندوة لمحاولة القضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن الله -سبحانه- نجَّاه من مكرهم، وهاجر هو وأبو بكر بعد أن جعل عليًّا مكانه ليرد الأمانات إلى أهلها.
وهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر إلى المدينة، واستقبلهما أهل المدينة بالترحاب والإنشاد، لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل الدعوة، وهي المرحلة المدنية، بعد أن انتهت المرحلة المكية، وقد وصل الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الجمعة (12 ربيع الأول سنة 1هـ/ الموافق 27 سبتمبر سنة 622م) ونزل في بني النجار، وعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على تأسيس دولة الإسلام في المدينة، فكان أول ما صنعه أن بنى المسجد النبوى، ليكون دار العبادة للمسلمين، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار، كما كتب الرسول صلى الله عليه وسلم معاهدة مع اليهود الذين كانوا يسكنون المدينة.
وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتنى ببناء المجتمع داخليًّا، كى يكون صفًّا واحدًا يدافع عن الدولة الناشئة، ولكن المشركين بمكة لم تهدأ ثورتهم، فقد أرسلوا إلى المهاجرين أنهم سيأتونهم كى يقتلوهم، فكان لابد من الدفاع، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عددًا من السرايا، كان الغرض منها التعرف على الطرق المحيطة بالمدينة، والمسالك المؤدية إلى مكة، وعقد المعاهدات مع القبائل المجاورة وإشعار كل من مشركى يثرب واليهود وعرب البادية والقرشيين أن الإسلام قد أصبح قويًّا.
وكانت من أهم السرايا التى بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل غزوة بدر سرية سيف البحر، وسرية رابغ، وسرية الخرار، وسرية الأبواء، وسرية نخلة، وفي شهر شعبان من السنة الثانية الهجرية فرض الله القتال على المسلمين، فنزلت آيات توضح لهم أهمية الجهاد ضد أعداء الإسلام، وفي هذه الأيام أمر الله -سبحانه- رسوله صلى الله عليه وسلم بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى
المسجد الحرام، وكان هذا إيذانًا ببدء مرحلة جديدة في حياة المسلمين
خاصة، والبشرية عامة.
بعد فرض الجهاد على المسلمين، وتحرش المشركين بهم، كان لابد من القتال فكانت عدة لقاءات عسكرية بين المسلمين والمشركين، أهمها: غزوة بدر الكبرى في العام الثانى الهجرى، وكانت قريش قد خرجت بقافلة تجارية كبيرة على رأسها أبو سفيان بن حرب، وقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً لقصد هذه القافلة، لكن أبا سفيان كان يتحسس الخبر فأرسل رجلا إلى قريش يعلمهم بما حدث، ثم نجح هو بعد ذلك في الإفلات بالعير والتجارة، واستعدت قريش للخروج، فخرج ألف وثلاثمائة رجل، وأرسل أبو سفيان إلى قريش أنه قد أفلت بالعير، إلا أن أبا جهل أصر على القتال، فرجع بنو زهرة وكانوا ثلاثمائة رجل، واتجه المشركون ناحية بدر، وكان المسلمون قد سبقوهم إليها بعد استطلاعات واستكشافات.
وبدأت الحرب بالمبارزة بين رجال من المشركين ورجال من المهاجرين، قُتِل فيها المشركون، وبدأت المعركة، وكتب الله -عز وجل- للمسلمين فيها النصر وللكفار الهزيمة، وقد قتل المسلمون فيها عددًا كبيرًا، كما أسروا آخرين، وبعد غزوة بدر علم الرسول صلى الله عليه وسلم أن بني سليم من قبائل غطفان تحشد قواتها لغزو المدينة، فأسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائتى رجل وهاجمهم في عقر دارهم، ففروا بعد أن تركوا خمسمائة بعير استولى عليها المسلمون، وكانت هذه الغزوة في شوال (2هـ) بعد بدر بسبعة أيام، وعرفت بغزوة بني سليم.
ورأت اليهود في المدينة نصر الرسول صلى الله عليه وسلم فاغتاظوا لذلك، فكانوا يثيرون القلاقل، وكان أشدهم عداوة بنو قينقاع، فجمع الرسول صلى الله عليه وسلم اليهود بالمدينة ونصحهم وعرض عليهم الإسلام، إلا أنهم أبدوا استعدادهم لقتال المسلمين، فكظم الرسول صلى الله عليه وسلم غيظه، حتى تسبب رجل من بني قينقاع في كشف عورة امرأة، فقتله أحد المسلمين، فقتل اليهود المسلم فحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قينقاع، ثم أجلاهم عن المدينة بسبب إلحاح عبدالله بن أبى بن سلول.
وفي ذي الحجة سنة (2هـ) خرج أبو سفيان في نفر إلى المدينة، فأحرق بعض أسوار من النخيل، وقتلوا رجلين، وفروا هاربين، فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم في أثرهم، إلا أنهم ألقوا ما معهم من متاع حتى استطاعوا الإسراع بالفرار وعرفت هذه الغزوة بغزوة السويق، كما علم الرسول صلى الله عليه وسلم أن نفرًا من بني ثعلبة ومحارب تجمعوا يريدون الإغارة على المدينة، فخرج لهم الرسول صلى الله عليه وسلم حتى وصل إلى المكان الذي تجمعوا فيه، وكان يسمى بـ(ذي أمر) ففروا هاربين إلى رءوس الجبال، وأقام الرسول صلى الله عليه وسلم شهرًا ليرهب الأعراب بقوة المسلمين، وكانت هذه الغزوة في أوائل صفر
سنة (3هـ).
وفي جمادى الآخرة سنة (3هـ) خرجت قافلة لقريش بقيادة صفوان بن أمية ومع أن القافلة اتخذت طريقًا صعبًا لا يعرف، إلا أن النبأ قد وصل إلى المدينة وخرجت سرية بقيادة زيد بن حارثة، استولت على القافلة وما فيها من متاع، وفر صفوان بن أمية ومن معه، اغتاظ كفار مكة مما حدث لهم في غزوة بدر، فاجتمعوا على الاستعداد لقتال المسلمين، وقد جعلوا القافلة التى نجا بها أبوسفيان لتمويل الجيش واستعدت النساء المشركات للخروج مع الجيش لتحميس الرجال، وقد طارت الأخبار إلى المدينة باستعداد المشركين للقتال، فاستشار الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة، وأشار عليهم -بدءًا- أن يبقوا في المدينة، فإن عسكر
المشركون خارجها، فإنهم لن ينالوا منهم شيئًا، وإن غزوا المدينة، قاتلوهم قتالاً شديدًا.
