بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف خلق الله سيدنا ونبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
((فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)) و ماذا نقول بعد أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم و نحن نقرأ القرآن الكريم. إننا نقول بعد ذلك (( بسم الله الرحمن الرحيم)) لأن القرآن قد بدأ مفردا باسم الله .. فعندما نزل جبريل عليه السلام على رسول الله عليه الصلاة والسلام أول مرة في الغار ..قال له: اقرأ و معنى اقرأ هو أمر بأن يكون الإنسان حافظا لكلام يقرؤه أو أن يكون أمامه مكتوب ليقرأه.. و رسول الله لم يكن عنده محفوظ أو مكتوب..فلا يعرف القراءة و لا هو يعرف الكتابة فقال الرسول الكريم لجبريل: -ما أنا بقارئ .. و كان الرسول منطقيا مع نفسه و كان الحق تبارك و تعالى قد جعل جبريل قادرا على أن يحمل الرسالة التي يعلمها لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم . و كان هذا الترتيب في الحوار بين جبريل عليه والسلام و رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما أراد به أن يرد على خصوم الإسلام فيما بعد انتشار الإسلام بعد أربعة عشر قرنا… فقد قال بعض المستشرقين من أعداء دين الله : إن القرآن ليست إلا وسوسات و أحاديث نفس دارت في أعماق نفس محمد أراد الخالق الأكرم أن يوضح لنا أن ذاتية محمد تعرف حدودها و ذاتية الملك جبريل تعرف القدرات التي وهبها الله لها و هي تحمل الرسالة إلى الرسول الكريم .. قال جبريل لرسول الله : – اقرأ فيرد رسول الله : – ما أنا بقارئ إن ذلك الحوار يدلنا على أن جبريل الملك قد امتلك قدرة أمر الله للرسول بالقراءة . و لأن رسول الله لم يكن يعرف من أمر بعثة كرسول شيئاً .. و يعرف موقعه من الأمية ,,لذلك قال ( ما أنا بقارئ) إذن… فشخصية الملك جبريل الحامل للرسالة الربانية تتضح بأنه يحمل أمراً علوياً ممن لا يستعصي عليه سبب- إلى شخصية منطقية تعرف صفاتها العادية.. هكذا نرى أمام الشخصيتين كلتاهما تعرف حدود القدرات و قدرة الله المطلقة التي لا تقف أمامها قيود و لا حدود.. و قدرة الرسول التي يعرفها عن نفسه. و يتابع جبريل حمل الأمر الإلهي لرسول الله . ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ, خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ , اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ , الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ , عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ )) هكذا نعرف آفاق من يعلم الرسول القراءة إنه يتعلم القراءة باسم الله القادر على خلق الإنسان من عدم القادر على أن يجعل محمداً رسولاً القادر على أن يعلمه ما لم يتعلمه بشر و لم يتعلمه محمد من البشر. هكذا نتعرف على أن الرسول تعرف في ذلك اللقاء على أنه يتلقى وحياً من الذي لا حدود لقدرته فيقول له الحق بلسان جبريل: -اقرأ باسم ربك الذي خلق إن التعلم الآن هم من لدن من في استطاعته أن يقول كن فيكون.. و هكذا كان القرآن مبتدأ باسم الله.. و لذلك فنحن نتلوه باسم الله و لهذا فإن ((بسم الله الرحمن الرحيم)) علينا أن نأخذها من زاويتين : الزاوية الأولى هي زاوية نلحظها في لغة البشر فإذا تكلم إنسان في أمر من الأمور إلى الإنسان الآخر, يريد إقناعه بذلك الأمر بأن ينفذه..فإن الإنسان الذي يتلقى الأمر يتساءل: – باسم من تتكلم أنت معي؟ فقد يقول الإنسان صاحب الرأي الذي يريد أن يقنع به من أمامه: – أنا أتكلم باسم الحاكم أو باسم وكيل النيابة. إذن هناك صفة ما يحملها الإنسان صاحب الرأي ليقنع آخر بأن ينفذ ما يقوله له… فإذا اقتنع الإنسان بمكانه الرأي و بتقدير من أرسل هذا الرأي إليه فإن الإنسان يسلم بما اقتنع به. فما بالنا بالقرآن المنزل من عند الله .. منحنا الكون كله و استخلفنا الله فيه.. فأصبح الإنسان خليفة الله في الأرض.. الفلاح- على سبيل المثال- لم يخلق الأرض و لا يعرف غالبا عدد العناصر التي فيها. و البذور – التي يضعها في الأرض غير مخلوقة بواسطة الفلاح, و المياه التي تنزل من السماء أو تجري في الأنهار.. تعطي الفلاح الفرصة ليزرع.. هذا الفلاح يضيف عمله إلى الأرض بالحراثه.. و يضع البذور في الأرض و يروي النبات في مواعيد محدده.. فيعطيه الله الرزق الوفير. لماذا؟ لأنه أقبل على المادة المخلوقة له باسم الله ..و استقبل الخير شاكراً لله.. و بدأ عمله باسم الله.. إن الفلاح حين يبدأ عمله باسم الله فإنه يعرف أن طاقته ممنوحة له من الله, و الأرض ممنوحة له من الله ..و البذور ممنوحة له من الله .. و النبات هو حصاد جهد الطاقة التي منحها الله في الأرض التي خلقها الله. إن الإنسان عموماً إذا أقبل على أي عمل من الأعمال فعليه أن يتساءل: ما الذي يجعل هذا العمل ينفعل لي؟ لا طاقة تجعل عملا من الأعمال تنفعل للإنسان إلا بإرادة الله.. لذلك فعندما يقول الإنسان: إنني أفعل ذلك باسم الله الذي سخر لي كل ما حولي لأقوم بذلك العمل..فإن الله يسخر الإنسان و يسهل له القيام بالعمل.. يسخر له ما ليس لقدرته عليه سلطان. و لا يدخل في استطاعته الإنسان السيطرة عليه.. إن اسم الله الذي يفتتح به المؤمن أي عمل هو إيمان متجرد و يقين حي, يحقق السيادة للإنسان باسم من استخلفه في الأرض… فليس في استطاعته أحد أن يجعل الشمس تشرق و لا في استطاعة أحد أن يظهر لنا القمر في غير ميعاد.. و لا أحد يستطيع أن يتحكم حتى حركته أو جسده إلا بالروح التي نفخها الله فيه. فإذا ما استقبل الإنسان كل عمل و كل حركة بقول ((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ) فإن المنافع تعود على الإنسان ببركة هذا الاسم الذي خلق الكون و سخره للإنسان. ما الفرق بين أن يقول الإنسان المؤمن ((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)) في بداية كل عمل.. و بين الكافر الذي لا يقول باسم الله .. و مع ذلك فالأعمال أيضا تعطي ثمارها للكافر و المؤمن سواء.. الإجابة هي : إن الفرق بين المؤمن و الكافر…فرق واضح إن المؤمن يثق بأن الله سخر له العمل .. فيطمئن و هو يؤدي العمل.. إن المؤمن يعمل و في باله الاطمئنان .. و الإحساس الأمان و أن الخير لا يجيء في الدنيا و حدها .. إن الخير يجيء في الدنيا و يثاب عليه المرء في الآخرة .. أما الكافر فقد يقوم بالعمل و قد بفشل فيه..و يرث القلق على العمل و لا يأتيه الثواب على العمل في الآخرة.. لذلك فنحن أيضا عندما نحمد الله بعد العمل.. فإننا نؤكد الصلة و الثقة بأن الله هو الذي أعطانا فلا يدخلنا غرور أو زهو..إنما يحس الإنسان بفضل الله.. إذن.. فعندما يفعل المؤمن أي شيء بـــ ( بسم الله الرحمن الرحيم) فهذا يعني أن المؤمن يدخل على العمل لا حول ولا قوة له..إنما يدخل على العمل المسخر له باسم الله .. و لو لم يسخر الله هذا العمل للمؤمن لما استطاع المؤمن أن يتفاعل مع عمله بإتقان و لم أعطاه الله من خير علمه بجزاء في الدنيا و بجزاء الآخرة . و لقد قلت من قبل…إن الأنعام التي سخرها الله لنا عندما نتأمل رحلة استئناسها, نجد العجب ..الإنسان استأنس الجمل و الفيل و لكنه لم يستطع أن يستأنس الثعبان مثلا… إن الله قد ترك في الكون بعض المخلوقات منطلقة لا يستطيع الإنسان استئناسها حتى يعلم الإنسان أن كل ما ذللــه له الله إنما هو مذلل للإنسان بإرادة الخالق. ((أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ)) كأن الله قد ترك بعض الوحوش بغير استئناس حتى يعلم الإنسان فضل الله عليه في استئناس بعض الحيوانات..