يمشي على يديه حافيا دون قفازات **سريع الحركة كمن يمشي على يديه **فأثارني منظره حتى استفز ما يمكن بأعماقي من شفقة على الغلابة والمقهورين في هذا الفضاء الواسع من حركة الحياة **تقدمت منه بشغف أتتبع خطاي الغير واثقة بسبب الدهشة **وقف على يديه و استند بباطن قدميه على الحائط و أخذت أحدق به وهو يقرأ الصحيفة المقلوبة على الأرض أمامه **دفعني الفضول الكامن في ثناياي لأساله : لماذا تمشي وتقف على يديك ؟ فقال بحسرة : لا استطيع المشي على قدميّّّّ هكذا أنا منذ زمن بعيد **فقلت بشغف : ألا يتعبك المشي بهذه الطريقة المقلوبة؟ فقال: لا **أنا مرتاح هكذا **و أرى الدنيا معتدلة **ولو مشيت على قدميّ فسأرى الدنيا مقلوبة **وجدت كلامه يجرجرني إلى خيالات بعيدة خارج حدود الذاكرة المليئة بأحداث تغرق في حاضري المبتور **بدأت في تصور الدنيا و رأسي للأسفل و قدماي للأعلى في مهب الريح **قلت لي متمتما : ربما هو مصيب **و لكن من الأجدى قلب الدنيا لتعتدل بدل المشي بالمقلوب أنا لا استطيع قلب الدنيا وحدي لا بد من مشاركة الكل نعم **إنها مهمة جماعية و إلا الفناء الهلاك اقتربت منه أكثر فأكثر فازدادت دهشتي **فكل شيء معكوس في وضعيته هذه : أمامه ورائي **وراءه أمامي **فوقه تحتي **تحته فوقي **يمينه يساري **يساره يميني **شيء يحار به العقل غمغمت : إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك تركني وقطع الشارع مسرعا وسط ازدحام المارة و العربات **وقف بالقرب من بائع أطعمة سريعة **اتكأ على يد واحدة وقدمه على الحائط و اخرج بيده الأخرى قطعة نقود وابتاع ساندويتش **اخذ يأكله بنهم شديد و كأنه في شوق للطعام مثل أشعب **حدقت بثيابه المتسخة و المرصعة ببقع الزيت **و أسنانه الصفراء المتباعدة و المائلة قليلا للخارج فبدت و كأنها تتأهب للقفز من فمه **و عيناه تشعان بنداء مبهم **طلبت من بعض الفتية أن يوقفوه على قدميه واستجابوا لطلبي و أوقفوه رغما عنه **اخذ يمشي و يترنح كالسكارى **و تقيء ما بداخله من طعام حتى سقط أرضا **اخذ يصرخ ويزعق : اتركوني لا استطع المشي على الأقدام **أنتم قتلة **تريدون قتلي **دخيل الله فبدا و قدماه في الهواء كأنه معلق كالذبيحة عند الجزار و وجهه كوجه الجندي المهزو عجبت بات واضحا انه أصيب بالغثيان والهوس **و كأنه خلق للمشي على يديه عدت بعد عدة أيام إلى نفس المكان **وجدته مكانه كما هو **كأنه أبو الهول **قلت له بغيظ شديد: إن الله خلق الأقدام كي نمشي عليها باعتدال و رأسنا عالية في الهواء حتى تناطح السحاب **فلماذا لا تعّود نفسك المشي معتدلا فأجاب بحنق بالغ : لكن الله لم يخلق الدنيا مقلوبة **إنما أبدعها معتدلة **ضجرت حتى صرخت به : عَدلّها يا أخي **و لكن مثلك سيعّدلها بقدميه أم بيديه؟ أمرك غريب يا معكوس **تركني بسرعة خاطفة و انسل بين جموع المارة و ضرب بباطن قدمه شخصا أصلع على قفاه ولطم وجهه **أو ما يقابل الكف عند عالم المشي على الأقدام **و عاد كالمنتصر يتبختر على يديه بهدوء وتؤدة كالطاووس بابتسامة عريضة تملأ تقاسيم وجهه المغبر و قال : لقد انتقمت منه **انه سارق **فسألته : ماذا سرق منك ؟ أجاب : سرق مني رغيف وأنا نائم **انه بخيل وقح رنت في أذني كلمة نائم **و وجدتني أفكر في الطريقة التي ينام بها هذا المخلوق المقلوب **فسألته عن كيفية نومه فأجاب : أضع رأسي على الأرض حافيا دون طاقية و قدماي عالية في السماء و أغط في النوم حتى الصباح **حقا إن أمره عجيب **حتى نومه غريب **لقد خلق الله الرأس ورفعه عاليا كي نفكر به **ولم يخلقه في الأسفل كي يحمل ثقل الجسم كله **ولكن يا ترى هل يرى السماء فوق أم تحت ؟ هذا إن كان يرى السماء حين سألته كيف يشاهد التلفزيون أفادني بأنه لا يشاهده إنما يسمعه فقط لضعف معدته و عدم قدرتها على تحمل الأخبار الناشفة **و يكره الناشف من الصور **اقتربت الشمس من أصيلها **تركته عائدا للبيت مع مرور الزمن أخذت قدماه تزداد ضعفا و نحافة بسبب عدم استعماله لها و أصبحت كل قدم مثل الإصبع ويمكن إدخالها في الخاتم ولكنه غير معني بهذا فهي لا تلزمه و لم يعد بحاجة إليها **ولكن ماذا لو مشى كل الناس على أيديهم؟ هل ستتغير الدنيا؟ و لو تغيرت الدنيا بقدرة قادر أو ضربة حظ **وأصبحت معتدلة **فكيف سيمشي الناس على أقدامهم من جديد؟
حبيبتي معروفه بكدشها لماذا تتعمدين ذالك