إلا أن بعض الصحابة ممن لم يخرج مع الرسول صلى الله عليه وسلم للقتال في بدر، أشاروا على الرسول صلى الله عليه وسلم الخروج من المدينة، وكان على رأس المتحمسين للخروج حمزة بن عبدالمطلب، ولبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس الحرب، وخرج الجيش وفيه ألف مقاتل، واتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانًا قريبًا من العدو عند جبل أحد، وما كاد وقت المعركة أن يبدأ حتى تراجع عبدالله بن أبى سلول بثلث الجيش، بزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أكره على الخروج، وما أراد بفعلته إلا بث الزعزعة في صفوف المسلمين، وبقى من الجيش سبعمائة مقاتل، وكان عدد المشركين ثلاثة
آلاف مقاتل.
واتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم مكانًا متميزًا في المعركة، وجعل بعض المقاتلين في الجبل، وهو ما عرف فيما بعد بجبل الرماة، وأمّر عليهم عبدالله بن جبير وأمرهم أن يحموا ظهور المسلمين، وألا ينزلوا مهما كان الأمر، سواء انتصر المسلمون أم انهزموا، إلا إذا بعث إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم، بدأت المبارزة بين الفريقين، وقتل فيها المسلمون عددًا من المشركين، وكان معظمهم ممن كانوا يحملون لواء المشركين، حتى ألقى اللواء على الأرض، واستبسل المسلمون وقاتلوا قتالا شديدًا، واستبسل من كانوا على الجبل.
إلا أنهم لما رأوا المسلمين يجمعون الغنائم نزلوا، فذكرهم قائدهم عبدالله بن جبير إلا أنهم لم يسمعوا له، ولاحظ خالد بن الوليد، فرجع بمن كان معه، وطوق جيش المسلمين، واضطربت الصفوف، وقتل المشركون من المسلمين سبعين رجلاً واقتربوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أصيب ببعض
الإصابات، والذي حاول المشركون قتله لولا بسالة بعض الصحابة ممن
دافع عنه، وقد أشيع قتل النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم انتشر بين المسلمين كذب الخبر، فتجمعوا حوله صلى الله
عليه وسلم، واستطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخترق طريقًا وينجو
بمن معه، وصعدوا الجبل، وحاول المشركون قتالهم، إلا أنهم لم يستطيعوا، فرجعوا وخشى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع المشركون، فخرج بمن كان معه في غزوة أحد فحسب، ولم يقبل غيرهم إلا عبدالله بن جابر فقد قبل
عذره.
وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة حتى وصلوا إلى حمراء الأسد، وقد أقبل معبد بن أبى معبد الخزاعي وأسلم، فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم بمخادعة أبى سفيان إن كان قد أراد الرجوع لحرب المسلمين، وفي طريق العودة اتفق المشركون على الرجوع، فقابلهم معبد بن أبى معبد الخزاعي، ولم يكن أبو سفيان قد علم بإسلامه، فقال له: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد جمع جيشًا كبيرًا لقتالكم، كى يستأصلكم، فارجعوا، وأحدثت هذه الكلمات زعزعة في صفوف المشركين.
وبعد غزوة أحد، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض السرايا لتأديب من يريد أن يعتدي على المسلمين، كسرية أبى سلمة في هلال شهر المحرم سنة (4هـ) إلى بني أسد بن خزيمة، وبعث عبدالله بن أنيس لخالد بن سفيان الذي أراد حرب المسلمين، فأتى عبدالله بن أنيس برأسه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي بعث الرجيع قتل بعض الصحابة، وفي السنة نفسها، بعث الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة لأهل نجد، ليدعوهم إلى الإسلام، وفي الطريق عند بئر معونة
أحاط كثير من المشركين بالمسلمين، وقتلوا سبعين من الصحابة، ولما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك الخبر، حزن حزنًا شديدًا، ودعا على المشركين.
وكانت يهود بني النضير يراقبون الموقف، ويستغلون أى فرصة لإشعال الفتنة وكان بعض الصحابة قد قتلوا اثنين خطأ معهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من بنود الميثاق بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين اليهود، أن يساعد كل من الطرفين الآخر في دفع الدية، فلما ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم حاولوا قتله، إلا أن الله سبحانه حفظه وأرسل إليه جبريل، يخبره بما يريدون، فبعث إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا، ولكن عبدالله بن أبى وعدهم بالمساعدة، فرفضوا الخروج، وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة أيام، وبعدها قرروا الخروج على أن يأخذوا متاعهم، واستثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاحهم، فأخذه، وأخذ أرضهم وديارهم، فتفرق يهود بني النضير في الجزيرة.
وفي شعبان من العام الرابع الهجري خرج الرسول صلى الله عليه وسلم في ألف وخمسمائة من أصحابه، لملاقاة أبى سفيان والمشركين، كما اتفقوا في غزوة أحد إلا أن أبا سفيان خاف، فتراجع هو وجيشه خوفًا من المسلمين، ويسمى هذا الحادث بغزوة بدر الصغرى أو بدر الآخرة، وطارت الأنباء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن القبائل حول دومة الجندل تحشد جيشًا لقتال المسلمين، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش من أصحابه، وفاجأهم، ففروا هاربين وكان ذلك في أواخر ربيع الأول سنة (5هـ) وبذا فقد استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصد كل عدوان، حتى يتسنى له الأمر لتبليغ دعوة الله.
ولم تنس اليهود تلك الهزائم التى لحقت بها، لكنها لا تستطيع مواجهة الرسول صلى الله عليه وسلم فأخذت يهود بني النضير يألبون المشركين في مكة وغيرها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى اجتمع عشرة آلاف مقاتل، وقد علم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، فاستشار الصحابة، فأشار عليه سلمان الفارسى بحفر خندق، فحفر الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الخندق شمال المدينة، لأنه الجهة الوحيدة التى يمكن أن يأتى الأعداء منها.

