في عصرنا الحاضر تدخل الحامل إلى المستشفى للولادة وهي خائفة وقلقة ومتوترة؛ بسبب عدم ثقتها بنفسها وعدم سيطرتها على جسدها، وهذا الخوف والتوتر سيسبب لها تقلص عضلاتها، وتقلص عضلاتها سيسبب لها الألم، والألم سيسبب لها الخوف من جديد، وهكذا تدور الدائرة.
ويحدث أحيانًا كثيرة، بسبب تقلُّص عضلات الحامل وعدم مرونة الأعضاء الأخرى التي تشترك في عملية الولادة، أن تتعسر ولادتها، فالجنين عليه أن يمر -بعد خروجه من الرحم- من الحوض ثم المهبل، يحاول المرور أولاً من الحوض فلا يستطيع؛ لأن الحوض غير مرن، وقد يكفي أحياناً أن يتمدد شيئاً قليلاً فينزلق الجنين من خلاله، ولكن يخبرها القائمون على عملية الولادة بأنه لا بد من إجراء عملية قيصرية (شق بطن) لإخراج الجنين وإنقاذه قبل أن يموت.
وفي حالة نجاح الجنين في المرور عبر الحوض، يكون قد بقي عليه أن يخرج من الفتحة المهبلية، وأحياناً كثيرة يكون رأسه أكبر منها والمهبل غير قادر على التمدد، إذن لا بد من مداخلة جراحية وإحداث شق لتوسعة هذه الفتحة لإتاحة الفرصة أمام الجنين للخروج، وأيضاً لتفادي التمزق، وهذه المداخلة الجراحية (الشق) أخذت تحدث على نطاق واسع مع هذا الجيل الجديد من النساء وفي معظم بلدان العالم.
ولكن هذه الجراحة البسيطة خير من التمزق بكثير، وفي كلتا الحالتين يعود السبب إلى عدم مرونة الأعضاء، ونعود بالتالي إلى السبب الرئيس في ذلك ألا وهو قلة الحركة، والتعود على الكسل والخمول.
وهذا ما جعل الأطباء -وغيرهم ممن لهم علاقة بالأمر- يقومون بوضع تمارين رياضية خاصة بالحامل، وإعداد برامج لفترة الحمل، وكذلك لفترة ما بعد الولادة، للتعويض عن الحركة المفقودة والضرورية للحامل.
وتوضح عدة دراسات: أن ممارسة بعض هذه التمارين الخاصة بالحامل تسهل من عملية الحمل والولادة، والأطباء عامة ينصحون كل حامل بممارسة هذه التمارين، ولا يكاد مستشفى للولادة يخلو من بعض الرسومات والصور التي توضح بعض هذه التمارين.
وتوضح الدراسات: بأن مضاعفات الحمل وعدد الولادات القيصرية وتهتك الأنسجة أثناء الولادة يكون أقل لدى السيدات اللاتي يمارسنها بالمقارنة بغير الممارسات(3).
وهكذا يتضح لنا أهمية التمارين الرياضية وضرورتها للمرأة الحامل، بقي أن نعرف أن الكثير من هذه التمارين يشبه تماماً حركات الصلاة وهيئاتها..! وهذه بعض منها(4):
1- تمرين ميل الجذع للأمام، وهو تمرين يشبه الركوع في الصلاة، وهذه هيئته:
2- تمرين القرفصاء والقيام، وهو مشابه للنزول والقيام الذي يقوم به المصلي:
3- هذا التمرين مشهور جداً في عالم تمارين الحامل، وأكثر ما تُنصح بممارسته، ويسمى: (وضع الصدر – الركبة Knee – Chest Position)، وهو كما يبدو بوضوح تمرين مشابه للسجود في الصلاة:
4- تمرين الجلوس والاسترخاء وهو مشابه للجلوس في الصلاة:
إنهم يذكرون أن لكل تمرين من هذه التمارين فوائد بدنية متعددة تعود على الحامل، والسؤال الآن: إذا كانت هذه التمارين المفيدة للحامل تشبه حركات وهيئات الصلاة، أفلا تحصل الحامل على هذه الفوائد نفسها أيضاً إذا حافظت على أداء الصلاة؟
والجواب: نعم بالتأكيد، خاصة إذا علمنا أن عدد مرات تكرار حركات الصلاة خمس أوقات في اليوم سيكون أكبر بكثير من عدد مرات تكرار هذه التمارين الرياضية.
ولو أن الأطباء أو الذين وضعوا هذه التمارين يعلمون أن جميع الحوامل يصلين هذه الصلاة لما وجدوا حاجة في وضع هذه التمارين، ولاكتفوا بنصح الحامل بالمحافظة على الصلاة، ولأخبروا الحامل بأن صلاتها تغني عن هذه التمارين التي لو مارستها فإنها لن تمارسها خمس مرات في اليوم كما تفعل مع الصلاة، ولكن الذين اشتُهروا بأنهم واضعوا هذه التمارين هم من غير المسلمين، وأكثر اللاتي يمارسنها هن من غير المسلمات، أي ليس لديهن هذه الصلاة حتى يؤدينها ويكتفين بها، إذن فملجأهن الوحيد هو هذه التمارين التي ينصحهن بها أطباؤهن(5).
