ذهب أحد التربويين في زيارة إلى مدرسة ابتدائية بإحدى الدول العربية،
ودخل أحد الفصول وسأل التلاميذ هذا السؤال:
من منكم غبي لا يفهم؟!
والعجيب أن بضعة تلاميذ رفعوا أيديهم قائلين: "نحن"!!
بينما ارتفع صوت بعض زملائهم: يا أستاذ .. فلان وفلان أيضًا لم يرفعوا أيديهم،
فقام التلميذان المشار إليهما في خجل، فسألهما هل أنتما فعلًا كذلك؟ فقالوا: نعم.
والسؤال: كيف عرف هؤلاء المساكين أنهم أغبياء؟
وكيف استقر في وجدانهم هذا الشعور بالدونية، وتدني الثقة بالنفس؟
عزيزي المربي
إنّ الإجابة على هذا السؤال لن تتعدى أشخاصًا كان الأجدر بهم أن يتمّوا بناء الثقة في نفوس هؤلاء الأبناء والتلاميذ بدلًا من تحطيمهم ..
لعل الفاعل الأول هو أب اعتاد أن ينادي ولده "يا غبي" ثم وجد المدرس يعيدها على سمعه أمام زملائه: "أنت غبي لا تفهم"،
وبدأ زملاؤه ينادون المسكين بها، إلى أن أصبحت حقيقة بداخله، قد برمج عليها نفسه.
[الآن أنت أب، كريم الشاذلي، ص(99)].
لقد تسببوا – سامحهم الله – في إصابته بالدونية، وعدم تقدير الذات، فماذا نقول لهم؟
فمفهوم الذات يعتبر بمثابة "حجر الزاوية" في الشخصية الإنسانية،
وهو من أهم عناصر التوجيه النفسي والتربوي،
فإذا تكونت لدى الطفل صورة سيئة عن ذاته؛ نما بداخله الشعور بالنقص والدونية،
والتي يعرفها عالم النفس الشهير"أدلر" فيقول:
(هو شعور يحدو المرء إلى الإحساس بأن الناس جميعًا أفضل منه،
وينمو هذا الشعور في الإنسان حتى يشعره بالدونية والعجز والفشل،
فإذا تمكن من الإنسان فإنه يكون نقمة عليه، فلا ينعم بسكينة النفس وهدوئها،
بل يظل يبذل جهدًا متواصلًا للتعويض عن نقصه سواء كان حقيقيًا أو متوهمًا)
[عواصف المراهقة، عاطف أبو العيد، (93)]
أثر تقدير الذات على التحصيل الدراسي:
ثبت أنّ الأفراد الذين يتمتعون بمفهوم إيجابي للذات هم أفضل تلقيًا وتحصيلًا بشكل عام.
كما يؤكد علماء النفس:" أدمز، وثوماس، وفيلكر، ووليامز" على أنّ الأطفال المتمتعين بقدرة أكاديمية عالية،
كان لديهم شعور إيجابي باعتبار الذات،
وذلك عند مقارنتهم بآخرين يتسمون بقدرة أكاديمية منخفضة.
ويقول "برايان ترابيسي" أنّ:94% من الناجحين في الحياة ليسوا من ذوي التحصيل الدراسي المتفوق،
ولكنهم يمتلكون مشاعر إيجابية أفضل من ذويهم جعلتهم أكثر قدرة على تحديد اتجاهاتهم وأهدافهم والتكيف مع التحديات التي تواجههم.
[كيف تدرب طفلك على تحمل المسئولية، عاطف أبو العيد، ص(36)].
وأسباب الشعور بالنقص متعددة، مثل:
– التشوهات الخلقية والعيوب الجسمية وفقدان بعض الحواس:
كالعرج أو الشلل أو النحافة أو البدانة أوفقدان البصرأو السمع والكلام كلها عوامل تسبب للطفل الشعور بالنقص،
إن لم تقابل من الوالدين بغمر الطفل المعوق بمشاعر القبول والحب، مع محاولة تنمية القدرات السليمة الأخرى،
مما يساعده على التوافق الاجتماعي، وعدم التركيز على عاهته.
[منتديات الحصن النفسي/قسم الأسرة والطفل].
