رواية بقلم
شمس الهدى
.
.
تقـــــــديم
من واقع الحياة ساجسد في روايتي بعض احداث عاشتها انسانة بسيطة ضحت بمشاعرها لارضائهم ثم بحياتها وبزهرة شبابها لتسعدهم.
هده القصة بمعالمها الحقيقية تشارك فيها الكثيرات منهم،النساء المناضلات الطيبات اللواتي لم ينصفهم الزمن دائما،الشخصية الرئيسية في الفتاة الامازيغية تِترِيت وهو اسم امازيغي وكما يحلو لي تسميتها رمز التضحية.
تتريت فتاة فقيرة تجبرها الظروف بالزواج في سن مبكرة لتصارع قسوة الزمن مند الصغر،هنا ساجسد الوجه الاخر للمراة المعدبة،التي كتب لها في لوح المقادير حياة شاقة سببها الظروف وجبروت الرجل و تسلطه وعدم انصافه لها.
لن اعرض قصة رومنسية كما قد يبدو لكن واضحا في البداية،الهدف والمغزى من روايتي ليس كدلك ابدا!!لان الرواية واقعية اكثر،وتمس واقع الكثيرات.
في الرواية احداث كثيرة ومشوقة ومؤثرة بها الحب ،التضحية، الصدق، الاخلاص، الكدب، الخيانة، الصبر ،الضعف،النضال،القوة،الشجاعة،صدف الحياة،….طغى عليها طابع الحزن والعداب…الرواية بها الكثير من العبر قد تفيدكي،كما افادتني احداثها لانني تعايشت مع البعض منها في واقعي واحترقت بنيرانها.
هده اول رواية اكتبها واسلوبي بسيط ومازال قيد التطوير،مجزئة الى ستة عشر جزءا.
اتمنى ان تستمتعن بقرائتها،وبالتوفيق
.
.
.
استقضت تتريت في الخامسة صباحا على صوت امها كالعادة,لكن هذا اليوم الوضع مختلف ,لانه بالمساء سيتقدم لخطبتها ابن عم امها محمد,صلت الطفلة ركعتين اقتصرت فيهما على قراءة سورتين تعلمتهما من ابوها سورة الفاتحة وسورة الاخلاص,شربت كأسا من الشاي وتناولت قطعة خبز وقارورة ماء ووضعتهما في حقيبتها الصغيرة المزركشة لتلهي بهما نفسها فيما تبقى من النهار,اخدت الفتاة سمتها برفقة القطيع الى الحقل ككل صباح…
بالطريق صادفت الشاب ذو الوجه الوضاء,حاولت ان ترسم الابتسامة على محياها بصعوبة لكن الدموع شقت طريقها الى عيونها,نظرت اليه بنظرة دامعة ,واضطرب جسمها وبدأ وجهها يربد,حاولت ان تلقي عليه التحية لكن ثقل لسانها وخانتها الكلمات وهي في امس الحاجة للحديث…,استغرب الشاب لتصرفاتها,وشعر ببعض الفضول قاده الى السؤال:ما خطبكي أختي؟ما أن سمعت تتريت السؤال حتى رمقته بالعين الحمراء بعد ان سيطرت عليها مشاعر الغضب ,ولتحافظ على بعض كبريائها وكرامتها صرفت نظرها عنه وركزت اهتمامها على القطيع وبدات توجههم الى الوجهة الصحيحة باستعمال عصى رهوه والفاظ النداء…,ادرك الشاب ان سؤاله في غير محله وكمل طريقه…,احست بحركاته وشعرت انها قد تكون اخر مرة تصادفه فيها,لكن سرعان ما حاولت ان تبعث في نفسها الامل,رغم ان فكرة عدم اهتمامه وعدم معرفته لاسمها ازعجتها,قد لا يكون الامر يعني له شيئا ,لكن بالنسبة لها حتما يعني الكثير,لقد كان ماضيها وحاضرها ,رغم ان القدر يحاول ان يبعدها عن التمسك ولو بشعاع امل واحد…
تاهت في تفكيرها لدرجة انها لم تدرك بامر وصولها الى الحقل حتى رأت القطيع قد اخذوا اماكنهم وبدأو في مهامهم,ابتسمت واخدت مكانها فوق غصن باعلى شجرة *الاركان*اعتادت الجلوس فوقه,ركزت نظرها على صخرة صغيرة توجد على الارض وذهبت بتفكريها الى حيت شاء الله ان تذهب,لعل ما يشغلها هو خوفها وارتباكها مما سيحدث بالمساء,رغم انها لم تعتد الخوف بحياتها مهما كانت بسيطة وصغيرة في السن…,تتخيل شكله فهي لم تره في حياتها كل ما تعرفه عنه انه في سن الثلاتين وهي في الرابعة عشر من عمرها,اختلطت عليها الامور ولم تجد سوى قطعة الخبر لتؤنسها في وحدتها,شرعت في تناولها بطريقة شرسة وعنيفة ,كأنها تحاول التحرر من تاثير الصدمة ,وبدأت بارسال عبرة اثر عبرة ,وتئن انينا محزنا ورغبة الصراخ تجتاحها بين الفينة والاخرى,اقل ما يمكن ان يقال عليها انه مذهوب بها وببساطة!!
