تونس الثانية عالميا فى مجال السياحة الاستشفائية والمعالجة بمياه البحر
ادخرت "كرستينا"الباحثة عن الشباب الدائم نحو 10.200 أورو، لإعادة رسم تضاريس جسدها بشكل "مغر" يروج لسياحة صحية تونسية تبدو للكثيرين رخيصة الثمن، مقابل جودة عالمية متناهية لأيادى جراحين تونسيين.
وبدت تونس اليوم وكأنها تتجه الى تصدير سياحة تختلف كليا فى منتجاتها وحرفاءها الذين يمثلون فاصلا استراتيجيا داخل منظومتها السياحية التقليدية نظرا لـ"نوعيتهم".
ويؤكد مسؤولون تونسيون ان السائح التقليدى ينفق ما بين 300 و400 يورو اثناء اقامته فى حين تصل فاتورة السائح الطبى نحو أربعة الاف يورو على الاقل.
وبات أصحاب الثروات الكبيرة يبحثون عن سياحة توفر لهم استجماما "يتقاطر" صحةوجمالا ولايكلفهم الكثير.
وتشير تقارير دولية ان تونس تمتلك واحدة من اكثر البنى التحتية الصحية تقدما فى افريقيا حيث يتوافر بها اطباء مهرة نهلوا من منابع العلم فى اوروبا والولايات المتحدة الى جانب مصادر جذب باتت سمة تونس السياحية.
ويأمل مسؤولون تونسيون فى ان تتحول تونس الى قطب للتصدير من خلال الرقى بالاختصاصات الطبية الدقيقة وكذلك تصدير الخدمات الصحية فى مجالات المصحات الخاصة والأدوية والاختبارات العلاجية والسياحية الصحية والعلاج الطبيعى بمياه البحر والعمل على أن تأخذ خطة تطوير القطاع تحسين جاذبية الخدمات الصحية واعتماد الجودة وبلوغ المقاييس والمؤشرات الدولية.
يذكر ان تونس تستقبل سنويا حوالى سبعة ملايين سائح وتصل عائداتها من السياحة إلى أكثر من مليار ونصف مليار دولار وهى تعول على السياحة الاستشفائية والصحية للرفع من مردودية القطاع ومن قيمة العائدات من العملة الأجنبية التى توفرها للبلاد.
ورغم انضمامهاالى ساحة السياحة الطبية -التى شهدت تنافسا خياليا فى أسعار جراحات التجميل خاصة فى اوروبا والولايات المتحدة- متأخرا، حرصت تونس على إيلاء هذه الصناعة كل الاهتمام من خلال وضع برامج استشرافية اهلتها الى ان تكون منطقة استقطاب دولية لحرفاء السياحة الصحية.
ووصف صندوق النقد الدولى تونس بأنها بلد يتمتع بمعدلات نمو اقتصادى مستقر يتوقع ان يبلغ 5.5 بالمائة فى 2024 و5.9 بالمائة فى 2024. كما ان نسبة البطالة تنخفض تدريجيا.
وتعطى مؤشرات السياحة ابعادا تشجيعية ايضا، اذ يتنبأ المجلس العالمى للسياحة والسفر بنمو القطاع السياحى فى تونس بنسبة 4.3 بالمائة خلال السنوات العشر القادمة. لكن الارقام الحقيقية ربما تكون أعلى بعد ان سجلت السياحة التونسية نموا بلغ 4.7 بالمائة فى النصف الاول من 2024 وبتوقعات ان تضاهى هذه النسبة مثيلتها فى الشهور الستة المتبقية.
ويرى محللون ان تونس باشرت بالفعل فى اجتذاب اهتمام صناع الخدمات السياحية فى العالم، حيث تحتل تونس المرتبة الثانية عالميا بعد فرنسا فى مجال السياحة الاستشفائية والمعالجة بمياه البحر وتجاوز عدد مراكز المعالجة بمياه البحر فيها الأربعين متواجدة فى فنادق من فئة خمس نجوم.
وتستقبل هذه المراكز حوالى 200 ألف حريف سنويا أغلبهم من السواح ذوى الدخل المرتفع إضافة إلى مشاهير فى مجالات الفن والسياسة على غرار الرئيس الفرنسى السابق جاك شيراك المعروف بتردده على تونس للتمتع بخدمات المعالجة بمياه البحر.
ويقبل جيران تونس بشكل ملفت على هذا النوع من السياحة، حيث تحولت مدن مثل سوسة وصفاقس وجربة الى وجهة علاجية مفضلة لليبيين والجزائريين وتوافد عليها خلال صيف 2024 أكثر من ثلاثة ملايين بين ليبى وجزائرى متطلعين الى استجمام "صحي" خاص.