خليجيةخليجيةخليجيةخليجيةخليجية

ارجو الرد ؟؟؟
أبو البشر، خلقه الله بيده وأسجد له الملائكة وعلمه الأسماء وخلق له زوجته وأسكنهما الجنة وأنذرهما أن لا يقربا شجرة معينة ولكن الشيطان وسوس لهما فأكلا منها فأنزلهما الله إلى الأرض ومكن لهما سبل العيش بها وطالبهما بعبادة الله وحده وحض الناس على ذلك، وجعله خليفته في الأرض، وهو رسول الله إلى أبنائه وهو أول الأنبياء.

سيرته:

خلق آدم عليه السلام:

أخبر الله سبحانه وتعالى ملائكة بأنه سيخلق بشرا خليفة في الأرض – وخليفة هنا تعني على رأس ذرية يخلف بعضها بعضا. فقال الملائكة: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ).

ويوحي قول الملائكة هذا بأنه كان لديهم تجارب سابقة في الأرض , أو إلهام وبصيرة , يكشف لهم عن شيء من فطرة هذا المخلوق , ما يجعلهم يتوقعون أنه سيفسد في الأرض , وأنه سيسفك الدماء . . ثم هم – بفطرة الملائكة البريئة التي لا تتصور إلا الخير المطلق – يرون التسبيح بحمد الله والتقديس له , هو وحده الغاية للوجود . . وهو متحقق بوجودهم هم , يسبحون بحمد الله ويقدسون له, ويعبدونه ولا يفترون عن عبادته !

هذه الحيرة والدهشة التي ثارت في نفوس الملائكة بعد معرفة خبر خلق آدم.. أمر جائز على الملائكة، ولا ينقص من أقدارهم شيئا، لأنهم، رغم قربهم من الله، وعبادتهم له، وتكريمه لهم، لا يزيدون على كونهم عبيدا لله، لا يشتركون معه في علمه، ولا يعرفون حكمته الخافية، ولا يعلمون الغيب . لقد خفيت عليهم حكمة الله تعالى , في بناء هذه الأرض وعمارتها , وفي تنمية الحياة , وفي تحقيق إرادة الخالق في تطويرها وترقيتها وتعديلها , على يد خليفة الله في أرضه . هذا الذي قد يفسد أحيانا , وقد يسفك الدماء أحيانا . عندئذ جاءهم القرار من العليم بكل شيء , والخبير بمصائر الأمور: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ).

وما ندري نحن كيف قال الله أو كيف يقول للملائكة . وما ندري كذلك كيف يتلقى الملائكة عن الله ، فلا نعلم عنهم سوى ما بلغنا من صفاتهم في كتاب الله . ولا حاجة بنا إلى الخوض في شيء من هذا الذي لا طائل وراء الخوض فيه . إنما نمضي إلى مغزى القصة ودلالتها كما يقصها القرآن .

أدركت الملائكة أن الله سيجعل في الأرض خليفة.. وأصدر الله سبحانه وتعالى أمره إليهم تفصيلا، فقال إنه سيخلق بشرا من طين، فإذا سواه ونفخ فيه من روحه فيجب على الملائكة أن تسجد له، والمفهوم أن هذا سجود تكريم لا سجود عبادة، لأن سجود العبادة لا يكون إلا لله وحده.

جمع الله سبحانه وتعالى قبضة من تراب الأرض، فيها الأبيض والأسود والأصفر والأحمر – ولهذا يجيء الناس ألوانا مختلفة – ومزج الله تعالى التراب بالماء فصار صلصالا من حمأ مسنون. تعفن الطين وانبعثت له رائحة.. وكان إبليس يمر عليه فيعجب أي شيء يصير هذا الطين؟

سجود الملائكة لآدم:

من هذا الصلصال خلق الله تعالى آدم .. سواه بيديه سبحانه ، ونفخ فيه من روحه سبحانه .. فتحرك جسد آدم ودبت فيه الحياة.. فتح آدم عينيه فرأى الملائكة كلهم ساجدين له .. ما عدا إبليس الذي كان يقف مع الملائكة، ولكنه لم يكن منهم، لم يسجد .. فهل كان إبليس من الملائكة ؟ الظاهر أنه لا . لأنه لو كان من الملائكة ما عصى . فالملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون . . وسيجيء أنه خلق من نار . والمأثور أن الملائكة خلق من نور . . ولكنه كان مع الملائكة وكان مأموراً بالسجود .

أما كيف كان السجود ؟ وأين ؟ ومتى ؟ كل ذلك في علم الغيب عند الله . ومعرفته لا تزيد في مغزى القصة شيئاً..

فوبّخ الله سبحانه وتعالى إبليس: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ) . وبدلا من التوبة والأوبة إلى الله تبارك وتعالى، ردّ إبليس بمنطق يملأه الكبر والحسد: (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) . هنا صدر الأمر الإلهي العالي بطرد هذا المخلوق المتمرد القبيح: (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) وإنزال اللعنة عليه إلى يوم الدين. ولا نعلم ما المقصود بقوله سبحانه (مِنْهَا) فهل هي الجنة ؟ أم هل هي رحمة الله . . هذا وذلك جائز لكن الأرجح رحمة الله تعالى، فلم يكن إبليس في الجنة، وحتى آدم عليه السلام لم يكن في الجنة على الأرجح . ولا محل للجدل الكثير . فإنما هو الطرد واللعنة والغضب جزاء التمرد والتجرؤ على أمر الله الكريم .

قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) (ص)

هنا تحول الحسد إلى حقد . وإلى تصميم على الانتقام في نفس إبليس: (قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) . واقتضت مشيئة الله للحكمة المقدرة في علمه أن يجيبه إلى ما طلب , وأن يمنحه الفرصة التي أراد. فكشف الشيطان عن هدفه الذي ينفق فيه حقده: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) ويستدرك فيقول: (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) فليس للشيطان أي سلطان على عباد الله المؤمنين .

وبهذا تحدد منهجه وتحدد طريقه . إنه يقسم بعزة الله ليغوين جميع الآدميين . لا يستثني إلا من ليس له عليهم سلطان . لا تطوعاً منه ولكن عجزاً عن بلوغ غايته فيهم ! وبهذا يكشف عن الحاجز بينه وبين الناجين من غوايته وكيده ; والعاصم الذي يحول بينهم وبينه . إنه عبادة الله التي تخلصهم لله . هذا هو طوق النجاة . وحبل الحياة ! . . وكان هذا وفق إرادة الله وتقديره في الردى والنجاة . فأعلن – سبحانه – إرادته . وحدد المنهج والطريق: (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) .

فهي المعركة إذن بين الشيطان وأبناء آدم , يخوضونها على علم . والعاقبة مكشوفة لهم في وعد الله الصادق الواضح المبين . وعليهم تبعة ما يختارون لأنفسهم بعد هذا البيان . وقد شاءت رحمة الله ألا يدعهم جاهلين ولا غافلين . فأرسل إليهم المنذرين .