– التأخر الدراسي: خاصة إذا وضع الطفل في فصل دراسي لا يتناسب مع ذكائه إلى شعورهبالنقص لعجزه عن متابعة الدروس وتفوق زملائه عليه.
– أثر المقارنات: فمقارنة الطفل بالآخرين هي محاولة لدفعه نحو التقليد الأعمى والانصهار في شخصيات الآخرين،
و في ذلك إلغاء لتميزه وتفرده.
– العنف الأسري : ويشمل العنف الجسدي أو اللفظيباستخدام السباب والشتائم، والاهانات مثل السخرية والتوبيخ ،
أو إصرار الوالدين على الطاعةالعمياء بدون مناقشة أو تفاهم .
– توتر العلاقة بين الوالدين: فالعائلة المتماسكة التي تتسم العلاقة بين أفرادها بالحب والاهتمام والحنان، تؤدي لنمو الطفل بطريقة إيجابية فيما يخص نظرته لنفسه وللحياة والآخرين ويكون الطفل غالبا مطمئنا وواثقا من نفسه.
ومنهج الإسلام في التربية يجنبنا المشاكل كلها:
لقد أيد الله عز وجل نبيه الكليم موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام في ذروة المواجهة مع فرعون وملأه،
وبث في نفسه الطمأنينة التامة عندما ذكره بقدره وقيمة ذاته المؤمنة في مقابل فرعون وملأه وسحرته،
قال تعالى:
{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى}
[طه:67-68].
وعلمنا- سبحانه- أنّ هذا هو قَدْرُ المؤمنين في كل زمان ومكان،
قال تعالى:
{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8]،
ثم يبين لنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كيف نزرع في الطفل المسلم الثقة واحترام النفس،
فتراه في مشهد لا يفعله إلا مربٍ عظيم، يعلِي من شأن الطفل،
ويعزّز فيه احترامه لذاته وتمسكه بحقه، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بشراب فشرب منه،
وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فقال للغلام:
(أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام:لا، والله لا أوثر بنصيبي منك أحدًا)
[رواه البخاري].
– ابدأ مبكرًا:
فالطفل يولد ومعه النظرة الإيجابية العالية للذات. وتمثل السنتان الأوليان من عمره المرحلة الأولى في إدراكه لقوة الشخصية،
لذا يبذل جهودًا للتعرف على معاني مفردات (أن) و(لـي) لأنهما تضيفان له شعورًا بالهوية الذاتية كفرد متميز مستقل عن الآخرين.
ولقد وُجِدَ أنّ استقبال أفعال الأطفال الأولى من قبل المحيطين بهم مثل (بداية الكلام, بداية المشي، استخدام الحمام) بردود فعل إيجابية وبتشجيع، يجعلهم يكوِّنونَ ثقة جيدة بأنفسهم.
لا للحماية الزائدة:
إنّ الخوف على الطفل أو حمايته الزائدة من الخطر عند بداية تعلم الكلام أو المشي يعطيه مزيدًا من الشعور بفقد الثقة بنفسه،
كما يقضي على حب المغامرة والمبادرة لدى الطفل،
وقد يصيبه بالاتكالية والاعتماد على الغير.
والطفل يفهم الحماية الزائدة بأنها انعدام ثقة الوالدين في إمكانياته وقدراته وبالمقابل يرى أنه مرفوض من والدين يمنعانه من تحقيق استقلاليته وذاته،
والتعبير عن نجاحه في مراحل نموه المتعددة.
[التربية الإيجابية من خلال إشباع الحاجات النفسية للطفل، د.مصطفى أبو سعد، ص(47)].
توقف عن أسلوب "جلد الذات" بعد الخطأ!
إنّ الحقيقة التي لا يجادل فيها أحد أنّ كل بني آدم خطّاء،
تلك الحقيقة المرتبطة بطبيعة البشر،
ولو نظرنا إلى المنهج الرباني في التعامل مع الأخطاء لوجدنا اختلافًا كبيرًا عما يفعله الكثير من الآباء والأمهات حيال أخطاء الأبناء.