أما المرأة المسلمة فلديها هذه الصلاة التي أنعم الله عليها بها، فهي إذا حافظت عليها عبادة لله عزَّ وجلَّ فسيكون فضل الله عليها عظيماً؛ بأن يعجل لها هنا في الدنيا بفوائد بدنية كبيرة تكسبها بطريقة تلقائية، وتنفعها في حملها وولادتها وبعد طهارتها من النفاس، فضلاً عن المنافع والأجر العظيم في الآخرة.
وهناك العديد من الفوائد البدنية الأخرى التي تكتسبها المرأة الحامل من الصلاة، وهذه أهم الفوائد البدنية والنفسية:
• تُكسب مرونة لمعظم أعضاء وعضلات الجسم، وتسهل حركة العمود الفقري مع الحوض مفصلياً، للمحافظة على ثبات الجسم واعتدال قوامه.
• تنشيط الدورة الدموية في القلب والدماغ والشرايين والأوردة، مما يساعد في توصيل الغذاء إلى الجنين بانتظام عبر الدم، ويساعد أيضاً في نمو الجنين نمواً طبيعياً.
• المحافظة على مرونة مفاصل الحوض وعضلات البطن، حيث لها أكبر الأثر في قوام الأم الحامل.
• تحسين النغمة العضلية(6).
• رفع المعنويات وإكساب الثقة بالنفس، والسيطرة على الجسم، والقدرة على التركيز(7)
لقد سئلت الدكتورة نجوى إبراهيم السعيد عجلان -مدرسة بكلية طب جامعة طنطا، ودكتورة النساء والولادة بمركز الرياض الطبي بالرياض- عن وجهة نظرها فيما يمكن أن تستفيده الحامل من الصلاة، فأجابت:
"إن السيدة الحامل -كما هو معتاد دائماً وخاصة في الشهور الأخيرة- تكون مثقلة بالجنين، ولكن عندما تؤدي الصلاة فإن حركاتها تساعد على نشاط الدورة الدموية وعدم التعرض لدوالي القدمين، كما يحدث لبعض السيدات.
إن معظم شكوى الحوامل هي عسر الهضم، مما يجعل الإحساس بالانتفاخ والتقيؤ صعب الاحتمال، وفي الصلاة: الصحة بإذن الله والتغلب على عسر الهضم الذي يصاحب الحوامل، فالركوع والسجود يفيدان في تقوية عضلات جدار البطن، ويساعدان المعدة على تقلصها وأداء عملها على أكمل وجه، وهناك تمرينات مفيدة للحامل قريبة الشبه تماماً بحركات الصلاة التي تجعل أربطة الحوض لينة، وخاصة في الأسابيع الأخيرة من الحمل، كما أنها تقوي عضلات البطن وتمنع الترهل، كما أنه في الأسابيع الأخيرة للحمل هناك تمرينات تشبه تماماً الركوع والسجود أثناء الصلاة، وهذه مهمة جداً لدفع الجنين خلال مساره الطبيعي في الحوض كي تتم ولادة طبيعية بإذن الله"(8).
وهذه الفوائد والمنافع التي تجنيها الحامل من صلاتها تعود عليها بالنفع أيضاً وقت الولادة، حيث تساعدها في تخطي هذه العملية بكل يسر وسهولة، وإنهائها في أقصر وقت ممكن بسبب ثقتها بنفسها وسيطرتها على جسمها، وقدرتها على التركيز طوال العملية بدلاً من الخوف والصراخ والحركات الفوضوية.
وجه الإعجاز:
رأينا في هذا البحث الفوائد العديدة للصلاة بالنسبة للحامل، وفوائد الصلاة لا تختص بالحامل بل هي تتعدى لكل من يمارس هذه العبادة العظيمة، والتي أكد عليها الإسلام، وبيّن الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- أن المسلم يؤديها على كل أحواله، فعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كانت بي بواسير فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صلاة فقال: «صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب»(10)، وكل هذا حتى لا يحرم الناس من خير الصلاة وفوائدها في الدنيا وفي الآخرة.
والحامل لم تعذر من أداء الصلاة، بل يجب عليها أداؤها في وقتها، وفي هذا مصلحة عظيمة لها، وما ذلك إلا لأن هذه الشريعة الإسلامية نزلت من لدن حكيم عليم، فمن كان يتخيل كل هذه الفوائد البدنية للصلاة بالنسبة للحامل، كل هذا يدل على صدق الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- وأن ما قاله هو وحي يوحى إليه من الخالق الحكيم
وسلمت يداكيـ
الله يجزيج الخير