تعليم آدم الأسماء:

ثم يروي القرآن الكريم قصة السر الإلهي العظيم الذي أودعه الله هذا الكائن البشري , وهو يسلمه مقاليد الخلافة: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا) . سر القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات . سر القدرة على تسمية الأشخاص والأشياء بأسماء يجعلها – وهي ألفاظ منطوقة – رموزا لتلك الأشخاص والأشياء المحسوسة . وهي قدرة ذات قيمة كبرى في حياة الإنسان على الأرض . ندرك قيمتها حين نتصور الصعوبة الكبرى , لو لم يوهب الإنسان القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات , والمشقة في التفاهم والتعامل , حين يحتاج كل فرد لكي يتفاهم مع الآخرين على شيء أن يستحضر هذا الشيء بذاته أمامهم ليتفاهموا بشأنه . . الشأن شأن نخلة فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا باستحضار جسم النخلة ! الشأن شأن جبل . فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا بالذهاب إلى الجبل ! الشأن شأن فرد من الناس فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا بتحضير هذا الفرد من الناس . . . إنها مشقة هائلة لا تتصور معها حياة ! وإن الحياة ما كانت لتمضي في طريقها لو لم يودع الله هذا الكائن القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات .

أما الملائكة فلا حاجة لهم بهذه الخاصية , لأنها لا ضرورة لها في وظيفتهم . ومن ثم لم توهب لهم . فلما علم الله آدم هذا السر , وعرض عليهم ما عرض لم يعرفوا الأسماء . لم يعرفوا كيف يضعون الرموز اللفظية للأشياء والشخوص . . وجهروا أمام هذا العجز بتسبيح ربهم , والاعتراف بعجزهم , والإقرار بحدود علمهم , وهو ما علمهم . . ثم قام آدم بإخبارهم بأسماء الأشياء . ثم كان هذا التعقيب الذي يردهم إلى إدراك حكمة العليم الحكيم: (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ) .

أراد الله تعالى أن يقول للملائكة إنه عَـلِـمَ ما أبدوه من الدهشة حين أخبرهم أنه سيخلق آدم، كما علم ما كتموه من الحيرة في فهم حكمة الله، كما علم ما أخفاه إبليس من المعصية والجحود.. أدرك الملائكة أن آدم هو المخلوق الذي يعرف.. وهذا أشرف شيء فيه.. قدرته على التعلم والمعرفة.. كما فهموا السر في أنه سيصبح خليفة في الأرض، يتصرف فيها ويتحكم فيها.. بالعلم والمعرفة.. معرفة بالخالق.. وهذا ما يطلق عليه اسم الإيمان أو الإسلام.. وعلم بأسباب استعمار الأرض وتغييرها والتحكم فيها والسيادة عليها.. ويدخل في هذا النطاق كل العلوم المادية على الأرض.

إن نجاح الإنسان في معرفة هذين الأمرين (الخالق وعلوم الأرض) يكفل له حياة أرقى.. فكل من الأمرين مكمل للآخر.

سكن آدم وحواء في الجنة:

اختلف المفسرون في كيفية خلق حواء. ولا نعلم إن كان الله قد خلق حواء في نفس وقت خلق آدم أم بعده لكننا نعلم أن الله سبحانه وتعالى أسكنهما معا في الجنة. لا نعرف مكان هذه الجنة. فقد سكت القرآن عن مكانها واختلف المفسرون فيها على خمسة وجوه. قال بعضهم: إنها جنة المأوى، وأن مكانها السماء. ونفى بعضهم ذلك لأنها لو كانت جنة المأوى لحرم دخولها على إبليس ولما جاز فيها وقوع عصيان. وقال آخرون: إنها جنة المأوى خلقها الله لآدم وحواء. وقال أكثرهم: إنها جنة من جنات الأرض تقع في مكان مرتفع. وذهب فريق إلى التسليم في أمرها والتوقف.. ونحن نختار هذا الرأي. إن العبرة التي نستخلصها من مكانها لا تساوي شيئا بالقياس إلى العبرة التي تستخلص مما حدث فيها.

كان الله قد سمح لآدم وحواء بأن يقتربا من كل شيء وأن يستمتعا بكل شيء، ما عدا شجرة واحدة. فأطاع آدم وحواء أمر ربهما بالابتعاد عن الشجرة. غير أن آدم إنسان، والإنسان ينسى، وقلبه يتقلب، وعزمه ضعيف. واستغل إبليس إنسانية آدم وجمع كل حقده في صدره، واستغل تكوين آدم النفسي.. وراح يثير في نفسه ويوسوس إليه: (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى) . وأقسم إبليس لآدم أنه صادق في نصحه لهم، ولم يكن آدم عليه السلام بفطرته السليمة يظن أن هنالك من يقسم بالله كذا، فضعف عزمه ونسي وأكل من الشجرة هو وحواء.

ليس صحيحا ما تذكره صحف اليهود من إغواء حواء لآدم وتحميلها مسئولية الأكل من الشجرة. إن نص القرآن لا يذكر حواء. إنما يذكر آدم -كمسئول عما حدث- عليه الصلاة والسلام. وهكذا أخطأ الشيطان وأخطأ آدم. أخطأ الشيطان بسبب الكبرياء، وأخطأ آدم بسبب الفضول.

لم يكد آدم ينتهي من الأكل حتى اكتشف أنه أصبح عار، وأن زوجته عارية. وبدأ هو وزوجته يقطعان أوراق الشجر لكي يغطي بهما كل واحد منهما جسده العاري. ولم تكن لآدم تجارب سابقة في العصيان، فلم يعرف كيف يتوب، فألهمه الله سبحانه وتعالى عبارات التوبة (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (23) (الأعرف) وأصدر الله تبارك وتعالى أمره بالهبوط من الجنة.

هبوط آدم وحواء إلى الأرض:

وهبط آدم وحواء إلى الأرض. واستغفرا ربهما وتاب إليه. فأدركته رحمة ربه التي تدركه دائما عندما يثوب إليها ويلوذ بها … وأخبرهما الله أن الأرض هي مكانهما الأصلي.. يعيشان فيهما، ويموتان عليها، ويخرجان منها يوم البعث.

يتصور بعض الناس أن خطيئة آدم بعصيانه هي التي أخرجتنا من الجنة. ولولا هذه الخطيئة لكنا اليوم هناك. وهذا التصور غير منطقي لأن الله تعالى حين شاء أن يخلق آدم قال للملائكة: "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً" ولم يقل لهما إني جاعل في الجنة خليفة. لم يكن هبوط آدم إلى الأرض هبوط إهانة، وإنما كان هبوط كرامة كما يقول العارفون بالله. كان الله تعالى يعلم أن آدم وحواء سيأكلان من الشجرة. ويهبطان إلى الأرض. أما تجربة السكن في الجنة فكانت ركنا من أركان الخلافة في الأرض. ليعلم آدم وحواء ويعلم جنسهما من بعدهما أن الشيطان طرد الأبوين من الجنة، وأن الطريق إلى الجنة يمر بطاعة الله وعداء الشيطان.

