أولاً: أساس تعليم النظام هو الحب المتبادل والاحترام؛ فالطفل يطيع عندما يحب، ويعصي عندما يكره، وهكذا فإن النظام مرتبط إلى حد بعيد بالطاعة والمحبة، وهذا ما يظهر لدى كثير من الأطفال حين يهتمون بمادة دراسية أكثر من أخرى، وما ذاك إلا بسبب حبهم للمدرس أو للمدرسة، وبالتالي هم يطمحون لنيل رضا من يحبون، وقديمًا قيل: "إن المحب لمن يحب مطيع".
إذن من المهم إرشاد الطفل إلى النظام في أي مرحلة عمرية بطريق الرفق والحنان، وقد حثَّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- على الرفق في أحاديث كثيرة منها: "إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه". وقوله -صلى الله عليه وسلم-:"إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه".
ثانيًا: كي يكون النظام واقعيًّا ومقبولاً يجب ألا يفوق قدرات الطفل، وكما تعلمين فلكل طفل قدراته المختلفة عن الآخر؛ فلا تصح المقارنة بينهم، فلكلٍ ميوله وإدراكه وإمكاناته؛ لأنك إذا كلفت طفلك باتباع نظام قاسٍ فسيعمد إلى الفوضى المريحة؛ لذلك يجب أن تكون الأوامر مناسبة لإمكانات الطفل، قال تعالى:{لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}.
انتبهي إلى الأوامر التي تصدرينها لأطفالك: هل ما زالت مناسبة للعصر الذي نحن فيه؟ فالزمن يتغير وما كان ممكنًا تطبيقه بالأمس قد يصعب تطبيقه اليوم، وخاصة أنك تعرفين أن المفاهيم الغربية تغزونا بسهولة، والموضة السائدة هي التفلت من كل رباط أو التزام.
ثالثًا: إياك أن تزعزعي مفهوم النظام في أذهان أطفالك كما يفعل بعض الأهل؛ فمرة يطلبون تطبيق نظام معين، ويهملون ذلك مرات أخرى، أو أن تطلب الأم اتباع نظام معين، بينما يخالفها الأب، وهذا الاختلاف بين أوامر الأم وأوامر الأب يخلق أضرارًا تربوية في نفسية الطفل.
رابعًا: خير وسيلة لتعويد الطفل على النظام القدوة الحسنة؛ إذ أن الطفل بطبعه يحب التقليد؛ فإعطاؤه دروسًا عملية في إطاعة النظام العام، سواء كانت أوامر إلهية أو قوانين اجتماعية يوجد فيه حب النظام. وكذلك يمكنك جعل الأكبر هو القدوة للأصغر بدون ضغط عليه طبعًا أو تحميله مسؤوليات فوق طاقته.
خامسًا: وزِّعي المهام عليهم، وكلِّفي كل واحد بما يستطيع من أعمال المنزل؛ ليتعودوا أن هذا منزلهم وهم مسؤولون عن ترتيبه ونظامه، وبالطبع يجب أن يرتبوا غرفهم قبل كل شيء، وهنا يمكنك مساعدتهم أول مرة بحيث يتعلمون أين يضعون الأشياء، وبعد ذلك يصبح بإمكانهم أن ينجزوا المهمة بدونك.
يتتبع
وعندما يخالف الطفل هذا النظام لا تكون عمليات القصاص مفيدة إذا لم يتم ربطها بالتوجيه وربط القصاص بالذنب، على أن تكون العقوبات طبعًا بمقدار الذنب، لا أن تكون تعبيرًا عن درجة انفعال الأم أو الأب بسبب أمر ما، فيقومان بإسقاط انفعالاتهما على رأس الطفل المسكين. وهذا للأسف كثيرًا ما يحدث عندما يطلب من الطفل تنفيذ الأمر دون أن يناقش وذلك من مبدأ عسكري"نفِّذ ولا تعترض".
وقد يكون السبب أنها الطريقة التي عوملنا بها في بيوتنا، أو بسبب النظم السياسية التي نشأنا في ظلِّها؛ فلا مجال للأخذ والرد مع الطفل، وإذا رفض تنفيذ الأمر فلا نسأله لماذا يرفض، بل نعاقبه فورًا، وكأننا ننتقم لأنفسنا، وبالتالي يتحول الطفل إلى منفِّذ للنظام على غير قناعة منه؛ بل لمجرد الإطاعة القسرية وخشية العقاب، وتعتمل النقمة في داخله، وتظهر فيما بعد بصور سلوكية شتى منها، وأخطرها ازدواج الشخصية, وكذلك الشخصية المضادة للمجتمع.