فالإسلام علمنا أنّ خير الخطاءين التوابون،
ومن الخطأ يتعلم الرجال، فهاهم الصحابة الكرام يخطئون ويخالفون أمر النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أُحُد،
فينزل القرآن الكريم يبين لهم الخطأ في موضعه،
ولكن يقرر لهم الأصل الذي ينطلقون منه في فكرتهم عن أنفسهم ومركزهم من الناس جميعًا – وإن أخطئوا- في قول الله تعالى:
{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
[آل عمران:139].
علّق على سلوكه لا على شخصه!
لعلك ـ عزيزي المربي ـ تردد الآن في نفسك أنك قرأت حول هذا المعنى أكثر من مرة.
نعم.. إن أسلوب الوالدين في نقد تصرفات الأبناء ينبني عليه بدرجة كبيرة فكرة الأبناء عن أنفسهم وطريقة تقديرهم لذواتهم،
فهناك فرق كبير بين عبارات النقد الإيجابي التي تركز على نقد السلوك السيء مثل:
– هل يصلح أن تترك ألعابك مبعثرة هكذا؟
– لقد تأخرت في إنهاء واجباتك وهذا من الإهمال والتقصير!
وبين عبارات النقد السلبي التي تلصق الصفة السيئة بذات الطفل، مثل:
– أنت مهمل، فوضوي، أنت وبال علينا،
غبي وستظل طوال عمرك غبي، لا أمل في أن تتحسن، وغيرها كثير.
وبالطبع لا يقصد الآباء المعنى الحرفي لهذه العبارات الصعبة،
ولا يدركون الحجم الحقيقي لتأثيرها على الأبناء.
[كيف تقوي إرادة طفلك؟ عاطف أبو العيد، ص(35)، بتصرف].
لا للمقارنات!
المقارنة بين شخصين – علميًا ومنطقيًا – سلوك غير صحيح،
وغير مقبول..لأنهما عالمان مختلفان، والأفضل أن تتم المقارنة بين سلوكين وليس بين شخصين،
وإذا كانت المقارنة بين طفلين لهما من السلبيات أكثر من الإيجابيات،
فإنها تصيب المقرَن الأضعف بالإحباط، وتولد لديه شعورًا بالمرفوضية.
عليك أن تمدح ولدك حال فعله لما يحسن، أو عند تجنبه مالا يحسن،
فإن إمساكه عن الشر منقبة له، يجب أن يمدح عليها،
وكذلك عندما تسير أموره الدراسية بانتظام، ولتبحث عن الأمور التي تتوقع أنه يستطيع إنجازها بنجاح،
فتعمل على تكليفة بها، ثم تمدحه عليها.
ربه على أخلاق الأقوياء:
وأهمها الحياء والصدق، أما الحياء فهو رأس الفضائل،
وله مساس بالتقدير للذات فصاحب التقييم العالي لذاته أبعد عن القبائح وأكثر إقبالًا على الفضائل من غيره.
وكذلك الصدق له أثر كبير على تقوية الثقة بالذات فهو يزيد فرص الفرد في إثبات ذاته و قوتها واستقامتها.
علمه كيف يهتم بنفسه ويحترم ذاته!
وذلك من خلال تعاملاته مع جسمه و نفسه، فيتعلم السعي لإفادة جسمه بالغذاء،
و صيانته بالنظافة، و تزيينه بالملبس، وتقويته بالنوم،
و إبراز نفسه بالفعل الباهر والفائق والممدوح، و تطهير جسده من الدنس و نفسه من القبائح،
و تعطير جسده بالطيبِ، و إبعاد نفسه عن الخطر والألم،
و مكافأة نفسه بإيجادها في مواطن السرور والأنس.
وأخيرًا عزيزي المربي
إنّ ولدك يحتاج أن تظهر حبك وقبولك له، فامنحه الحب قولًا وعملًا بأن يسمع كلمات الحب منك،
وفعلًا: بأن تمازحه وتضمه وتُقبله؛ ليشعر بأنه محبوب ومقبول ومُقدر بقيمة عالية لديك،
ولدى الكبار غيرك.
وفي منعطفات الطريق..إذا خفق قلبك وأنت تخشى عليه من فتن الزمان وإغراءات المفسدين؛
فردد على مسامعه دائمًا قول الحق جل وعلا:
{قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى}.
للامانة ……………………..
منقووووووووووووووووووووووووول