استوقفني الحديث الصحيح
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
(بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمس: شَهَادة أنْ لا إلـه إلا الله وأَنْ محمدًا رَسُول الله، وإقام الصلاةِ وإيتاءُ الزَكـَاةِ، وصَوْمُ رَمَضَــان، وحَجُ البيْتِ).
ولفت نظري أن يكون الحج أحد هذه الأسس الخمس التي يبنى عليها الإسلام!! وهو عبادة لا يكلف بها المسلم أو المسلمة إلا مرة واحدة في العمر،
وهي لمن استطاع..
أي أن هناك ملايين من المسلمين على مر العصور لا يتمكنون من أداء هذه الفريضة
فلماذا يختار الله عز وجل هذه العبادة ليجعلها أساسًا من أسس هذا الدين؟؟!!
رأيت أن الحج لا بد أن يكون له تأثيره على حياة الإنسان بكاملها في الأرض، وأن هناك فوائد تتحقق من أداء هذه الفريضة في حياة الإنسان الذي أداها كلها.
وكذلك فقد شرع الله لمن
لم يشهد الحج بعض الأمور
التي تجعلنا نحيا في نفس جو الحجاج، ونتنسم معهم نسمات الحج،
ولتتأمل معي حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:
(ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر -أي عشر ذي الحجة-، قالوا يا رسول: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء).
هذه الأيام العشر من ذي الحجة هي الفرصة لكل المؤمنين في الأرض.. مما يعني أننا يجب أن نستغل هذه الأيام خير استغلال حتى نكون كمن حج تمـامًا.
وهذه بعض الأعمال التي يمكن تحصيل الأجر بها إن شاء الله رب العالمين:
1 – الصيام:
يجب أن يحرص كل مسلم على صيام التسع أيام الأول من ذي الحجة، وبخاصة يوم (عرفة)؛ لأن صيامه يكفر ذنوب سنتين كاملتين: سنة ماضية وسنة مستقبلة،
كما روى مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه؛ ويجب أن نعلم أن الله يغفر ذنوب الحجاج جميعًا، ويعتق رقاب الكثيرين من خلقه في ذلك اليوم المبارك (يوم عرفة)..
روى مسلم عن السيدة عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(ما من يوم أكثر من أن يعتق فيـه عبدًا من النار من يوم عرفة)،
فالحاج سيكفر الله له ذنوبه في عرفة، وغير الحجاج الصائمين في يوم (عرفة) سيغفر الله تعالى لهم ذنوبهم وهم في بلادهم على بعد أميال من مكة!! أي نعمة وأي فضل أعظم من ذلك؟؟
2 – صلاة الجمـاعة:
فالحفاظ على صلاة الجماعة بالنسبة للرجال، والصلاة على أول وقتها بالنسبة للنساء يجب أن يكون حال المسلم طوال العام، ولكن للشيطان أوقات يتغلب فيها على ابن آدم فيحرمه من الأجر والثواب العظيم، ومن فضل الله تعالى ورحمته أن جعل للمؤمنين مواسم يشتاق فيها المرء للعبادة، مثل (شهر رمضان)، (والعشر الأوائل من ذي الحجة)..
وهانحن تتوفر لنا فرصة رائعة ونحن في بلادنا.. فلا يتعلل المرء بأنه لا يستطيع الحج في حين أنه في كل مرة يذهب فيها للمسجد أو يرجع منه يَعَدّ الله سبحانه له بيتًا في الجنة.
3 – الإكثار من صلاة النوافل:
للحجاج بالطبع فرصة عظيمة في تحصيل الأجر من الصلاة في المسجد الحرام، والمسجد النبوي؛
لكن الله سبحانه وتعالى لم يحرم من لم يحج من فرصة زيادة الحسنات عن طريق صلاة النافلة.. وأنت في بلدك وفي بيتك.. ذلك إذا استشعرت أنك كالحاج تمامًا في هذه الأيام العشر، فالحاج في مكة لا يضيع وقته؛ لأن كل صلاة يصليها بمائة ألف صلاة.. وكذلك أنت يجب ألا تضيع وقتك في هذه الأيام، وستجد أبوابًا للحسنات لا يمكنك حصرها:
أ – قيام الليل:
وهو من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه عز وجل، وقيام الليل في هذه الأيام له وضع خاص وأجر خاص..
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له)
ماذا يريد العبد أكثر من ذلك؟؟!
الله سبحانه وتعالى يتودد إلى عباده ويطلب منهم أن يسألوه حاجاتهم..
كل حاجاتهم، ويَعِدُهم بالإجابة سبحانه!!.
ب – السنن الرواتب:
في صحيح مسلمٍ عن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعًا غير الفريضة إلا بنى الله له بيتًا في الجنة).
12 ركعة.. ركعتان قبل الفجر،
وأربع ركعات قبل الظهر وركعتان بعده،
وركعتان بعد المغرب،
وركعتان بعد العشاء..
فرب العزة سبحانه وتعالى يعدك ببيت في الجنة التي وصفها فقال:
(عرضها السماوات والأرض)
!!! لذلك فإنني أقول إن المسألة مسألة إيمان ويقين في وعد الله تبارك وتعالى، فلا يفرط إنسان عاقل في هذه الفرص.
وغير ذلك من السنن والنوافل:
صلاة الضحى،
سنة الوضوء،
صلاة الاستخارة، وغيرها
.. فلتجعل من هذه العشر هجرة كاملة لله عز وجل.
4 – ذكر الله عز وجل:
والذكر في هذه الأيام له وضع خاص جدًّا، يقول الله سبحانه وتعالى:
(واذكروا الله في أيام معدودات)
أي هذه العشر؛ وقال ابن عباس في قوله تعالى: )
(ويذكروا اسم الله في أيام معلومات
هي الأيام العشر؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (سبق المفردون)، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال:
(الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات).
وكل أنواع الذكر محمودة ومطلوبة، لكن في هذه الأيام يكون هناك خصوصية لبعض
الأذكار، ومنها: التهليل، والتكبير، والتحميد؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه أحمد عن ابن عمر رضي:
(ما من أيام أعظم عند الله تعالى ولا أحب إلى من العمل فيهن من هذه الأيام العشر.. فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد).
وكذلك فإن للاستغفار في هذه الأيام حضور ومكانة كبيرة؛ إذ تشعر أن الجو العام في هذه الأيام هو جو الرحمة والمغفرة والتوبة، فهذه الأيام فرصة للاستغفار والتوبة إلى الله تعالى بصيغ الاستغفار المتعددة.. وتذكر دائمًا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله).
5 – الـدعـاء:
وقد رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا من قيمة الدعاء، فقال:
(الدعاء هو العبادة)،
ويقول الله سبحانه وتعالى:
(وقال ربكم ادعوني أستجب لكم)،
وإذا كان للحجاج فرص عظيمة لاستجابة الدعاء: في مكة، وفي الطواف، وعند رمي الجمرات.. وغيرها.
فإننا لدى غير الحاج فرص كثيرة أيضًا، منها: الثلث الأخير من الليل،
وعند السجود،
وفيه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: )
(أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا فيه من الدعاء.
وعلى أية حـال فإن الدعاء يكون في كل حال، وفي أي وقت، والأيام العشر كلها أيام عظيمة مباركة.
منقـــــــــــــــول