أحيانًا يمكن ترك الطفل ليكتشف بنفسه مساوئ عدم تطبيق النظام؛ ليفهم من ذلك أهمية تطبيقه، فمثلاً إذا كنت تعانين من أن أطفالك لا يعيدون الأشياء إلى مكانها؛ فدعيهم هم يفتشون عنها، وأعلميهم أن هذا الوقت الذي يضيع في البحث سيقتطع من وقت لعبهم وليس من وقت دراستهم، أو ابدئي بتنفيذ عقوبات صغيرة لمن يخالف نظام البيت أو يساهم في الفوضى بأي شيء تجدينه مناسبًا كاقتطاع جزء بسيط من مصروفه، أو حرمانه مما يحب كاللعب مع إخوته أو أصدقائه وهكذا…
إذن النظام يتم بالتعويد والتقليد والتوجيه، وإن في انتظامهم على الصلوات الخمس في مواعيدها بداية طيبة لتنظيم الوقت، وتنظيم الحياة أن تكون مراعاة لحقوق الله عز وجل قبل كل شيء، ثم أخذهم بالآداب الإسلامية، سواء في الطعام أو اللباس أو اختيار الأصحاب أو النوم أو أي مرفق آخر من مرافق حياتهم نظام متكامل لهم، لكن عليك أن تكوني على ثقافة جيدة؛ لأنك قد تتعرضين لأسئلة من حقهم أن يسألوها ومن واجبك أن تجيبي، مثلاً قد يحب أحد أطفالك أن يأكل وهو مستلقٍ أو متكئ؛ فيجب أن تشرحي له أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لم يكن يأكل متكئًا، واشرحي له أن ذلك مضرّ أيضًا من الناحية الصحية، وبذلك تشرحين لهم أن كل أوامر الله ورسوله هي لفائدتنا في الدنيا والآخرة.
وأنبهك يا أختي العزيزة أن الثقافة التي تغزونا في المتعة والترفيه واللهو هي خطر كبير إذا لم ننتبه له، فأولادنا إما أننا نكسبهم بتنشئتهم على الإسلام أو أننا نخسرهم؛ لأنهم سيركبون الموجة الدارجة.
بالنسبة للدراسة والالتزام يجب أن تعرفي -يا أختي- أن الواجب ثقيل على النفس البشرية، فكيف بالأطفال وحياتهم هي اللعب، واللهو، والمسرة، وانطلاق بدون قيود؟ لكن هذا لا يعني ألا نفهمهم أن الدراسة واجبهم، وإذا لم يقوموا هم بواجبهم الدراسي فهذا سيعود عليهم بالضرر آخر العام بالرسوب أو بالحصول على معدلات متوسطة أو ضعيفة، وهنا يمكنك استعمال الثواب بأن تعديهم بمكافأة بسيطة عندما تكون علامتهم جيدة، سواء في كل مادة على حدة أو بمكافأة أكبر في نهاية الفصل الدراسي أو العام الدراسي.
طبعًا لا بد أن تقومي بمساعدة الأقل ذكاء بينهم، حتى لا يحصل نوع من الغيرة؛ بسبب أن أخاه أو أخته يأخذ مكافآت أكثر، فراعي هذا دائمًا.
واعلمي يا أختي العزيزة أن المغريات التي بين أيدي أطفالنا لم تكن موجودة في زمننا عندما كنا أطفالاً؛ إذ كانت سعادتنا في التلفاز لا تتعدى ساعة أو نصف ساعة نرى فيها فيلما كرتونيا أو مسلسلا للأطفال على قناتنا المحلية، أما الآن فسياسة إلهاء الأطفال عن واجباتهم ، وتوجيههم إعلاميًّا بشكل خاطئ موجودة في أغلب القنوات الفضائية؛ ولذلك أرى ألا تسمحي لهم بمشاهدة برامج الأطفال على هواهم، دعيهم ليختاروا فيلمًا كرتونيًّا واحدًا أيام المدرسة بحيث يرونه وهم يتناولون طعام الغداء مثلاً، وبعد ذلك حثِّيهم على المذاكرة، واجعلي لهم قسطًا من الراحة بعد دراسة ساعة مثلاً أو ساعتين، وهذا يختلف باختلاف عمر الطفل وقدرته على الاستيعاب.
فعندما يطلب طفلك استراحة وتشعرين فعلاً أنه بحاجة إليها فيجب أن تمنحيه إياها؛ ليقوى على استعادة نشاطه بعد فاصل قصير. وكلامي هذا لا يعني أنني أرى التلفاز وسيلة مناسبة للترفيه حتى في أيام العطلة، بل على العكس أحبِّذ أي نوع من الألعاب عليه؛ لأنه إذا لم يكن ذا فائدة فهو مضيعة للوقت، ويجعل الطفل متلقٍّيا أكثر منه مشاركا، خاصة إذا لم ينتبه لنوع الأفلام التي يشاهدها، فأنا ما زلت أذكر ما كان يعرض من أفلام كرتون روسية فيها هذه الجملة: "لا يوجد إله.. أنت الإله.. الإنسان هو الإله"، وكذلك من ضمن أفلام الكرتون التي تشتق فكرتها من القصص العالمية فيلم "كارمن" أو "المرأة اللعوب"، وهو لا يهدف لشيء سوى أنه يشرح للطفل إمكانية أن تعيش المرأة مع أي أحد كصديق، وتنتقل من رجل لآخر بسهولة بالغة، فانتبهي لخطورة ما يبث بقصد أو بغير قصد، فإن الله سبحانه سائلنا عن أولادنا وهم من كسبنا.
بالطبع يجب أن تتابعي مع المدرسة مستواهم الدراسي وتشعريهم بذلك؛ لأن إحساسهم بأن هناك من يهتم بهم ويتابع قيامهم بواجباتهم يمنحهم دافعًا أكبر للقيام بها.
وفقك الله تعالى في تربية أولادك كما يحب ويرضى سبحانه، وجعلهم قرة عين لك ولوالدهم.
جزاك الله الخير كله و في انتظار المزيد من مواضيعك الرائعه