طوال الليل بسبب الظروف القاسية بالحظيرة كبرودة الطقس والروائح الكريهة والحشرات المزعجة المتواجدة بالمكان من جهة,وبسبب فضولها لمعرفة ما حصل ولخوفها من مصيرها من جهة اخرى,وكلها امور سببت لها الارق ,لكن كل ما كانت متاكدة منه في تلك اللحظات هو انه قد كتب لها في لوحة المقادير حزن وشقاء قد يرافقها طوال حياتها,وكيف لا والسعادة بالنسبة لها وكاي مراهقة هي سعادة الحب ولا يمكنها النظر لغيرها,لانها لا تستطيع ان تعيش بدون تلك المشاعر مادام لها قلب ينبض بالحياة.
.
الجزء التاني*الوعد الصادق*
استمر وضع تتريت كما هو لثلاث ايام متتالية حصرت فيهما الفتاة بين اربعة جدران بدون اكل وشرب كافيين،رغم ان كل صباح قبل استيقاظ احمد كانت الام تجهز بعض الطعام لابنتها الوحيدة،تم تتوجه الى الحظيرة خفية وتزيل قطعة القماش على فمها،ثم تحاول ان تطعمها من يديها لكن غالبا ما ترفضه الفتاة الى ان ترى عيون امها دامعة من كثر ما ترجتها،ومن كثر ما استصعب عليها امرها،تستسلم الفتاة لدموع امها وتقبل اللقمة رغما عنها،ولئن فعلت حتى اخرجت الام القطيع من الحظيرة وغلقتها متوجهة الى الحقل بعد ان اضيفت هده المهمة الى باقي مهامها،وفي المساء يكون للام موعد تاني مع ابنتها،وما بين الموعدين وقت كافي لتفكر تتريت جيدا لعلها تعود لرشدها و الدي سيجعلها تقبل بعرض ابيها،وموافقتها هي الدليل الوحيد على انها فتاة عاقلة متزنة…،في اليوم الاول استمر عناد الفتاة،عناد سببه عاطفتها ومشاعرها التي لن ترضى بان تموت ابدا،كان قلبها مليئا بالغبطة والسرور فكيف ستحكم عليها بالهجران؟ ،كيف سترضى لقلبها الحزن بعد ان اشرقت عليه شمس السعادة؟،كيف ستتخلى عن اجمل احلامها بهده البساطة,؟.
كانت كلما تدكرته بكت بحرقه..،لكن ما نفع الدموع!!لن تستطيع تغيير راي ابوها،ولا تطهير نفسه من الطمع والجشع ولن تنزل بعض الحنان على قلبه يجعله ينظر الى سعادة ابنته وراحتها على انها الاهم،كاي اب لا يرضى لابنته بالسوء،نفع الدموع في حالتها تقتصر في راحة نفسية تحس بها مع شعور بالتعب يجعلها تغط في نوم عميق تهرب بواسطته من الواقع قليلا..،!!
