إخواني، ارفضوا الدنيا فقد رفضت من كان أُشْغِفَ بها منكم، اتعظوا بمَنْ كان قبلكم قبل أن َيتَّعِظَ بكم من بَعْدَكم، الدنيا خمرٌ سَاعَدَها تغريدُ طائر الطبع، فاشتدّ سكر الشاربين ففات موسم الربح، ثم بعد الإفاقة يُقَام الحدُّ، فيقيم قائم الحزن، ويكفي في الضرب فَوْتُ الخير، فإذا ماتوا انتبهوا.
ويحك! إن الموت سحاب، والشيب وَبَلُه، ومن بلغ السبعين اشتكى من غير علة، والعاقل من أصبح على وجل من قرب الأجل.
يا هذا! الدنيا وراءك، والأخرى أمامك، والطلب لما وراء هزيمة، وإنما العزيمة في الإقْدام، جاء طوفان الموت فاركب سفن التّقى، ولا ترافق "كنعان" الأمل، ويحك! انتبه لاغتنام عمرك، فكم يعيش الحيوان حيران؟
الأسقام تُزْعِج الأبدان، فلا بد من النحول ضرورة، كأنك بك في لَحْدِك على فراش الندم، وإنه -والله- لأَخْشَنُ من الجَنْدَل، فازرَعْ في ربيع حياتك قبل جُدُوبَة أرض شخصك، وادَّخر من وقت قدرتك قبل زمان عجزك، وأعِدَّ رحلك قبل رحيلك مخافة الفقر في القفر إلى المَأْزِم، الحذار الحذار أَن تَقولَ نَفسٌ يا حَسرَتا!
الحازم يتزود لما به، قبل أن يصير لمآبه. شجرةُ الحزم أصلُها إحكامُ النظر، وفُرُوعها المشاورةُ في المشكل، وثمرتُها انتهازُ الفرص، وكفى بذهاب الفرصة ندما.
وَكَم فُرصَةٍ فاتَت فأَصبحَ رَبُّهـا.*** يَعَضُّ عليها الكَفَّ أَو يَقرَع السِّنا
واعجبا لمضيع العمر في التواني، فإذا جاء متقاضي الروح قال: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا أحدخم الموت قال إني تبت الآن)، (وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد)!
يا رابطا مناه بخيط الأمل! إنه ضعيف الفتل، لو فتحت عين التيقظ لرأيت حيطان العمر قد تهدَّمَت، فبكيت على خراب دار الأمل، جسمك عندنا وقلبك على فَرَاسِخ، لا بالتسويف ترعوي، ولا بالتخويف تستوي، ضاعت مفاتيحي معك.