هابيل وقابيل:

لا يذكر لنا المولى عزّ وجلّ في كتابه الكريم الكثير عن حياة آدم عليه السلام في الأرض. لكن القرآن الكريم يروي قصة ابنين من أبناء آدم هما هابيل وقابيل. حين وقعت أول جريمة قتل في الأرض. وكانت قصتهما كالتالي.

كانت حواء تلد في البطن الواحد ابنا وبنتا. وفي البطن التالي ابنا وبنتا. فيحل زواج ابن البطن الأول من البطن الثاني.. ويقال أن قابيل كان يريد زوجة هابيل لنفسه.. فأمرهما آدم أن يقدما قربانا، فقدم كل واحد منهما قربانا، فتقبل الله من هابيل ولم يتقبل من قابيل. قال تعالى في سورة (المائدة):

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَإِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) (المائدة)

لاحظ كيف ينقل إلينا الله تعالى كلمات القتيل الشهيد، ويتجاهل تماما كلمات القاتل. عاد القاتل يرفع يده مهددا.. قال القتيل في هدوء:

إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ (29) (المائدة)

انتهى الحوار بينهما وانصرف الشرير وترك الطيب مؤقتا. بعد أيام.. كان الأخ الطيب نائما وسط غابة مشجرة.. فقام إليه أخوه قابيل فقتله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل". جلس القاتل أمام شقيقه الملقى على الأرض. كان هذا الأخ القتيل أول إنسان يموت على الأرض.. ولم يكن دفن الموتى شيئا قد عرف بعد. وحمل الأخ جثة شقيقه وراح يمشي بها.. ثم رأى القاتل غرابا حيا بجانب جثة غراب ميت. وضع الغراب الحي الغراب الميت على الأرض وساوى أجنحته إلى جواره وبدأ يحفر الأرض بمنقاره ووضعه برفق في القبر وعاد يهيل عليه التراب.. بعدها طار في الجو وهو يصرخ.

اندلع حزن قابيل على أخيه هابيل كالنار فأحرقه الندم. اكتشف أنه وهو الأسوأ والأضعف، قد قتل الأفضل والأقوى. نقص أبناء آدم واحدا. وكسب الشيطان واحدا من أبناء آدم. واهتز جسد القاتل ببكاء عنيف ثم أنشب أظافره في الأرض وراح يحفر قبر شقيقه.

قال آدم حين عرف القصة: (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ) وحزن حزنا شديدا على خسارته في ولديه. مات أحدهما، وكسب الشيطان الثاني. صلى آدم على ابنه، وعاد إلى حياته على الأرض: إنسانا يعمل ويشقى ليصنع خبزه. ونبيا يعظ أبنائه وأحفاده ويحدثهم عن الله ويدعوهم إليه، ويحكي لهم عن إبليس ويحذرهم منه. ويروي لهم قصته هو نفسه معه، ويقص لهم قصته مع ابنه الذي دفعه لقتل شقيقه.

موت آدم عليه السلام:

وكبر آدم. ومرت سنوات وسنوات.. وعن فراش موته، يروي أبي بن كعب، فقال: إن آدم لما حضره الموت قال لبنيه: أي بني، إني أشتهي من ثمار الجنة. قال: فذهبوا يطلبون له، فاستقبلتهم الملائكة ومعهم أكفانه وحنوطه، ومعهم الفؤوس والمساحي والمكاتل، فقالوا لهم: يا بني آدم ما تريدون وما تطلبون؟ أو ما تريدون وأين تطلبون؟ قالوا: أبونا مريض واشتهى من ثمار الجنة، فقالوا لهم: ارجعوا فقد قضي أبوكم. فجاءوا فلما رأتهم حواء عرفتهم فلاذت بآدم، فقال: إليك عني فإني إنما أتيت من قبلك، فخلي بيني وبين ملائكة ربي عز وجل. فقبضوه وغسلوه وكفنوه وحنطوه، وحفروا له ولحدوه وصلوا عليه ثم أدخلوه قبره فوضعوه في قبره، ثم حثوا عليه، ثم قالوا: يا بني آدم هذه سنتكم.

وفي موته يروي الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا أبو نعيم، حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصاً من نور، ثم عرضهم على آدم فقال: أي رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك، فرأى رجلاً فأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أي رب من هذا؟ قال هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود، قال: رب وكم جعلت عمره؟ قال ستين سنة، قال: أي رب زده من عمري أربعين سنة. فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت، قال: أو لم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أو لم تعطها ابنك داود؟ قال فجحد فجحدت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته، وخطىء آدم فخطئت ذريته".

ارجووووووو الرد
خليجيةهو ولد سيدنا إبراهيم من زوجته سارة، وقد كانت البشارة بمولده من الملائكة لإبراهيم وسارة لما مروا بهم مجتازين ذاهبين إلى مدائن قوم لوط ليدمروها عليهم لكفرهم وفجورهم، ذكره الله في القرآن بأنه "غلام عليم" جعله الله نبيا يهدي الناس إلى فعل الخيرات، جاء من نسله سيدنا يعقوب.

المسيرة

سيرته:

لا يذكر القرآن الكريم غير ومضات سريعة عن قصة إسحاق.. كان ميلاده حدثا خارقا، بشرت به الملائكة، وورد في البشرى اسم ابنه يعقوب.. وقد جاء ميلاده بعد سنوات من ولادة أخيه إسماعيل.. ولقد قر قلب سارة بمولد إسحق ومولد ابنه يعقوب، عليهما الصلاة والسلام.. غير أننا لا نعرف كيف كانت حياة إسحاق، ولا نعرف بماذا أجابه قومه.. كل ما نعرفه أن الله أثنى عليه كنبي من الصالحين

ارجوووووووو الرد
قصص الانبياء – يوسف عليه السلام
يوسف عليه السلام

نبذة:

ولد سيدنا يوسف وكان له 11 أخا وكان أبوه يحبه كثيرا وفي ذات ليلة رأى أحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين، فقص على والده ما رأى فقال له ألا يقصها على إخوته، ولكن الشيطان وسوس لإخوته فاتفقوا على أن يلقوه في غيابات الجب وادعوا أن الذئب أكله، ثم مر به ناس من البدو فأخذوه وباعوه بثمن بخس واشتراه عزيز مصر وطلب من زوجته أن ترعاه، ولكنها أخذت تراوده عن نفسه فأبى فكادت له ودخل السجن، ثم أظهر الله براءته وخرج من السجن ، واستعمله الملك على شئون الغذاء التي أحسن إدارتها في سنوات القحط، ثم اجتمع شمله مع إخوته ووالديه وخروا له سجدا وتحققت رؤياه.