اشرقت الشمس وانبعثت اشعتها عبر فراغات موجودة بين الحطب المكون لسطح الحظيرة،رفعت عينيها الى الاعلى محاولة ان تلمح السماء قائلة هناك!!لن تكون قدري في الدنيا رغم انك كنت اختياري!!لكن الله اعلم قد يكون مقدرا لنا ان نلتقي هناك…سكتت قليلا ورسمت على محياها ابتسامة ممزوجة بالشعور بالرضى قائلة ،تبقى هده الفكرة عزائي الوحيد،لكن اقسم!!ستبقى هده المشاعر مادامت صادقة معي الى اللحد،هده رغبتي الوحيدة،واموال الدنيا كلها لن تستطيع تغييرها،وما هي الا لحظات حتى سمعت صوت امها تفتح الباب،درفت الفتاة دموع الفرح ظنا منها انه بعد
دقائق ستتخلص من الحظيرة،قالت:امي اسرعي انا تعبت فعلا،انا فكرت كثيرا،انا وافقت على عرض ابي،المهم الان اريد الخروج من هنا،تعبت يا امي،اليومين الماضيين كانا اطول ايام حياتي واكثرهم شقاء،ارجوك اريد الخروج من هنا،اعصابي اوشكت على الانهيار،اريد ان ارتاح لمادا لا احد يفهمني؟!!لاتنظري الي بهده الطريقة..،لم تستطع الام ان تتحمل كلمات ابنتها فحضنتها بشدة قائلة لم يتبق الا القليل ابنتي،ليس بيدي حيلة القرار يعود لابيك،لن نخرجك من هنا الا مساء،ازالت راسها من على صدر امها ثم قالت بثقة بالغة لن تجديني بالمساء ،كوني متاكدة من الامر…،كان كلامها عبارة عن تهديد،سبب في الشعور بالخوف لدى الام،خرجت الام من المكان مسرعة لايقاظ احمد،طوال الطريق كانت تبحث عن العبارات المناسبة لتقنعه،وصلت للغرفة التي اعتاد احمد ان ينام فيها،اقتربت منه وندت باسمه بصوت خافت،نزع الغطاء من على وجهه قائلا:مادا تريدين ،لمادا ايقضتني!!قلت لكي مرارا لا توقضيني قبل ان اقوم انا بدلك!!اجابت ابنتك هي السبب،قال مادا بها تلك الوقحة؟قالت:لقد وافقت على طلبك،لكن اوضاعها الصحية لا تسمح ببقائها في الحظيرة اكثر هي ندمانة،ولن تكررما قامت به،فكر جيدا يا احمد قد نخسر الفتاة،باي وجه سنقابل محمد من جديد ،بدت علامات الحيرة على محياه لكن الامر لم يمنعه من الاجابة بسرعة:احظري تلك المزعجةواليوم لا داعي لاخراج القطيع،اليوم ستبقين معها وستراقبين اي خطوة تقوم بها ويا ويلك ادا هربت او وقع شيئ قد يسبب في هدم كل ما بنيته،احدركي..،
بينما كانت تغط هي في النوم،كان الكثير بانتظار امها لانجازه،الغد مساء سيجتمع بعض سكان القرية للاحتفال بزواج تتريت ومحمد، وهدا الاخير هو المكلف بدفع جميع تكاليف العرس،اول شيئ قامت به هو دعوة بعض معارفها واتفقت مع صديقاتها للحظور في الغد باكرا لتجهيز الطعام،عادت للمنزل تم حضرت الفطور لاحمد قبل دهابه للسوق .
انقضى النهار واقبل الليل،حان الوقت للاهتمام بالعروس حضرت صباغة سوداء طبيعية باستعمال خلطة من الحناء وحبوب*تَكُوت و تَرايت*وحبوب الاركان،وملعقة من زيت الزيتون تم تقوم بتسخين الخليط جيدا،وفي انتضار ان يبرد ليصبح جاهزا،حظرت بسرعة الكحل بطحن كل من القرنفل والابزار ونوى التمر..،
دخلت على العروس الحزينة الى الغرفة حاملة اناء يحتوي على الصباغة،وكانت ما تزال على نفس الحال،وكانت تهمهم بصوت خفي..،قامت بمشط شعرها الطويل الحريري تم بدات بطليه بالخليط المحظر،لم يصدر من الفتاة لا حركة ولا كلمة رغم ان امها لم تتوقف عن الكلام ابدا,,,يمكن انها كانت تحاول ان تخفف عليها وتبعث فيها بعض الامال والطمانينة.
اشرقت الشمس معلنة بداية نهار جديد ،استيقظ الجميع وبداو في الاستعداد دخلت النساء المكلفات بالطبخ حاملات في ايديهم اقدارا من الفخار والنحاس،دهب احمد برفقة محمد لعقد النكاح،في دلك الوقت حظرت الام الحناء وغمست فيها يدي وارجل تتريت ثم مسحتهما،وبدات النساء في الغناء وكلهن حماس، عاد احمد ومحمد واعلنوا ان الامر تم بخير،وفرح الجميع بالخبر وتمنوا للعروسين حياة سعيدة هنيئة..،
في منتصف النهار حظر بعض الفقهاء وتكلفوا بتلاوة القران…،لتنطلق الاجواء الاحتفالية الفعلية في المساء وطيلة اليوم الموالي،بعد انتهاء الاحتفالية حان وقت دهاب العروسين،قبلت العروس راس ابوها وبكت كما لم تبكي في حياتها في حظن امها لتكمل طريقها بعد دلك رفقة محمد نحو المجهول.
