وقال الآلوسي**: "وحكي عن بعض العلماء أنه قال: أنا أخاف من النساء ما لا أخاف من الشيطان، فإنه تعالى يقول: (إن كيد الشيطان كان ضعيفا) وقال تعالى للنساء: (إن كيدكن عظيم)؛ ولأن الشيطان يوسوس مسارقة، وهن يواجهن به".وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: "قوله تعالى: (إن كيدكن عظيم) هذه الآية الكريمة إذا ضُمَّت لها آية أخرى حصل بذلك بيان أن كيد النساء أعظم من كيد الشيطان، والآية المذكورة هي قوله تعالى: (إن كيد الشيطـان كان ضعيفا)؛ لأن قوله تعالى في النساء: (إن كيدكن عظيم) وقوله تعالى في الشيطان: (إن كيد الشيطـان كان ضعيفا) يدل على أن كيدهن أعظم من كيده".هذه بعض النصوص التي وقفت عليها في هذا الموضوع .. وقد شاعت هذه المقولة على ألسنة كثير من الناس استنادا إلى ما ذكر.ومع تسليمي بكيد النساء وعظمه، بدليل قوله تعالى : (إنكن صواحب يوسف) متفق عليه، إلا أنني أرى أن في هذه المقالة نظرا … وذلك من وجهين:الأول: أن قوله سبحانه: (إن كيد الشيطان كان ضعيفا) هو من إخبار الله**، وقوله حق لا شك فيه ولا ريب، ولا يحتمل التصديق أو التكذيب، بل يجب الجزم بكونه حقا صدقا لا مرية فيه، بينما قوله: (إن كيدكن عظيم) هو مما حكاه الله**على لسان العزيز في قوله سبحانه: ﴿فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾ (يوسف/28).فالقائل هنا هو العزيز، بخلاف الآية الأولى، وجائز أن يكون ما قاله العزيز حقا، وجائز أن يكون مبالغة، وجائز غير ذلك، فقد حكى الله****أقوالا كثيرة على ألسنة عدد من البشر، منها ما هو حق ومنها ما هو باطل، وقد صدّق الله**بعضها، وأبطل بعضها، وسكت عن بعضها، ومن ذلك مثلا قوله سبحانه: ﴿قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ (النمل/34).الوجه الثاني: على افتراض صحة قول العزيز، وأن الله****لم يبطل قول العزيز، وأن كيد النساء عظيم.. فلا ينبغي القول بأن كيدهن أعظم من كيد الشيطان، وذلك أن وصف كيد الشيطان بالضعف، جاء في مقابل قوة الله**، ولا شك أن كل قوة في الدنيا، وكل كيد فيها فهو ضعيف أمام قوة الله**، مهما كانت هذه القوة، فتمام الآية: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ (النساء/76).فهناك مؤمنون، والله****وليهم، وهناك كفار ووليهم الشيطان، ومهما كان كيد الشيطان فهو ضعيف.أما كيد النساء الوارد ذكره في الآية فقد جاء في مواجهة البشر، فيما بينهم، فيما كادت به امرأة العزيز يوسف**، حتى ظهر الدليل على براءته، كما قال سبحانه: ﴿فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾ (يوسف/28).ولا شك أن كيد النساء عظيم، ولعل ذلك راجع إلى ضعفهن الجسدي، وقلة حيلتهن، مما يضطرهن إلى الكيد بشتى أنواعه، فيقع الرجال ضحايا لذلك الكيد.ولكن شتان بين كيدهن وكيد الشيطان، وأحسب أن كيدهن المذموم ما هو إلا جزء من كيد الشيطان، كيف لا والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وقد كان سببا في كفر كثير من الناس بنص القرآن الكريم.. وكان سببا في المعصية وتزيينها.وأختم هذه المقالة بذكر بعض النصوص القرآنية الدالة على كيد الشيطان وسوء فعله في هذه الأمة وفي غيرها من الأمم، على اختلاف في طبيعة المزين لهم والموسوَس لهم، وعلى اختلاف في طبيعة المعصية التي زينها الشيطان، وإنما أسوقها هنا ليتضح الفرق الشاسع بين كيد الشيطان وكيد المرأة الضعيفة، وإليك بعض الآيات:يقول**:﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ (الحشر/16).﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمْ الْخَاسِرُونَ﴾ (المجادلة/19).﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَ يَبْلَى﴾ (طه/120).﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ (البقرة/36).﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ (آل عمران/155).﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ﴾ (المائدة/90،91).﴿فَلَوْلاَ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُون﴾ (الأنعام/43).﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ﴾ (الأعراف/175).﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (الأنفال/48).﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا﴾ (الإسراء/53).﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ﴾ (محمد/25).