معنى الجاثية
يوم القيامة تكون كل أمة جالسة على ركبتيها من شدة الرهب والخوف والعظمة عندما يجاء بجهنم ، ويجرها سبعون ألف ملك
ويضرب الصراط من فوقها إلى الجنة
وكلٌ يترقب ما سيكون مصيره
يا له من موقف تنخلع له القلوب والعقول وتخر القوى ولا يستطع أحد الوقوف على قدميه من الرعب
فيخرون على الركبتين
فمعا إلى :
تفسير سورة الجاثية
الآيات 1 ـ 5
( حم *تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ *إنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ *وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ *وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ )
حم : الحروف فى بداية السور ولها نفس المعنى الذى تم عرضه من قبل
يوضح الله للخلق أن القرآن منزل من عند الله القادر على كل شئ والقوى على أموره فى الخلق والحكيم فى أفعاله وتصرفه وفى تشريعه
ثم يوضح طريق التدبر لمن أراد أن يصل للتعرف على الله وعظمته :
السموات وما فيهم من ملائكة ونجوم وكواكب وغيرها ، والأرض وما عليها وما فيها من مخلوقات ووحوش وطيور وحيوانات ونبات وبحار وما فيها من أنواع مختلفة من المخلوقات … علامات على وجود الخالق وقدرته وعظمته وطريق للإيمان .
وفى خلق الإنسان والدواب علامات على قدرته تعالى
وتعاقب الليل والنهار ومسيرة الشمس والأرض والقمر واختلاف طول الليل والنهار ، وما ينزل من السماء من ماء فيتبعه انبات النبات وإحياء الأرض الجافة فتنبت الزرع ويكثر الرزق علامات لمن كان لديه عقل وفكر وتدبر ووعى
وقال مؤمنين ثم يوقنون ثم يعقلون تدرجا فى رقى استخدام العقل للفهم ولتقدير قيمة العقل فلا يترك جانبا
الآيات 6 ـ 11
( تلك آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ * وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَإِذَا عَلِم مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * مِن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا وَلا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مَّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ )
القرآن هو حجج وبينات من الله تتضمن الحق
فإذا كانوا لا يؤمنون بكلام الله وآياته وينقادون لها
فبماذا بعد الحق يؤمنون
فالعقاب الشديد لكل كافربآيات الله كذاب آثم فى قلبه وفعله
إذا قرئت عليه آيات الله وكلامه أصر على كفره وجحد واستكبر عنادا كأنه لم يسمعها … أخبره يامحمد بأن له عذاب أليم يوم القيامة
فهو إذا حفظ شيئا من القرآن جعلها سخرية
فمقابل سوء عمله سوف يلقى العذاب المهين له
هؤلاء الذين يفعلون ذلك يساقون إلى جهنم ولا تنفعهم أموالهم وأولادهم ولا أصنامهم ولهم العذاب الشديد العظيم
فالقرآن هدى للناس ومن كفر به له عذاب مؤلم وموجع
الآيات 12 ـ 15
( اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * فل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ )
خلق الله الإنسان وسخر له كل شئ من أجل خدمته
ومنها السفن فى البحر للإستعانة بها فى التنقل والتجارة والمنافع بأنواعها بين الأقطار المختلفة
وسخر جميع ما فى السموات من كواكب ونجوم وأقمار
وسخر الأرض بما فيها من جبال وبحار وأنهار ومعادن وبترول وزروع ودواب وحيوانات ووحوش وغيره لينتفع بها الإنسان
وكل هذه نعم أنعم الله بها علينا ويفهم ذلك أصحاب العقول المتدبرة
قل يا محمد للمسلمين الذين تحملوا الأذى من الكفار فى بدء الدعوة يصبروا ويصفحوا حتى تتألف قلوبهم
وكلٌ سوف يلقى جزاء عمله
فمن عمل صالحا فيجازى خيرا ومن أساء العمل فعلى نفسه ويحاسب بعمله السيء
وكان هذا فى بداية الدعوة ولكن بعد أن أصر الكفار على كفرهم أمر الله بالجهاد والقتال
( وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ * هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ )
وهذا فضل الله على اليهود أنزل عليهم الرسل والكتب السماوية توضح لهم سبيل الرشاد وجعل فيهم الملك وأنعم عليهم بالرزق والثمرات والخير الوفير من المأكل والمشرب وفضلهم على الخلق فى زمانهم وآتاهم الحجج والبراهين وأقام عليهم الحجة
