المقلوب -قصة جميلة 2024.

المقلوب

خليجية

يمشي على يديه حافيا دون قفازات **سريع الحركة كمن يمشي على يديه **فأثارني منظره حتى استفز ما يمكن بأعماقي من شفقة على الغلابة والمقهورين في هذا الفضاء الواسع من حركة الحياة **تقدمت منه بشغف أتتبع خطاي الغير واثقة بسبب الدهشة **وقف على يديه و استند بباطن قدميه على الحائط و أخذت أحدق به وهو يقرأ الصحيفة المقلوبة على الأرض أمامه **دفعني الفضول الكامن في ثناياي لأساله : لماذا تمشي وتقف على يديك ؟ فقال بحسرة : لا استطيع المشي على قدميّّّّ هكذا أنا منذ زمن بعيد **فقلت بشغف : ألا يتعبك المشي بهذه الطريقة المقلوبة؟ فقال: لا **أنا مرتاح هكذا **و أرى الدنيا معتدلة **ولو مشيت على قدميّ فسأرى الدنيا مقلوبة **وجدت كلامه يجرجرني إلى خيالات بعيدة خارج حدود الذاكرة المليئة بأحداث تغرق في حاضري المبتور **بدأت في تصور الدنيا و رأسي للأسفل و قدماي للأعلى في مهب الريح **قلت لي متمتما : ربما هو مصيب **و لكن من الأجدى قلب الدنيا لتعتدل بدل المشي بالمقلوب أنا لا استطيع قلب الدنيا وحدي لا بد من مشاركة الكل نعم **إنها مهمة جماعية و إلا الفناء الهلاك اقتربت منه أكثر فأكثر فازدادت دهشتي **فكل شيء معكوس في وضعيته هذه : أمامه ورائي **وراءه أمامي **فوقه تحتي **تحته فوقي **يمينه يساري **يساره يميني **شيء يحار به العقل غمغمت : إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك تركني وقطع الشارع مسرعا وسط ازدحام المارة و العربات **وقف بالقرب من بائع أطعمة سريعة **اتكأ على يد واحدة وقدمه على الحائط و اخرج بيده الأخرى قطعة نقود وابتاع ساندويتش **اخذ يأكله بنهم شديد و كأنه في شوق للطعام مثل أشعب **حدقت بثيابه المتسخة و المرصعة ببقع الزيت **و أسنانه الصفراء المتباعدة و المائلة قليلا للخارج فبدت و كأنها تتأهب للقفز من فمه **و عيناه تشعان بنداء مبهم **طلبت من بعض الفتية أن يوقفوه على قدميه واستجابوا لطلبي و أوقفوه رغما عنه **اخذ يمشي و يترنح كالسكارى **و تقيء ما بداخله من طعام حتى سقط أرضا **اخذ يصرخ ويزعق : اتركوني لا استطع المشي على الأقدام **أنتم قتلة **تريدون قتلي **دخيل الله فبدا و قدماه في الهواء كأنه معلق كالذبيحة عند الجزار و وجهه كوجه الجندي المهزو عجبت بات واضحا انه أصيب بالغثيان والهوس **و كأنه خلق للمشي على يديه عدت بعد عدة أيام إلى نفس المكان **وجدته مكانه كما هو **كأنه أبو الهول **قلت له بغيظ شديد: إن الله خلق الأقدام كي نمشي عليها باعتدال و رأسنا عالية في الهواء حتى تناطح السحاب **فلماذا لا تعّود نفسك المشي معتدلا فأجاب بحنق بالغ : لكن الله لم يخلق الدنيا مقلوبة **إنما أبدعها معتدلة **ضجرت حتى صرخت به : عَدلّها يا أخي **و لكن مثلك سيعّدلها بقدميه أم بيديه؟ أمرك غريب يا معكوس **تركني بسرعة خاطفة و انسل بين جموع المارة و ضرب بباطن قدمه شخصا أصلع على قفاه ولطم وجهه **أو ما يقابل الكف عند عالم المشي على الأقدام **و عاد كالمنتصر يتبختر على يديه بهدوء وتؤدة كالطاووس بابتسامة عريضة تملأ تقاسيم وجهه المغبر و قال : لقد انتقمت منه **انه سارق **فسألته : ماذا سرق منك ؟ أجاب : سرق مني رغيف وأنا نائم **انه بخيل وقح رنت في أذني كلمة نائم **و وجدتني أفكر في الطريقة التي ينام بها هذا المخلوق المقلوب **فسألته عن كيفية نومه فأجاب : أضع رأسي على الأرض حافيا دون طاقية و قدماي عالية في السماء و أغط في النوم حتى الصباح **حقا إن أمره عجيب **حتى نومه غريب **لقد خلق الله الرأس ورفعه عاليا كي نفكر به **ولم يخلقه في الأسفل كي يحمل ثقل الجسم كله **ولكن يا ترى هل يرى السماء فوق أم تحت ؟ هذا إن كان يرى السماء حين سألته كيف يشاهد التلفزيون أفادني بأنه لا يشاهده إنما يسمعه فقط لضعف معدته و عدم قدرتها على تحمل الأخبار الناشفة **و يكره الناشف من الصور **اقتربت الشمس من أصيلها **تركته عائدا للبيت مع مرور الزمن أخذت قدماه تزداد ضعفا و نحافة بسبب عدم استعماله لها و أصبحت كل قدم مثل الإصبع ويمكن إدخالها في الخاتم ولكنه غير معني بهذا فهي لا تلزمه و لم يعد بحاجة إليها **ولكن ماذا لو مشى كل الناس على أيديهم؟ هل ستتغير الدنيا؟ و لو تغيرت الدنيا بقدرة قادر أو ضربة حظ **وأصبحت معتدلة **فكيف سيمشي الناس على أقدامهم من جديد؟

بارك الله فيك
يمنع طرح اكثر من قصه في اليوم يغلق
حبيبتي معروفه بكدشها لماذا تتعمدين ذالك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.