السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
زورق من ركبه نجا، وعبادة من اعتادها طهر قلبه وهذب نفسه وعودها الإخلاص..
إنها العبادة في السر والطاعة في الخفاء، حيث لا يعرفك أحد ولا يعلم بك أحد، غير الله سبحانه، فأنت عندئذ تقدم العبادة له وحده غير عابئ بنظر الناس إليك، وغير منتظر لأجر منهم مهما قل أو كثر.
الخبيئة الصالحة من العمل هي أن يجعل المرء بينه وبين الله طاعة لايطلع عليها أحد حتى أهله الى أن يلاقي ربه ويجدها في صحيفته فيسر بها بإذن الله تعالى
إن أعمال السر لا يثبت عليها إلا الصادقون ..
وهي وسيلة لا يستطيعها المنافقون أبدًا، وكذلك لا يستطيعها الكذابون؛ لأن كلاًّ منهما بنى أعماله على رؤية الناس له، وإنما هي أعمال الصالحين فقط.
وليعلم كل امرئ أن الشيطان لا يرضى ولا يقر إذا رأى من العبد عمل سر أبدًا، وإنه لن يتركه حتى يجعله في العلانية؛ ذلك لأن أعمال السر هي أشد أعمال على الشيطان، وأبعد أعمال عن مخالطة الرياء والعجب والشهرة.
بركة الخفاء
وإذا انتشرت أعمال السر بين المسلمين ظهرت البركة وعم الخير بين الناس، وإن ما نراه من صراع على الدنيا سببه الشح الخارجي والشح الخفي، فأما الأول فمعلوم، وأما الثاني فهو البخل بالطاعة في السر.
إنها لا تخرج إلا من قلب كريم قد ملأ حب الله سويداؤه، وعمت الرغبة فيما عنده أرجاؤه، فأنكر نفسه في سبيل ربه، وأخفى عمله يريد قبوله من مولاه، فأحبب بهذي الجوارح المخلصة والنفوس الطيبة الصافية النقية التي تخفي عن شمالها ما تنفق يمينها.
ليجعل كل منا له خبيئه من عمل صالح لم يطلع عليه بشر فقد نصحنا النبي صلى الله عليه وسلم بالخبيئة الصالحة؛ فقال:
" من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل ".
صححه الألباني (انظر: صحيح الجامع 5/240).
وعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يشنؤهم الله: الرجل يلقى العدو في فئة فينصب لهم نحره حتى يقتل أو يفتح لأصحابه، والقوم يسافرون فيطول سُراهم حتى يُحبوا أن يمَسَّوا الأرض فينزلون، فيتنحى أحدهم فيصلي حتى يوقظهم لرحيلهم، والرجل يكون له الجار يؤذيه جاره فيصبر على أذاه حتى يفرِّق بينهما موت أو ظعن، والذين يشنؤهم الله: التاجر الحلاف، والفقير المختال، والبخيل المنان".
رواه أحمد والترمذي وقال: هذا حديث صحيح, وصححه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين, ووافقه الذهبي وإسناده صحيح. (انظر: صحيح الترغيب والترهيب ص258, جـ1).
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم: الذي إذا انشكفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل، فإما أن يقتل، وإما أن ينصره الله ويكفيه، فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه؟ والذي له امرأة حسنة وفراش لين حسن فيقوم من الليل، فيقول: يَذَرُ شهوته ويذكرني ولو شاء رقد، والذي إذا كان في سفر وكان معه ركب فسهروا ثم هجعوا، فقام من السحر في ضراء وسراء ".
رواه الطبراني في الكبير, وحسنه الألباني (صحيح الترغيب رقم 625).
والخبيئة الصالحة دليل الصدق , قال أيوب السختياني:
" والله ما صدق عبد إلا سرَّه ألا يُشعر بمكانه ".
وقال الحارث المحاسبي:
" الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه، ولا يحب اطلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله " .
وقد حث العلماء والصالحون على عمل الخير في الخفاء
فعن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال:
" اجعلوا لكم خبيئة من العمل الصالح كما أن لكم خبيئة من العمل السيئ".
والخبيئة من العمل الصالح هو العمل الصالح المختبئ يعني المختفي، والزبير رضي الله عنه هنا ينبهنا إلى أمر نغفل عنه وهو المعادلة بين الأفعال رجاء المغفرة؛ فلكل إنسان عمل سيئ يفعله في السر، فأولى له أن يكون له عمل صالح يفعله في السر أيضا لعله أن يغفر له الآخر.
وقال سفيان بن عيينة: قال أبو حازم:
" اكتم حسناتك أشد مما تكتم سيئاتك ".
وقال أيوب السختياني:
" لأن يستر الرجل الزهد خير له من أن يظهره ".
