– القاعدة الثانية
ليس بين الله عز وجل وبين أحد من خلقه قرابة ولا نسب، لهذا ليس هناك وسائط يتوسط بهم إلى الله، ولا يشفع عند الله إلا من أذن الله عز وجل لهم بالشفاعة.
الشرك بالله وباباه
……
طلب القرب والشفاعة من غير الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فيقول المؤلف رحمه الله: [ القاعدة الثانية: أنهم يقولون: ما دعوناهم وتوجهنا إليهم إلا لطلب القربة والشفاعة. فدليل القربة قوله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر:3]. ودليل الشفاعة، قوله تعالى:وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18] الآية. والشفاعة شفاعتان: شفاعة منفية، وشفاعة مثبتة. فالشفاعة المنفية: ما كانت تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، والدليل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254] ]. والشفاعة المثبتة: هي التي تطلب من الله، والشافع مكرم بالشفاعة، والمشفوع له من رضي الله قوله وعمله -بعد الإذن-، كما قال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255] ]. هذه القاعدة الثانية فيها بيان ما يحتج به أهل الشرك على شركهم، وهذه الحجة متكررة ليست حجة جديدة، فكل الذين صرفوا شيئاً من العبادة أو التعظيم أو المحبة القلبية التي لا تجوز إلا لله احتجوا بقولهم: هؤلاء أولياء الله، وهؤلاء نرجو أن يقربونا إليه، أو هؤلاء نرجو شفاعتهم يوم القيامة، فهذان البابان هما أعظم الأبواب التي ولج منها أهل الشرك إلى شركهم، طلب القربة ممن تصرف له العبادة من دون الله، والأمر الثاني: الشفاعة. فقول المؤلف رحمه الله تعالى: (القاعدة الثانية: أنهم يقولون : ما دعوناهم وتوجهنا إليهم إلا لطلب القربة والشفاعة) أي: القربة إلى الله بهم. ولذلك أهل الشرك يفسرون قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ [المائدة:35] بمعنى: ما يوصلكم إليه من الأولياء والصالحين، فيحرفون الكلم عن مواضعه، فهم يفسرون كلام الله بما نهى الله جل وعلا عنه، وما نهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، يقول تعالى في هذه الآية وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ [الزمر:3] يبين أن هؤلاء صرفوا العبادة بأنواعها لمن تقرّبوا إليهم؛ لأجل هذه الحجة. يقول المؤلف رحمه الله تعالى: (فدليل القربة قوله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ [الزمر:3] أي: أولياء يعبدونهم، ويتـقربون إليهم، ويطلـبون منهم المدد والنصر، ويخـافون هؤلاء كخوفهم من الله تعالى، قالـوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] أي: لا نقوم بهذا الذي نقوم به من عباداتٍ إلاّ ليقرّبونا إلى الله زلفى، وهم لا يسمونه شركاً، إنما مرادهم من هذه العبادات والقربات التي يتوجهون بها إلى غير الله أن يقربوهم إلى الله، كما قال عنهم: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] و(زلفى): أي منزلة، وحظوة، ومكانة، فهم لا يفعلون ذلك إلا طلباً للحظوة والمكانة عند الله، فجعلوا هؤلاء المخلوقين وسائط ووسائل يتقربون بهم إلى الله سبحانه وتعالى، فقال الله سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [الزمر:3] أي: من هذه الدعاوى الكاذبة، إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر:3]، وهذا فيه النعي على هؤلاء، والإخبار بكذبهم في دعواهم، وأنهم إنما يعبدونهم لا لأجل طلب القربة من الله؛ لأن الذي يطلب القربة من الله لا يتقرب إليه بما يـبغضه وبما يكرهه، وهم تقربوا بأشد ما يـبغضه جل وعلا، وهو الكفر، كما قال تعالى: وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [الزمر:7] وقال جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] مع أن رحمته سبقت غضبه، لكن الذنب عظيم، والجرم خطير، وهو الشرك الذي قال الله جل وعلا فيه: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] فهذا هو الباب الأول الذي يلج منه من يلج إلى الشرك. وأما الباب الثاني فهو الشفاعة، ودليل الشفاعة قوله تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18] أي: هؤلاء الذين يشفعون لنا عند الله، فيرفعون منازلنا وينقذوننا من النار، ويدخلوننا الجنة، وما إلى ذلك مما يأملونه من أوهامٍ وظنونٍ كاذبة؛ فإن الأمر بيد الله يفعل ما يشاء، حتى الشافع لا يشفع إلا بإذنه سبحانه وتعالى.