و ذلك حتى لا يغتر الإنسان.. فإذا أقبل على العمل قائلا ( بسم الله الرحمن الرحيم) فهو يحس إن كل شيء منفعل له باسم الله الخالق الذي خلق كل شيء… أما الكافر فقد يأخذ عائد العمل و قد لا يأخذ , و لكنه لا يحس باليقين الإيماني الذي يحس به المؤمن. إن المؤمن يعرف أن الحق أطلق في الكون نواميس و قوانين هو الذي يحدد لها نظامها,, وقد يخرق الله القوانين و النواميس ليتبين الإنسان أن الله هو واضع القوانين و هو القادر على إيقافها و التحكم بها. لكن الإنسان إذا ما فعل شيئا لا يملك السيطرة عليها.. مثال ذلك المطر.. قد ينزل في مواعيد ثابتة في بعض البلاد .. و لكن قد يأتي وقت و تصاب هذه المناطق بالجفاف.. و ذلك حتى يتذكر الإنسان عموم قدرة الله في المنح و المنع.. هكذا نعرف كلمة (بسم الله الرحمن الرحيم) و لها مدلول في الكون ..إنها اعتراف من العبد المؤمن بأن الله هو مالك الأسباب..عليه نعتمد و نعمر الكون , و هو مالك القوانين ’ المسيطر على كل شيء . و لنضرب مثلا آخر.. إننا نرى البشر عندما يتزوجون ,,فقد يهب الله للزوجين بنين و بنات. و قد يهب للبعض ذكوراً فقد. و قد يهب للبعض إناثاً فقد. و قد يجعل البعض عقيماً. و يصور الله جلت قدرته هذا الأمر في قوله تعالى : ((لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ, أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)) و هكذا يوضح لنا الحق ناموسه في الخلق . إنه الذي يأمر بالتزاوج , و هو الذي يجعل ثمار هذا التزاوج أطفالاً من الإناث أو أطفالا من الإناث و الذكور أو من الذكور فقط أو يجعل من يشاء عقيماً. و يوضح لنا القرآن الكريم: بالأمثال أن الله قد يخرق النواميس. فها هي ذي قصة النبي زكريا.. الذي بلغ الكبر و تقدم به العمر و امرأته عاقر فيهب الله لهما ابناً و هو يحي . و ها هي ذي قصة السيدة مريم العذراء التي كفلها زكريا و معنى كفلها أي أنه كان المسؤول عن رعايتها و طعامها و شرابها. و دخل عليها النبي زكريا ذات مره, فوجد عندها بعض الرزق فسألها ( أنى لك هذا) أجابت ((قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ)) و كأن الله لا يضرب لنا المثل بخرق الناموس في مسألة عطاء النبي زكريا ابناً إلا ليعلمنا إنه قادر. و كأن الحق سبحانه و تعالى عندما جعل النبي زكريا يسأل مريم البتول عن الرزق الذي وجده عندها.. إنما ليعلمنا كيف نصون أنفسنا من أي شيء لا يأتي من عند الله ..ذلك أن فساد أي مجتمع يأتي من عدم سؤال الحاكم فيه للمحكومين ( من أين لكم هذا؟) ينطبق ذلك على الأسرة الصغيرة و المجتمع الكبير. فإذا ما سأل الأب ابنه عن أي شيء جديد لا يملكه الابن و لم يشتره له الأب و قال الأب للابن: – من أين لك هذا؟ فإن على الابن أن يعلم أن هناك رقيباً عليه فلا يسلك طريق الشر لينال به بعض الخير لنفسه و يعطي المجتمع شرور العمل..و الأم عندما ترى ابنتها ترتدي شيئا ليس من استطاعتها شراؤه فإن عليها أن تسأل ابنتها ( من أين لك هذا؟) إن الأم عليها أن تعلم ابنتها أنه يجب على الإنسان ألا يعيش إلا في حدود شرفه و ناتج عمله. و الزوجة عندما تسأل الزوج عن المال الذي يأتي به..و هل هو من حلال أو حرام..فإنها تذكر الزوج بأن المال الذي يجب أن يدخل البيت لا بد أن يكون حلال المصدر.. عندئذ لا يندفع الزوج إلى ما يغضب الله. إن فساد المجتمع إنما يأتي من تعطيل : من أين لك هذا؟ و نعود إلى استيعاب المغزى الإيماني من إيضاح الله لقدرته .. وهب الله نبيه زكريا طفلاً و بلغ منه الكبر عتياً و كانت امرأته عاقراً. و يدخل نبي الله زكريا على مريم البتول في المحراب فيجد عندها الطيب من الرزق فيسألها ((قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا)) فتجيب ((قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ)) و الترتيب القرآني يوضح أن زكريا نبي الله عندما سمع ذلك القول من مريم دعا ربه أن يهبه غلاما و ينال النبي زكريا ما تمنى و يهبه الله الغلام و يسميه يحي و لنتأمل الترتيب القرآني في تلك المسألة ((إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ, فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)) إننا نفهم من الترتيب القرآني أن أم مريم-
تابع
من كتاب الطريق إلى القرآن محمد متولى الشعرواي
بارك الله فيك
وجزاك الله خيرا
جعله الله في ميزان حسناتك