علما ان هناك حوالى 60 وكالة أسفار فى ليبيا تعمل على الترويج للوجهة التونسية ويكتسى السائح الليبى وزنا فى السياحة التونسية من حيث الاقبال الكثيف لكن أيضا من حيث معدل الانفاق، ويقبل السائح الليبى فى الوجهة التونسية على السياحة الاستشفائية وتشكل على سبيل المثال مارينا منستير والقنطاوى بسوسة أحد المراكز الأساسية التى يقبل عليها السائح الليبى نظرا لتوفر نوعية الاقامات التى يحبذها.
وتفسر "الكسندرا نقرا" منسقة شؤون المرضى فى مؤسسة "استيتيكا فواياج" هذا الاقبال بتوفر عمليات تجميلية بأسعار منخفضة وكفاءة عالية وهو مايبحث عنه السائح "المريض" حيث تتكلف احدى الجراحات التجميلية نحو 2600 يورو فى تونس بما فى ذلك تكاليف السفر. وتتكلف الجراحة وحدها ضعف هذا المبلغ فى فرنسا اما جراحة تصحيح النظر فتتكلف حوالى 1000 دولار مقابل 3000 دولار فى دول اوروبية.
وتعد "استيتيكا فواياج" احدى المؤسسات الرائدة فى مجال السياحة الطبية فى تونس، كما تمتلك موقعا على الانترنت يجمع بين المعلومات عن الجراحات التجميلية واقتراحات بالاماكن التى يجب زيارتها اثناء التواجد فى تونس.
وتشير تقارير دولية ان وفرة المصحات والجراحين المختصين التى يقبل عليها العديد من الاوروبيين لإجراء عمليات جراحة التجميل جعلت من تونس وجهة مفضلة فى مجال الجراحة التجميلية.
يقول الدكتور نزار محجوب اخصائى فى جراحة التقويم والتجميل ان الثقة فى الاطار الطبى جعلت الاوروبيون يتدافعون نحو تونس بشكل ملفت للنظر، مضيفا ان هذا "الولع" الاوروبى قابله "اصرار" تونسى على توفير خدمات ذات جودة عالية لكسب مزيد من السياح المرضى.
وتعد دول أوروبا من بين الأكثر إقبالا على هذا المنتوج التونسى الجديد، الذى يجمع بين الطب والسياحة، وتأتى فرنسا وايطاليا وألمانيا وكندا على رأس قائمة الدول القادمة الى تونس لإجراء مثل هذه العمليات، مدفوعين بانخفاض التكلفة، إذ لا وجه للمقارنة بين الأسعار التى يعرضها طب التجميل فى تونس ونظيره فى أوروبا. فعملية شد الوجه على سبيل المثال تكلف حوالى 3000 يورو فى أوروبا، فى حين أن نفس العملية لا تزيد كلفتها على 1500 يورو، مع ضمان الإقامة السياحية لمدة أسبوعين فى مجمع صحي.
تؤكد احداهن انها عدلت عن اجراء عملية شد للبطن فى سويسرا بعد العرض الذى تحصلت عليه عن طريق موقع الدكتور محجوب، وهى "سعيدة جدا" باجراء العملية فى تونس. وتشير إحصائيات رسمية إلى أن أكثر من 102 ألف أجنبى وفدوا على تونس خلال سنة 2024 للعلاج سيما فى الجراحات المتخصصة فى العظام والقلب والشرايين والعيون وكذلك طب الأسنان. علما ان حجم صادرات تونس الصحية سنة 2024 بلغ 320 مليون دينار تونسي.
ورغم ان الصناعة مازالت محدودة مقارنة برواد هذا المجال حيث لم تستقطب تونس سوى 500 سائح أجنبى خضعوا لجراحات تجميلية ولكن فى المقابل يخضع نحو 200 الف شخص لمثل هذه العمليات فى فرنسا سنويا، يرى خبراء سياحيون ان تونس يمكنها أن تتحول فى المدى القريب إلى وجهة إقليمية وعالمية للخدمات الصحية المتطورة بفضل خطة تهدف إلى الرفع من نسق الاستثمارات فى البنية الأساسية والموارد البشرية ذات الكفاءات العالية فى مختلف الاختصاصات وتمتد هذه الخطة إلى أفق 2024.
ويعتقد البعض ان السلطات السياحية التونسية نجحت فى حملة كسب "الثقة" التى روجت اليها على مدى سنوات، هذه الثقة قد تستولى على راغبى جراحة التجميل وتحول وجهة "هجرتهم" من دول الشمال الى دول الجنوب على غرار تونس.