إن الله عز وجل قد أودع هذا الكون سننا ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، يُنسج على منوالها نظام هذه الحياة، فالعاقل اللبيب من يساير سنن الله ولا يصادمها، ومن هذه القواعد والسنن العظيمة أن الجزاء من جنس العمل.
فجزاء العامل من جنس عمله إن خيرا فخير، وإن شرا فشر: {جَزَاء وِفَاقًا}… (النبأ : 26).
ولو وضعنا هذه القاعدة نصب أعيننا لزجرتنا عن كثير من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو نعيم: "كما لا يجتنى من الشوك العنب كذلك لا ينزل الله الفجار منازل الأبرار، فاسلكوا أي طريق شئتم، فأي طريق سلكتم وردتم على أهله".
إن العلم بهذه القاعدة هو في المقام الأول دافع للأعمال الصالحة، ناه عن الظلم، زاجر للظالمين ومواس للمظلومين.
فلو استحضر الظالم الباغي عاقبة ظلمه وأن الله عز وجل سيسقيه من نفس الكأس عاجلا أو آجلا لكف عن ظلمه وتاب إلى الله وأناب.
ولعل هذا المعنى هو ما أشار إليه سعيد بن جبير رحمه الله حين قال له الحجاج: [اختر لنفسك أي قتلة تريد أن أقتلك، فقال: بل اختر أنت لنفسك يا حجاج؛ فوالله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها يوم القيامة].
ولو أن هذا الذي يهدم بنيان الله ويهدر الدم الحرام بغير حق تدبر الحكمة القائلة: بشر القاتل بالقتل لأحجم عن فعلة عاقبتها الهلكة، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
ولو أن هذا الفاجر المستهتر الذي يعبث بحرمات الناس وينتهك أعراضهم علم أن عدل الله قد يقضي أن يسلط على عرض أمه أو أخته أو زوجته أو ابنته من لا يتقي الله فيه، فينال منه كما نال هو من عرض أخيه لانتهى وانزجر.
ولو أن الوصي على مال اليتيم سول له الشيطان أكله بالباطل فاستحضر قول الله تعالى : {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا}… (النساء : 9).
لاتقى الله في مال اليتامى ولحافظ عليهم وعلى أموالهم حتى يحفظ الله ذريته من بعده {جَزَاء وِفَاقًا}.
إن اليقين بهذه القاعدة من قواعد نظام الكون ليمنح وقودا إيمانيا عجيبا لمن سلك سبيل الله تعالى فوجد عقبات أو منغصات أو اضطهادات أو ظلما واستضعافا فيؤزه هذا اليقين بتلكم القاعدة على الصبر والثبات وثوقا بموعود الله الذي يمهل ولا يهمل، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
وقد وردت الأدلة الشرعية الكثيرة التي ترشد إلى هذه القاعدة وتؤكد عليها في مثل قوله تعالى : {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}… (النساء: 123ـ 124).
وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}… (الأنفال : 36).
وقوله تعالى: {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}… (آل عمران:54).
وقوله: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}… (النمل:50).
والآيات التي تدل على هذه القاعدة ـ أن الجزاء من جنس العمل ـ كثيرة.
ومن الأدلة عليها من سنة النبي صلى الله عليه وسلم بالإضافة إلى ما سبق قوله صلى الله عليه وسلم: "احفظ الله يحفظك…" الحديث.
وقوله: "اعمل ما شئت فإنك مجزي به".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه".
يتبع>>>
المصدر الشبكة الاسلامية
بأنتظار المزيد …~