.
.
.
خرجت الطيور من اعشاشها طروبة كلها نشاط لتستقبل فجرا جديدا،لمع الفجر في عيني تتريت الساحرتين ،وتوجهت كما تعودت طوال سبعة ايام السابقة للمطبخ لتحظر لمحمد الفطور بكل بهجة ورضى قبل ان يتوجه ليكمل يومه في محلاته الكبرى لبيع الاثات،استيقظ واكل لقمتين على السريع وقال جملته المعتادة،لا تنتظريني على العشاء ساتاخر ليلا،واخيرا وجد محمد حريته،ووصل الى هدفه المنشود.
قبل سنوات كان ابويه يلحان عليه بظرورة الزواج،وكان مخطوبا لبنت خالته،لكن فكرة الزواج لم ترقه يوما،ولم ترقه الفتاة ايضا،لانها كانت متعلمة وجميلة،وهدا بالضبط ما كان يخاف منه،لم يكن يتصور حياته بعد عشر سنوات متزوجا بامراة تنافسه وتحاسبه بدكاء،كان هدا سيلغي جميع نشاطاته المعهودة،لهدا السبب فسخ خطبته من الاولى واختار تتريت لانها فتاة امية وريفية ويستطيع ان يمارس عليها سلطته وجبروته لانها فقيرة وضعيفة ولن تقدر على شيئ..،وبدلك سيضمن حريته مدى الحياة…كانت هده خطة محمد الدكية،لارضاء والديه والتخلص من ازعاجهما من جهة ولضمان سعادته!!
كانت تتريت تضطر كل يوم لتتحدث مع نفسها وتناقش نفسها،واحيانا من شدة وحدتها وقهرها والغربة التي تعيشها تضر للتحدث مع الاثاث والزهور لساعات،ثم تتوجه للنافدة لتستمتع بمنظر الاطفال وهم يخرجون من المسجد القريب لمنزلها،تسمع ضحكاتهم ولكلماتهم الرقيقة ،ولخلافاتهم احيانا،يثيرها هدا المنظر بالدات لانه مرتبط بماضيها،ولو لم ترد تدكر شيئا منه اخلاصا لزوجها ولو بين نفسها ،لكن تخونها داكرتها احيانا،وتتدكر اول مرة لمحته فيه وهو يقرا القران بالمسجد وكان دلك عندما دهبت لتعطي للفقيه امانة من ابيها،تتدكر اول وجه سكن مخيلتها،كانت كلما استعادت وعيها ،قالت استغفر الله،واحست بتانيب الضمير،كانت تحاول جاهدة نسيان الماضي.
بعد لحظات دق احدهم باب المنزل ولاول مرة طول فترة زواجها،اعتقدت انه زوجها من نسي غرضا ما ورجع لاخده،ركضت بسرعة لفتح الباب،لمعت عيونها من الفرحة لم تصدق ما تراه ،وتعثرت خواتها،انها ام زوجها واخواته وفتاة اخرى جميلة ومتبرجة،لم تراها سابقا،لم تكن سوى خطيبته ،كانت تربطها علاقة قوية مع اخوات محمد،فرحت تتريت لقدومهن كثيرا وجلست تقبل راس حماتها وتطلب رضاها وترحب بها،الفتيات كن يتعجبن من المنظر وكن يرمقنهابنظرة استخفاف ،في قرارة انفسهن كن يعتقدن انها مجرد تمثيلية ،لم يكن يطقنها،وكانوا ينتظرن اية ردة فعل ترضي غرورهن ،بعد حديث طويل ،توجهت للمطبخ لاعداد الشاي وضعت الماء فوق النار ليسخن ولمحت ملامحها الفاتنة في المراة،لكنها لم تكن راضية على حالها واستحت من ان تظهر امامهم مرة اخرى بمظهرها دلك ،خصوصا وانها كانت ترتدي بيجامة عادية،توجهت لغرفتها وارتدت قفطانا اسود جميل،واقتربت من المراة بعد ان شد نظرها ادوات التجميل،لقد كانت طوال الايام السابقة حائرة في كيفية التعامل معها،لم تعهد غير الكحل والسواك فقط،اخدت طلاء اضافر احمر ووضعته على شفتيها،زاد قوة اللون وجنتيها سحرا