عظمة محمد
ملكتنى الدهشة وأنا أقرأ كيف أسلم عكرمة بن أبى جهل وصفوان أبن أمية، وكيف استقبل النبى الكريم بمشاعر الحفاوة والفرحة هذا الإسلام الذى تأخر كثيرا ، وسبقته عداوات رهيبة ، أما صفوان فأبوه أمية بن خلف الذى تولى تعذيب بلال وكاد يُزهق روحه تحت وطأة الصخر واللهب ، والذى لم يدع بابا لإيذاء الإسلام ونبيه إلا ولجه ! لذلك لما رآه بلال فى " بدر" أسيرا صاح : أمية رأس الكفر ! لا نجوت إن نجا ! وأجهز عليه . وأما عكرمة فأبوه فرعون الوثنية، ومَوْقد العداوة والبغضاء ضد عقيدة التوحيد ومُعتنقيها ، وقد سماه المسلمون أبا جهل بدل إسمه القديم أبى الحكم لشدة ما يلقون من بطشه . ولم يكن إبنه – حتى – فتح مكة خيرا منه بل إن عكرمة وصفوان وآخرين من ذوى الشراسة والتعصب رفضوا السلام الممنوح لأهل مكة ، وقرروا المقاومة لآخر رمق . فلما يئسوا تركوا جزيرة العرب فارين بكفرهم إلى أرض أخرى .ولكن لله قدرا لآخر ، وهو أعلم بخلفه ، ! إن النبى صلى الله عليه وسلم المنتصر لم يكن طالب ثأر ، ولا ناشد قصاص ، كانت الرغبة المستولية عليه أن يفتح أقفال القلوب ، وأن يُنقذ التائهين الحيارى ، وأن يُعالج الأخطاء القديمة بالرفق وأن يتلقى الأحقاد بالعفو ، وأن يُحبب الناس فى الإسلام ، وأن تقر عيناه برؤيتهم يدخلون فيه أفرادا أوأفواجا ، إنه رحمة مهداه ، إنه رسول يقود العباد إلى ربهم وليس بشرا ينزع ألى التسلط والجبروت ، ما انتقم لنفسه قط ، ولا طلب لها علوا فى الأرض . ولنسرد الشواهد على ذلك فى أحداث التاريخ .. جاء عمير بن وهب إلى رسول الله صلى الله عله وسلم يقول له : يارسول الله .. صفوان بن أمية سيد قومى خرج هاربا ليقذف بنفسه فى البحر وخاف ألا تؤمنه ! فأمنه فداك أبى وأمى . فقل الرسول صلى الله عليه وسلم : " قد أمنته " ولكن صفوان لم يطمئن ، وطلب من عمير علامة تشعره بالأمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمير : " خذعمامتى– التى كانت على رأسه يوم الفتح – فاره إياها " ورجع صفوان ! وحضر معركة حنين مع المسلمين ، ورآه النبى عليه الصلاة والسلام عند توزيع الغنائم يرمق بإعجاب واديا مليئا بالإبل والغنم ! فقال له النبى الكريم : " يعجبك ذلك " قال : نعم قال : " هو لك " . فقال صفوان : ماتطيب نفس أحد بمثل هذا العطاء إلا نفس نبى ..اشهد أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله . أما قصة عكرمة فهى أجدر بالتأمل الطويل ، جاءت إمرأته " أم حكيم " وكانت قد أسلمت يوم الفتح – فقالت : يارسول الله. هرب عكرمة ، خائفا أن تقتله فأمنه ! فقال : " هو آمن " وأدركت المرأة زوجها عند الساحل ، وقد ركب سفينة يريد الإبحار بها بعيدا فنادته قائلة : جئتك من عند أوصل الناس ، وأبر الناس ، وخير الناس ، لاتهلك نفسك ، وعد معى فقد استأمنت لك رسول الله .، قال إبن عساكر : فلما دنا من مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " يأتيكم عكرمة بن أبى جهل مؤمنا ، فلا تسبوه أبا ! فإن سب الميت يؤذى الحى ولا يبلغ الميت ". ولما أقبل عكرمة وثب إليه النبى صلى الله عليه وسلم ، متعجلا ، من فرحه بمقدمه ! وعرض عليه الإسلام ، فقال عكرمة : والله ما دعوت إلا إلى الحق ، وإلى كل أمر حسن جميل ، قد كنت فينا – قبل دعوتك هذه – أصدقنا حديثا وأبرنا برا . وأعلن إسلامه فى مشهد نابض بالصدق ، كاشف عن مستقبل عامر بحب الله و رسوله . وكان مطأطئا رأسه حياء من النبى صلى الله عليه وسلم ! ثم قال : يارسول الله .. استغفر لى كل عداوة عاديتكها ، أو مركب أوضعت فيه أريد إظهار الشرك والصد عن سبيلك . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم له .. فقال : أما والله لاأدع نفقة كنت أنفقها فى الصد عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها فى سبيل الله ، ولا قتالا قاتلت فى الصد عن سبيل الله إلا أبليت ضعفه فى سبيل الله . بهذا الخلق العظيم كان صاحب الرسالة الخاتمة يصنع السلف الأول . إنه لم يصتعهم على هذا الغرار ليؤمنوا به فحسب ! لا ، إنه يريد أن يؤمنوا وأن يحملوا إلى غيرهم الإيمان وأن يزيحوا من أمامه العوائق ، إنهم بناة تاريخ مديد ، ودعائم رسالة تستوعب الزمن كله . فلننظر كيف وفى َّعكرمة بعهده لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال التاريخ : عندما التقى الروم والعرب فى معركة اليرموك وضع خالد خطته على أن يتحمل قلب الجيش الإسلامى عبء المعركة ، وأن يحتفظ هو بالجناحين ليلتف بهما حول الروم فى الوقت المناسب . والروم أضعاف المسلمين أربع مرات ، فكيف إذا تصدى لهجمتهم القلب وحده ؟ كان الموقف صعبا جدا ، وتهشمت الصفوف أمالم وطأة الرومان ، وزلزلت أقدام البعض . وهنا صاح عكرمة : قاتلت رسول الله فى مواطن كثيرة وأفر اليوم ؟ ثم نادى : من يبايع على الموت ؟ فانضم إليه أربعمائة من طلاب الشهادة ، من وجوه المسلمين وفرسانهم ، فقاتلوا قدام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعا جراحا ، وقتل منهم خلق كثير . بيد أن قلب الجيش صد المهاجمين حتى مكن خالد من الإطباق عليهم بجناحيه فهزموا هزيمة محت دولة الروم من الشام .
ألا ترى التربية النبوية فى موقف عكرمة والرجال الذين آزروه .
ملكتنى الدهشة وأنا أقرأ كيف أسلم عكرمة بن أبى جهل وصفوان أبن أمية، وكيف استقبل النبى الكريم بمشاعر الحفاوة والفرحة هذا الإسلام الذى تأخر كثيرا ، وسبقته عداوات رهيبة ، أما صفوان فأبوه أمية بن خلف الذى تولى تعذيب بلال وكاد يُزهق روحه تحت وطأة الصخر واللهب ، والذى لم يدع بابا لإيذاء الإسلام ونبيه إلا ولجه ! لذلك لما رآه بلال فى " بدر" أسيرا صاح : أمية رأس الكفر ! لا نجوت إن نجا ! وأجهز عليه . وأما عكرمة فأبوه فرعون الوثنية، ومَوْقد العداوة والبغضاء ضد عقيدة التوحيد ومُعتنقيها ، وقد سماه المسلمون أبا جهل بدل إسمه القديم أبى الحكم لشدة ما يلقون من بطشه . ولم يكن إبنه – حتى – فتح مكة خيرا منه بل إن عكرمة وصفوان وآخرين من ذوى الشراسة والتعصب رفضوا السلام الممنوح لأهل مكة ، وقرروا المقاومة لآخر رمق . فلما يئسوا تركوا جزيرة العرب فارين بكفرهم إلى أرض أخرى .ولكن لله قدرا لآخر ، وهو أعلم بخلفه ، ! إن النبى صلى الله عليه وسلم المنتصر لم يكن طالب ثأر ، ولا ناشد قصاص ، كانت الرغبة المستولية عليه أن يفتح أقفال القلوب ، وأن يُنقذ التائهين الحيارى ، وأن يُعالج الأخطاء القديمة بالرفق وأن يتلقى الأحقاد بالعفو ، وأن يُحبب الناس فى الإسلام ، وأن تقر عيناه برؤيتهم يدخلون فيه أفرادا أوأفواجا ، إنه رحمة مهداه ، إنه رسول يقود العباد إلى ربهم وليس بشرا ينزع ألى التسلط والجبروت ، ما انتقم لنفسه قط ، ولا طلب لها علوا فى الأرض . ولنسرد الشواهد على ذلك فى أحداث التاريخ .. جاء عمير بن وهب إلى رسول الله صلى الله عله وسلم يقول له : يارسول الله .. صفوان بن أمية سيد قومى خرج هاربا ليقذف بنفسه فى البحر وخاف ألا تؤمنه ! فأمنه