المسيرة

سيرته:

قبل أن نبدأ بقصة يوسف عليه السلام، نود الإشارة لعدة أمور. أولها اختلاف طريقة رواية قصة يوسف عليه السلام في القرآن الكريم عن بقية قصص الأنبياء، فجاءت قصص الأنبياء في عدة سور، بينما جاءت قصة يوسف كاملة في سورة واحدة. قال تعالى في سورة (يوسف):

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) (يوسف)

واختلف العلماء لم سميت هذه القصة أحسن القصص؟ قيل إنها تنفرد من بين قصص القرآن باحتوائها على عالم كامل من العبر والحكم.. وقيل لأن يوسف تجاوز عن إخوته وصبر عليهم وعفا عنهم.. وقيل لأن فيها ذكر الأنبياء والصالحين، والعفة والغواية، وسير الملوك والممالك، والرجال والنساء، وحيل النساء ومكرهن، وفيها ذكر التوحيد والفقه، وتعبير الرؤيا وتفسيرها، فهي سورة غنية بالمشاهد والانفعالات.. وقيل: إنها سميت أحسن القصص لأن مآل من كانوا فيها جميعا كان إلى السعادة.

ومع تقديرنا لهذه الأسباب كلها.. نعتقد أن ثمة سببا مهما يميز هذه القصة.. إنها تمضي في خط واحد منذ البداية إلى النهاية.. يلتحم مضمونها وشكلها، ويفضي بك لإحساس عميق بقهر الله وغلبته ونفاذ أحكامه رغم وقوف البشر ضدها. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) هذا ما تثبته قصة يوسف بشكل حاسم، لا ينفي حسمه أنه تم بنعومة وإعجاز.

لنمضي الآن بقصة يوسف -عليه السلام- ولنقسمها لعدد من الفصول والمشاهد ليسهل علينا تتبع الأحداث.

المشهد الأول من فصل طفوله يوسف:

ذهب يوسف الصبي الصغير لأبيه، وحكى له عن رؤيا رآها. أخبره بأنه رأى في المنام أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين له. استمع الأب إلى رؤيا ابنه وحذره أن يحكيها لأخوته. فلقد أدرك يعقوب -عليه السلام- بحدسه وبصيرته أن وراء هذه الرؤية شأنا عظيما لهذا الغلام. لذلك نصحه بأن لا يقص رؤياه على إخوته خشية أن يستشعورا ما وراءها لأخيهم الصغير -غير الشقيق، حيث تزوج يعقوب من امرأة ثانية أنجبت له يوسف وشقيقه- فيجد الشيطان من هذا ثغرة في نفوسهم، فتمتلئ نفوسهم بالحقد، فيدبروا له أمرا يسوؤه. استجاب يوسف لتحذير أبيه.. لم يحدث أخوته بما رأى، وأغلب الظن أنهم كانوا يكرهونه إلى الحد الذي يصعب فيه أن يطمئن إليهم ويحكي لهم دخائله الخاصة وأحلامه.

المشهد الثاني:

اجتمع أخوة يوسف يتحدثون في أمره. (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) أي نحن مجموعة قوية تدفع وتنفع، فأبونا مخطئ في تفضيل هذين الصبيين على مجموعة من الرجال النافعين! فاقترح أحدهم حلا للموضوع: (اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا). إنه الحقد وتدخل الشيطان الذي ضخم حب أبيهم ليوسف وإيثاره عليهم حتى جعله يوازي القتل. أكبر جرائم الأرض قاطبة بعد الشرك بالله. وطرحه في أرض بعيدة نائية مرادف للقتل، لأنه سيموت هناك لا محاله. ولماذا هذا كله؟! حتى لا يراه أبوه فينساه فيوجه حبه كله لهم. ومن ثم يتوبون عن جريمتهم (وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ).

قال قائل منهم -حرك الله أعماقه بشفقة خفية، أو أثار الله في أعماقه رعبا من القتل: ما الداعي لقتله؟ إن كنتم تريدون الخلاص منه، فلنلقه في بئر تمر عليها القوافل.. ستلتقطه قافلة وترحل به بعيدا.. سيختفي عن وجه أبيه.. ويتحقق غرضنا من إبعاده.

انهزمت فكرة القتل، واختيرت فكرة النفي والإبعاد. نفهم من هذا أن الأخوة، رغم شرهم وحسدهم، كان في قلوبهم، أو في قلوب بعضهم، بعض خير لم يمت بعد.

المشهد الثالث:

توجه الأبناء لأبيهم يطلبون منه السماح ليوسف بمرافقتهم. دار الحوار بينهم وبين أبيهم بنعومة وعتاب خفي، وإثارة للمشاعر.. مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ ..؟ أيمكن أن يكون يوسف أخانا، وأنت تخاف عليه من بيننا ولا تستأمننا عليه، ونحن نحبه وننصح له ونرعاه؟ لماذا لا ترسله معنا يرتع ويلعب؟

وردا على العتاب الاستنكاري الأول جعل يعقوب عليه السلام ينفي -بطريقة غير مباشرة- أنه لا يأمنهم عليه، ويعلل احتجازه معه بقلة صبره على فراقه وخوفه عليه من الذئاب: قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ .

ففندوا فكرة الذئب الذي يخاف أبوه أن يأكله.. نحن عشرة من الرجال.. فهل نغفل عنه ونحن كثرة؟ نكون خاسرين غير أهل للرجولة لو وقع ذلك.. لن يأكله الذئب ولا داعي للخوف عليه.

وافق الأب تحت ضغط أبنائه.. ليتحقق قدر الله وتتم القصة كما تقتضي مشيئته!

المشهد الرابع:

خرج الأخوة ومعهم يوسف، وأخذوه للصحراء. اختاروا بئرا لا ينقطع عنها مرور القوافل وحملوه وهموا بإلقائه في البئر.. وأوحى الله إلى يوسف أنه ناج فلا يخاف.. وأنه سيلقاهم بعد يومهم هذا وينبئهم بما فعلوه.