أقسام الشفاعة
قال: (والشفاعة شفاعتان: شفاعة منفية، وشفاعة مثبتة). وهذا من الاستقراء، ومن أين لنا أن الشفاعة شفاعتان؟ الجواب: من كتاب الله عز وجل، فمن تتبع ذكر الشفاعة في الكتاب والسنة يجد أنها نوعان: شفاعة منفية، وشفاعة مثبتة. والشفاعة المنفية: هي الشفاعة الشركية، والشفاعة المثبتة: هي الشفاعة لأهل التوحيد الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: (من قال: (لا إله إلا الله) مخلصاً من قلبه)، فهذا هو أسعد الناس بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وأوفرهم حظاً ونصيباً منها.
الشفاعة الشركية
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (فالشفاعة المنفية: ما كانت تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله)، فما طلب من غير الله من الشفاعات فإنها شفاعة منفية، فالذي يقول: يا رسول الله! اشفع لي، أو: يا علي ! اشفع لي، أو يا حسين ! اشفع لي، أو: يا عبد القادر الجيلاني ! اشفع لي، هؤلاء كلهم سألوا الشفاعة من غير الله، وطلبهم الشفاعة من غير الله شرك، وهو نظير ما كان يفعله أهل الجاهلية، وأهل الشرك. قال: (فالشفاعة المنفية: ما كانت تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله) وهذا قيد مهم، فما يقدر عليه الإنسان المخلوق من الشفاعات، كأن يطلب أحد الناس من آخر أن يشفع له عند صاحب عمل، أو صاحب منصب، أو صاحب جاه، ليحقق له نفعاً، أو يدفع عنه ضراً فليس هذا من الشفاعة الشركية، بل هذا من الشفاعة الجائزة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان رسوله ما يشاء). قال المؤلف رحمه الله تعالى: ( والدليل على الشفاعة المنفية قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254]، فنفى سبحانه وتعالى كل أسباب النجاة وأسباب الخلاص من العقوبة، فقال: (لا بيع فيه)، فلا يفتدي الإنسان نفسه، (ولا خلة) أي: ليس له حبيب ولا قريب يلتجئ إليه فيخلصه، (ولا شفاعة) هنا أيضاً لا شفيع يشفع له، فينجـيه من عقـوبة الله عز وجل، فهذه هي الشفاعة المنفية، وهي الشفاعة الشركية التي تكون بغير إذن الله عز وجل، أو تكون فيمن لم يرضه الله سبحانه وتعالى، ثم قال سبحانه في نهاية الآية: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254].
الشفاعة الجائزة
قال رحمه الله تعالى: ( والشفاعة المثبتة: هي التي تطلب من الله، والشافع مكرم بالشفاعة ). الشفاعة المثبتة هي التي من الله سبحانه وتعالى، كما قال جل وعلا: قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا [الزمر:44] فجميع الشفاعة لله سبحانه وتعالى، وأكد كـونها له ملكاً واستحقاقاً بقوله: جَمِيعًا [الزمر:44] فهي ليست لغيره سبحانه وتعالى، وإنما هي له، ويهبها لمن يشاء، ويمن بها على من يصطفي من عباده، وهي في حقيقتها إكرام للشافع، ولذلك قال: (والشافع مكرم بالشفاعة)، فالله يكرم من يشاء من عباده بأن يجعله شفيعاً.
شروط الشفاعة الجائزة
قوله: (والمشفوع له من رضـي الله قوله وعمله بعد الإذن)، فهمنا من هذا أنه لا تحصل الشفاعة إلا بعد إذن الله عز وجل للشافع، ورضاه عن المشفوع، وهذان الشرطان هما شرطا الشفاعة المثبتة في كتاب الله، كما قال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255] يعني: لا أحد يشفع عنده إلاَّ بإذنه، ( فمن ) هنا استفهام نفي، فلا أحد يشفع إلا بإذنه جل وعلا، هذا شرط، والشرط الثاني: رضاه سبحانه وتعالى عن المشفوع. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
جزاك الله كل خيرآ
موضوع رائع بطرحه
بوركت