ولكن اختلفوا بعد أن جاءتهم الآيات وبعد قيام الحجة عليهم وذلك بغيا منهم على بعض
فالله يا محمد يحكم بينهم بالعدل يوم القيامة فيما اختلفوا فيه
اتبع يامحمد ما أوحى إليك به من الله ولا تتبع طريق الذين اتبعوا الباطل بما تملى عليهم أهواءهم
فهم لن يغنوا عنك من عذاب الله لو اتبعت طريقه المضل
فالظالمين يتولون بعضهم البعض ولا يزيدونهم إلا الخسران
أما المؤمنين فالله وليهم يخرجهم من الظلمات إلى النور
وهذا القرآن يهدى الناس للحق وهو رحمة بما جاء فيه لمن يتيقن الطريق السليم
الآيات 21 ـ 23
( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ * وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ )
اجترحوا السيئات : عملوا السوء
أم ظن العاصون والآثمون والكفار أن نساوى بينهم وبين المؤمنين الذين عملوا صالحا واتقوا الله فى الدنيا والآخرة
ساء ما ظنوا
فالذى خلق السموات والأرض بالحق والعدل سوف تجازى كل نفس بما عملت ولا تظلم أى شئ
فانظر يا محمد هذا الذى اتبع ما تمليه نفسه وهواه مهما كان قبيحا فلا يرده شئوقد أضله الله بعد أن وصل له العلم وقامت عليه الحجة فأصبح لا يسمع إلا ضميره وقلبه ولا يرى إلا رغبة نفسه وما يرضيه
فهل هذا يجدى شئ أن يهديه غير الله
( وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ )
يخبر الله عن قول المشركين الذين ينكرون البعث ( الدهرية ) إذ قالوا أنها الحياة الدنيا نموت ونعيش ولا قيامة ولا معاد
( ولا يهلكنا إلا الدهر ) : هؤلاء قوم قالوا أنه لا صانع للكون وأن كل 36 ألف سنة يعود كل شئ إلى ما كان عليه وهذا يتكرر ولا ينتهى وهؤلاء يسمون الدهرية الدورية
ولكن هؤلاء يتخيلون ويتوهمون ولا لهم من علم إلا الظن
وإذا قرئ عليهم القرآن والآيات الواضحة يقولون لو كان صادقا فأتوا بأجدادنا وآبائنا وأحيوهم ثانية
قل لهم يا محمد الله كما ترون يخلقكم من عدم ثم يميتكم ثم يحيكم مرة أخرى ويجمعكم يوم القيامة ولا يعيدكم إلى الدنيا كما تسألون عن آبائكم ولكن العودة تكون يوم القيامة للحساب وهو لا شك فيه
ولذا ينكر الناس لعدم علمهم بهذا اليوم
الآيات 27 ـ 29
( وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ * وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )
فالله الذى يملك السموات والأرض وما فيهن يحكم فيهم كيف يشاء وهو يملك يوم القيامة الذى يخسر فيه الكافرون المنكرون لله والبعث
ويوم القيامة تكون كل أمة باركة على ركبتيها من الهول والشدة والعظمة لهذا اليوم وما فيه من أهوال تنتظر ما سيكون مصيرها
كل أمة تنادى إلى ماكتب من أعمالها فى كتاب ليس به إلا الحقائق لأن كل ما عملوا مكتوب في كتاب ومسجل عليهم
( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ * وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ * وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون * وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ * ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ * فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )
فالذين آمنوا وأصلحوا وأخلصوا العمل لله فلهم أعظم الجزاء ويدخلون الجنة
أما الذين غطوا الإيمان بالتكذيب ( كفروا ) يقال لهم كانت آيات الله تملى عليكم فاستكبرتم وأجرمتم وأعرضتم عن سماعها
وإذا قال لكم المؤمنون هذه آيات الله فاتقوا الله واتقوا يم القيامة والحساب قلتم لا نؤمن بها ولا نتيقن بحدوثها
وظهرت لهم عقوبة أعمالهم السيئة و أحاط بهم العذاب الذى استهزؤا به
ويقال لهم اليوم لكم العذاب فى النار وتتركون فيها مثلما تركتم الإيمان ولم تصدقوا بهذا اليوم ولم تعملوا له ولن تجدوا من ينقذكم من العذاب
فقد جزاكم الله بهذا العذاب لأنكم سخرتم من حجج الله عليكم وخدعتكم الحياة الدنيا
فاليوم لا تخرجون من النار ولا يطلب منكم عتاب بل تجازون بلا حساب
فالملك كله لله المالك للسموات والأرض وكل شئ خاضع له
وهو الغالب الذى لا يغلب الحكيم فى أفعاله وأوامره وشرعه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
تمت بحمد الله تعالى .