وعن محمد بن زياد قال:
" رأيت أبا أمامة أتى على رجل في المسجد وهو ساجد يبكي في سجوده، ويدعو ربه، فقال له أبو أمامة: أنت أنت لو كان هذا في بيتك ".
وقال بشر:
" لا تعمل لتذكر، اكتم الحسنة كما تكتم السيئة " .
الصالحون في سرهم
يقول أحد السلف رحمه الله عنهم أن الواحد منهم كان يجعل بينه وبين ربه طاعة لا يطلع أحد عليها مهما كلفه من جهد
عن عمران بن خالد قال: سمعت محمد بن واسع يقول:
" إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته معه لا تعلم به " .
وعن يوسف بن عطية عن محمد بن واسع قال:
" لقد أدركت رجالاً كان الرجل يكون رأسه مع رأس امرأته على وسادة واحدة قد بل ما تحت خده من دموعه، لا تشعر به امرأته، ولقد أدركت رجالاً يقوم أحدهم في الصف فتسيل دموعه على خده ولا يشعر به الذي إلى جنبه " .
وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله فيخفي ذلك، فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة.
وعن ابن أبي عدِّي قال:
" صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله، وكان خرازًا يحمل معه غداه من عندهم، فيتصدق به في الطريق، ويرجع عشيًا فيفطر معهم " .
وكان ابن سيرين يضحك بالنهار، فإذا جن الليل فكأنه قتل أهل القرية.
وذكر الحسن البصري:
" إن كان الرجل ليجلس المجلس فتجيئه عبرته، فيردها، فإذا خشي أن تسبقه قام " .
قال عبد الرحمن بن مهدي: قلت لابن المبارك:
" إبراهيم بن أدهم ممن سمع؟ قال: قد سمع من الناس، وله فضل في نفسه، صاحب سرائر، وما رأيته يظهر تسبيحًا ولا شيئًا من الخير" .
وقال نعيم بن حماد: سمعت ابن المبارك يقول:
" ما رأيت أحدًا ارتفع مثل مالك، ليس له كثير صلاة ولا صيام إلا أن تكون له سريرة " .
وروى الذهبي:
" كانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا تعلم به زوجته ولا غيرها ".
عوامل معينة
أ – تدبر معاني الإخلاص: فالتربية على الإخلاص لله سبحانه وتذكير النفس به دائمًا هي الدافع الأول على عمل السر، ذلك إن الباعث على عمل السر هو أن يكون العمل لله وحده وأن يكون بعيدًا عن رؤية الناس، فعلى المربين تطبيق معاني الإخلاص في أمثال ذلك السلوك الخفي أثناء تدريسه للناس، وحثهم على عمل السر من منطلق الإخلاص لله سبحانه.
ب – استواء ذم الناس ومدحهم: وهو معنى لو تربى عليه المرء لأعانه على عمل السر، إذ إنه لا تمثل عنده رؤية الناس شيئًا، سواء مدحوه لفعله أو ذموه له؛ لأن مبتغاه رضا ربه سبحانه وليس رضا الناس، وقد سبق أن بعض العلماء كان يُعلم تلاميذه فيقول لهم: اجعلوا الناس من حولكم كأنهم موتى.
جـ – تقوية مفهوم كمال العمل: وأقصد بذلك أن يتعلم المسلم أنه يجب أن يسعى إلى أن يكتمل عمله وتكمل كل جوانبه ليحسن ويقبل، وإن العمل الذي لا يراه الناس يُرجى فيه الكمال أكثر مما يرجى في غيره، فينبغي الاهتمام به أكثر.
د – صدقة السر: قال تعالى : إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ [البقرة: 271].
فهي طريقة عملية سهلة لتطبيق عمل السر عمليًّا، فبالإكثار من صدقة السر يُعَود الإنسان نفسه على أعمال السر ويتشربها قلبه وتركن إليها نفسه .
وقد ذكر أهل العلم بعضًا من الفضائل في صدقة السر منها:
أن صدقة السر أستر على الآخذ وأبقى لمروءته وصونه عن الخروج عن التعفف، ومنها أنها أسلم لقلوب الناس وألسنتهم؛ فإنهم ربما يحسدون أو ينكرون عليه أخذه ويظنون أنه أخذ مع الاستغناء، ومنها أنها أقرب إلى الأدب في العطاء.
أعمال السرالصالحة لا يثبت عليها إلا الصادقون
أعمال السرالصالحة هي زينة الخلوات بين العبد وبين ربه
أعمال السرالصالحة عبادة في السر وطاعة في الخفاء، حيث لا يعلم بها أحد، غير الله سبحانه
منقول للإفادة
أعمال السرالصالحة هي زينة الخلوات بين العبد وبين ربه
أعمال السرالصالحة عبادة في السر وطاعة في الخفاء، حيث لا يعلم بها أحد، غير الله سبحانه