نـِـعمَ الصدقة
حدثنا موسى بن جابر :تاجر أبو علي الشامي بمال حلال ، فجمع مالاً وفيراً في حولين أو ثلاثة أحوال ، فقسم ماله في ثلاث صرر خبأها في الجدار . و ذات يوم قرر أن يتصدق بإحداهن سراً ، فرأى امرأةً تتجول ليلاً ، فقال لا بد أنها تخدم في البيوت و تختبئ من العيون ، حتى لا يسخر منها أحد . فأعطاها الصرة المليئة بالذهب ثم ذهب .
فلما أصبح و ذهب إلى السوق ،
لم يكن يعلم أنه ارتكب أي سوء ، لكنه سمعه الناس يتهامسون و يتضاحكون بأن رجلاً قد تصدق على امرأة سيئة بكيس من الدنانير المتلألئة ، فحزن حزناً شديداً حتى اغرورقت عيناه بالدموع و عاد خائباً ، و ظل حائراً ، أيقبل الله صدقته أم لا ؟ فقرر الصدقة بغيرها ، علَّ الله يقبلها . فلما خيم المساء ، ذهب إلى المسجد بخفاء ، فرأى رجلاً لطخ الطين ثيابه يصلي . فقال في نفسه: و كأنه مزارع فقير ، يعمل من الشروق للأصيل ، من أجل بضع دنانير ، و الله أنه مستحق للصدقة . فلما سجد المصلي أسرع أبو علي و وضع الصرة ثم ذهب راضي النفس . في اليوم التالي سمع بائعاً يقول لجاره أن رجلاً ما قد تصدق على أحد أغنياء المدينة و له من المزارع و المراعي ما لا تحصره العين ظاناً إياه فقيراً ! فحزن أبوعلي حينما سمع ذلك و قال : لا بد أن الله لن يقبل صدقتي فو الله إني تصدقت على امرأة سيئة ثم الآن على رجل غني فكيف يقبل الله صدقةَ على غير مستحقيها ؟ فأطرق و اكتئب أكثر مما سبق و هام على وجهه في الطرقات حتى أظلمات السماء ، فرأى رجلاً يقترب من الدكاكين و يهز أقفال أبوابها ، فسأله أبو علي عما يفعله ، فرد عليه مضطرباً : إني .. إني أطمئن على الأبواب و أحكم غلقها فأنا الذي أجعلها تسرق أو لا ، فرد عليه : أتأخذ أجراً على ذلك ؟ قال : لا ، قال : خذ هذه الصرة فأنك مستحقها ، فذهب كلاهما مسروراً . بعد أن أشرقت الشمس توجه كلٌ إلى عمله و ذهب صاحبنا أبو علي إلى دكان مكتظ ، جاء رجل مسرعاً إلى صاحب الدكان ثم قال له : أتدري أن رجلاً تصدق على سارق كان ليسرق دكانك ، أيتصدق على السارق دون الفقراء ؟!حينها لم يحتمل أبو علي فذهب شاعراً بالتعاسة قائلاً : صدقتي على امرأة سيئة ثم رجل غني ثم سارق ، ما يقبلها الله مني أبداً . فعاد إلى بيته مهموماً ، الحزن يكتب في عينيه سطوراً ، و العبرة تكاد تختنق عبوراً . فغلبه النعاس فحلم بأنه في مرج غنّــاء و قد هبطت إليه أنوار بيضاء بها ملك ، جناحاه تحجب الأضواء يمسك كيساً مليئاً بالذهب . فقال له الملك : يا هذا إن الله قد تقبل صدقتك و ضاعفها و أجرك ، فالمرأة ما كانت سيئة إلا للمال فأغنيتها . و الغني كان بخيلاً فكنت له دافعاً و السارق ما سارق إلا للمال فأوصلته حاجته فتاب الثلاثة و كنت أنت سبب للتوبة ، فطوبى ثم طوبى لك . فاستيقظ أبو علي متهلاً حامداً ربه على نعمته و فضله .