المشهد الخامس:

عند العشاء جاء الأبناء باكين ليحكوا لأبيهم قصة الذئب المزعومة. أخبروه بأنهم ذهبوا يستبقون، فجاء ذئب على غفلة، وأكل يوسف. لقد ألهاهم الحقد الفائر عن سبك الكذبة، فلو كانوا أهدأ أعصابا ما فعلوها من المرة الأولى التي يأذن لهم فيها يعقوب باصطحاب يوسف معهم! ولكنهم كانوا معجلين لا يصبرون، يخشون ألا تواتيهم الفرصة مرة أخرى. كذلك كان التقاطهم لحكاية الذئب دليلا على التسرع، وقد كان أبوهم يحذرهم منها أمس، وهم ينفونها. فلم يكن من المستساغ أن يذهبوا في الصباح ليتركوا يوسف للذئب الذي حذرهم أبوهم منه أمس! وبمثل هذا التسرع جاءوا على قميصه بدم كذب لطخوه به في غير إتقان ونسوا في انفعالهم أن يمزقوا قميص يوسف.. جاءوا بالقميص كما هو سليما، ولكن ملطخا بالدم.. وانتهى كلامهم بدليل قوي على كذبهم حين قالوا: (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) أي وما أنت بمطمئن لما نقوله، ولو كان هو الصدق، لأنك تشك فينا ولا تطمئن لما نقوله.

أدرك يعقوب من دلائل الحال ومن نداء قلبه ومن الأكذوبة الواضحة، أن يوسف لم يأكله الذئب، وأنهم دبروا له مكيدة ما، وأنهم يلفقون له قصة لم تقع، فواجههم بأن نفوسهم قد حسنت لهم أمرا منكرا وذللته ويسرت لهم ارتكابه؛ وأنه سيصبر متحملا متجملا لا يجزع ولا يفزع ولا يشكو، مستعينا بالله على ما يلفقونه من حيل وأكاذيب: قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ

المشهد الأخير من الفصل الأول من حياة سيدنا يوسف عليه السلام:

أثناء وجود يوسف بالبئر، مرت عليه قافلة.. قافلة في طريقها إلى مصر.. قافلة كبيرة.. سارت طويلا حتى سميت سيارة.. توقفوا للتزود بالماء.. وأرسلوا أحدهم للبئر فأدلى الدلو فيه.. تعلق يوسف به.. ظن من دلاه أنه امتلأ بالماء فسحبه.. ففرح بما رأى.. رأى غلاما متعلقا بالدلو.. فسرى على يوسف حكم الأشياء المفقودة التي يلتقطها أحد.. يصير عبدا لمن التقطه.. هكذا كان قانون ذلك الزمان البعيد.

فرح به من وجده في البداية، ثم زهد فيه حين فكر في همه ومسئوليته، وزهد فيه لأنه وجده صبيا صغيرا.. وعزم على التخلص منه لدى وصوله إلى مصر.. ولم يكد يصل إلى مصر حتى باعه في سوق الرقيق بثمن زهيد، دراهم معدودة. ومن هناك اشتراه رجل تبدو عليه الأهمية.

انتهت المحنة الأولى في حياة هذا النبي الكريم، لبتدأ المحنة الثانية، والفصل الثاني من حياته.

ثم يكشف الله تعالى مضمون القصة البعيد في بدايتها (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). لقد انطبقت جدران العبودية على يوسف. ألقي في البئر، أهين، حرم من أبيه، التقط من البئر، صار عبدا يباع في الأسواق، اشتراه رجل من مصر، صار مملوكا لهذا الرجل.. انطبقت المأساة، وصار يوسف بلا حول ولا قوة.. هكذا يظن أي إنسان.. غير أن الحقيقة شيء يختلف عن الظن تماما.

ما نتصور نحن أنه مأساة ومحنة وفتنة.. كان هو أول سلم يصعده يوسف في طريقه إلى مجده.. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) .. ينفذ تدبيره رغم تدبير الآخرين. ينفذ من خلاله تدبير الآخرين فيفسده ويتحقق وعد الله، وقد وعد الله يوسف بالنبوة.

وها هو ذا يلقي محبته على صاحبه الذي اشتراه.. وها هو ذا السيد يقول لزوجته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا. وليس هذا السيد رجلا هين الشأن.. إنما هو رجل مهم.. رجل من الطبقة الحاكمة في مصر.. سنعلم بعد قليل أنه وزير من وزراء الملك. وزير خطير سماه القرآن "العزيز"، وكان قدماء المصريين يطلقون الصفات كأسماء على الوزراء. فهذا العزيز.. وهذا العادل.. وهذا القوي.. إلى آخره.. وأرجح الآراء أن العزيز هو رئيس وزراء مصر.

وهكذا مكن الله ليوسف في الأرض.. سيتربى كصبي في بيت رجل يحكم. وسيعلمه الله من تأويل الأحاديث والرؤى.. وسيحتاج إليه الملك في مصر يوما. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). تم هذا كله من خلال فتنة قاسية تعرض لها يوسف.

ثم يبين لنا المولى عز وجل كرمه على يوسف فيقول:

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) (يوسف)

كان يوسف أجمل رجل في عصره.. وكان نقاء أعماقه وصفاء سريرته يضفيان على وجهه مزيدا من الجمال. وأوتي صحة الحكم على الأمور.. وأوتي علما بالحياة وأحوالها. وأوتي أسلوبا في الحوار يخضع قلب من يستمع إليه.. وأوتي نبلا وعفة، جعلاه شخصية إنسانية لا تقاوم.

وأدرك سيده أن الله قد أكرمه بإرسال يوسف إليه.. اكتشف أن يوسف أكثر من رأى في حياته أمانة واستقامة وشهامة وكرما.. وجعله سيده مسئولا عن بيته وأكرمه وعامله كابنه.

ويبدأ المشهد الأول من الفصل الثاني في حياته:

في هذا المشهد تبدأ محنة يوسف الثانية، وهي أشد وأعمق من المحنة الأولى. جاءته وقد أوتي صحة الحكم وأوتي العلم -رحمة من الله- ليواجهها وينجو منها جزاء إحسانه الذي سجله الله له في قرآنه. يذكر الله تعالى هذه المحنة في كتابه الكريم:

وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) (يوسف)

لا يذكر السياق القرآني شيئا عن سنها وسنه، فلننظر في ذلك من باب التقدير. لقد أحضر يوسف صبيا من البئر، كانت هي زوجة في الثلاثة والعشرين مثلا، وكان هو في الثانية عشرا. بعد ثلاثة عشر عاما صارت هي في السادسة والثلاثين ووصل عمره إلى الخامسة والعشرين. أغلب الظن أن الأمر كذلك. إن تصرف المرأة في الحادثة وما بعدها يشير إلى أنها مكتملة جريئة.

والآن، لنتدبر معنا في كلمات هذه الآيات.