فداك أبى وأمى . فقل الرسول صلى الله عليه وسلم : " قد أمنته " ولكن صفوان لم يطمئن ، وطلب من عمير علامة تشعره بالأمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمير : " خذعمامتى– التى كانت على رأسه يوم الفتح – فاره إياها " ورجع صفوان ! وحضر معركة حنين مع المسلمين ، ورآه النبى عليه الصلاة والسلام عند توزيع الغنائم يرمق بإعجاب واديا مليئا بالإبل والغنم ! فقال له النبى الكريم : " يعجبك ذلك " قال : نعم قال : " هو لك " . فقال صفوان : ماتطيب نفس أحد بمثل هذا العطاء إلا نفس نبى ..اشهد أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله . أما قصة عكرمة فهى أجدر بالتأمل الطويل ، جاءت إمرأته " أم حكيم " وكانت قد أسلمت يوم الفتح – فقالت : يارسول الله. هرب عكرمة ، خائفا أن تقتله فأمنه ! فقال : " هو آمن " وأدركت المرأة زوجها عند الساحل ، وقد ركب سفينة يريد الإبحار بها بعيدا فنادته قائلة : جئتك من عند أوصل الناس ، وأبر الناس ، وخير الناس ، لاتهلك نفسك ، وعد معى فقد استأمنت لك رسول الله .، قال إبن عساكر : فلما دنا من مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " يأتيكم عكرمة بن أبى جهل مؤمنا ، فلا تسبوه أبا ! فإن سب الميت يؤذى الحى ولا يبلغ الميت ". ولما أقبل عكرمة وثب إليه النبى صلى الله عليه وسلم ، متعجلا ، من فرحه بمقدمه ! وعرض عليه الإسلام ، فقال عكرمة : والله ما دعوت إلا إلى الحق ، وإلى كل أمر حسن جميل ، قد كنت فينا – قبل دعوتك هذه – أصدقنا حديثا وأبرنا برا . وأعلن إسلامه فى مشهد نابض بالصدق ، كاشف عن مستقبل عامر بحب الله و رسوله . وكان مطأطئا رأسه حياء من النبى صلى الله عليه وسلم ! ثم قال : يارسول الله .. استغفر لى كل عداوة عاديتكها ، أو مركب أوضعت فيه أريد إظهار الشرك والصد عن سبيلك . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم له .. فقال : أما والله لاأدع نفقة كنت أنفقها فى الصد عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها فى سبيل الله ، ولا قتالا قاتلت فى الصد عن سبيل الله إلا أبليت ضعفه فى سبيل الله . بهذا الخلق العظيم كان صاحب الرسالة الخاتمة يصنع السلف الأول . إنه لم يصتعهم على هذا الغرار ليؤمنوا به فحسب ! لا ، إنه يريد أن يؤمنوا وأن يحملوا إلى غيرهم الإيمان وأن يزيحوا من أمامه العوائق ، إنهم بناة تاريخ مديد ، ودعائم رسالة تستوعب الزمن كله . فلننظر كيف وفى َّعكرمة بعهده لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال التاريخ : عندما التقى الروم والعرب فى معركة اليرموك وضع خالد خطته على أن يتحمل قلب الجيش الإسلامى عبء المعركة ، وأن يحتفظ هو بالجناحين ليلتف بهما حول الروم فى الوقت المناسب . والروم أضعاف المسلمين أربع مرات ، فكيف إذا تصدى لهجمتهم القلب وحده ؟ كان الموقف صعبا جدا ، وتهشمت الصفوف أمالم وطأة الرومان ، وزلزلت أقدام البعض . وهنا صاح عكرمة : قاتلت رسول الله فى مواطن كثيرة وأفر اليوم ؟ ثم نادى : من يبايع على الموت ؟ فانضم إليه أربعمائة من طلاب الشهادة ، من وجوه المسلمين وفرسانهم ، فقاتلوا قدام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعا جراحا ، وقتل منهم خلق كثير . بيد أن قلب الجيش صد المهاجمين حتى مكن خالد من الإطباق عليهم بجناحيه فهزموا هزيمة محت دولة الروم من الشام .
ألا ترى التربية النبوية فى موقف عكرمة والرجال الذين آزروه .