(وَرَاوَدَتْهُ) صراحة (عَن نَّفْسِهِ )، وأغلقت (الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ). لن تفر مني هذه المرة. هذا يعني أنه كانت هناك مرات سابقة فر فيها منها. مرات سابقة لم تكن الدعوة فيها بهذه الصراحة وهذا التعري. فيبدوا أن امرأة العزيز سئمت تجاهل يوسف لتلميحاتها المستمرة وإباءه.. فقررت أن تغير خطتها. خرجت من التلميح إلى التصريح.. أغلقت الأبواب ومزقت أقنعة الحياء وصرحت بحبها وطالبته بنفسه.

ثم يتجاوزز السياق القرآني الحوار الذي دار بين امرأة العزيز ويوسف عليه السلام، ولنا أن نتصور كيف حاولت إغراءه إما بلباسها أو كلماتها أو حركاتها. لكن ما يهمنا هنا هو موقف يوسف -عليه السلام- من هذا الإغواء.

يقف هذا النبي الكريم في وجه سيدته قائلا (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أعيذ نفسي بالله أن أفعل هذا مع زوجة من أكرمني بأن نجاني من الجب وجعل في هذه الدار مثواي الطيب الآمن. ولا يفلح الظالمون الذين يتجاوزون حدود الله، فيرتكبون ما تدعينني اللحظة إليه.

ثم (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) اتفق المفسرون حول همها بالمعصية، واختلفوا حول همه. فمنهم من أخذ بالإسرائيليات وذكر أن يعقوب ظهر له، أو جبريل نزل إليه، لكن التلفيق والاختلاق ظاهر في هذه الزوايات الإسرائيلية. ومن قائل: إنها همت به تقصد المعصية وهم بها يقصد المعصية ولم يفعل، ومن قائل: إنها همت به لتقبله وهم بها ليضربها، ومن قائل: إن هذا الهم كان بينهما قبل الحادث. كان حركة نفسية داخل نفس يوسف في السن التي اجتاز فيها فترة المراهقة. ثم صرف الله عنه. وأفضل تفسير تطمئن إليه نفسي أن هناك تقديما وتأخيرا في الآية.

قال أبو حاتم: كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة، فلما أتيت على قوله تعالى: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا). قال أبو عبيدة: هذا على التقديم والتأخير. بمعنى ولقد همت به.. ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها. يستقيم هذا التفسير مع عصمة الأنبياء.. كما يستقيم مع روح الآيات التي تلحقه مباشرة (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) وهذه الآية التي تثبت أن يوسف من عباد الله المخلصين، تقطع في نفس الوقت بنجاته من سلطان الشيطان. قال تعالى لإبليس يوم الخلق (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) وما دام يوسف من عباده المخلصين، فقد وضح الأمر بالنسبة إليه. لا يعني هذا أن يوسف كان يخلو من مشاعر الرجولة، ولا يعني هذا أنه كان في نقاء الملائكة وعدم احتفالهم بالحس. إنما يعني أنه تعرض لإغراء طويل قاومه فلم تمل نفسه يوما، ثم أسكنها تقواها كونه مطلعا على برهان ربه، عارفا أنه يوسف بن يعقوب النبي، ابن إسحق النبي، ابن إبراهيم جد الأنبياء وخليل الرحمن.

يبدو أن يوسف -عليه السلام- آثر الانصراف متجها إلى الباب حتى لا يتطور الأمر أكثر. لكن امرأة العزيز لحقت به لتمسكه، تدفهعا الشهوة لذلك. فأمسكت قميصه من الخلف، فتمزق في يدها. وهنا تقطع المفاجأة. فتح الباب زوجها -العزيز. وهنا تتبدى المرأة المكتملة، فتجد الجواب حاضرا على السؤال البديهي الذي يطرح الموقف. فتقول متهمة الفتى: قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

واقترحت هذه المراة -العاشقة- سريعا العقاب -المأمون- الواجب تنفيذه على يوسف، خشية أن يفتك به العزيز من شدة غضبه. بيّنت للعزيز أن أفضل عقاب له هو السجن. بعد هذا الاتهام الباطل والحكم السريع جهر يوسف بالحقيقة ليدافع عن نفسه: قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي

تجاوز السياق القرآني رد الزوج، لكنه بين كيفية تبرأة يوسف -عليه السلام- من هذه التهمة الباطلة:

وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) (يوسف)

لا نعلم إن كان الشاهد مرافقا للزوج منذ البداية، أم أن العزيز استدعاه بعد الحادثة ليأخذ برأيه.. كما أشارت بعض الروايات أن هذا الشاهد رجل كبير، بينما أخبرت روايات أخرى أنه طفل رضيع. كل هذا جائز. وهو لا يغير من الأمر شيئا. ما يذكره القرآن أن الشاهد أمرهم بالنظر للقميص، فإن كان ممزقا من الأمام فذلك من أثر مدافعتها له وهو يريد الاعتداء عليها فهي صادقة وهو كاذب. وإن كان قميصه ممزقا من الخلف فهو إذن من أثر تملصه منها وتعقبها هي له حتى الباب، فهي كاذبة وهو صادق.

فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) (يوسف)

فتأكد الزوج من خيانة زوجته عندما رأى قميص يوسف ممزق من الخلف. لكن الدم لم يثر في عروقه ولم يصرخ ولم يغضب. فرضت عليه قيم الطبقة الراقية التي وقع فيها الحادث أن يواجه الموقف بلباقة وتلطف.. نسب ما فعلته إلى كيد النساء عموما. وصرح بأن كيد النساء عموم عظيم. وهكذا سيق الأمر كما لو كان ثناء يساق. ولا نحسب أنه يسوء المرأة أن يقال لها: (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ). فهو دلالة على أنها أنثى كاملة مستوفية لمقدرة الأنثى على الكيد. بعدها التفت الزوج إلى يوسف قائلا له: (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا) أهمل هذا الموضوع ولا تعره اهتماما ولا تتحدث به. هذا هو المهم.. المحافظة على الظواهر.. ثم يوجه عظة -مختصرة- للمرأة التي ضبطت متلبسة بمراودة فتاها عن نفسها وتمزيق قميصه: (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ).

انتهى الحادث الأول.. لكن الفتنة لم تنته.. فلم يفصل سيد البيت بين المرأة وفتاها.. كل ما طلبه هو إغلاق الحديث في هذا الموضوع. غير أن هذا الموضوع بالذات. وهذا الأمر يصعب تحقيقه في قصر يمتلئ بالخدم والخادمات والمستشارين والوصيفات.

ارجو الرددددددد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.