تفسير سورة المائدة من الشريعة 2024.

تفسير سورة المائدة

تفسير سورة المائـــــــــــــــــدة

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيات 1 ـ 2

( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ، أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلى الصيد وأنتم حرم ، إن الله يحكم ما يريد * يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد ولآ آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا ، وإذا حللتم فاصطادوا ، ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا ، وتعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ، واتقوا الله ، إن الله شديد العقاب )

العقود : العهود
والمقصود ما أحل الله وما حرم وما فرض وما نهى ( أى الطاعة )
ويأمر بطاعة الله فى " عهد الله وعقد الحلف وعقد الشركة والبيع والنكاح واليمين "

ولا تحلوا شعائر الله التى حرم
ولا تحلوا القتال والمحارم فى الشهر الحرام ويجب تعظيمه
( ولا الهدى ولا القلائد ) : لا تمتنعوا عن الإهداء بأنعام إلى البيت الحرام فتعظيمه من تعظيم الشعائر
ولا تتركوا تعليقها فى أعناقها لتتميز عن باقى الأنعام ليعلم أنها هدى إلى الكعبة ولا يتعدى عليها أحد بسوء
( ولا آمين البيت الحرام ) : من دخل البيت الحرام كان آمنا فلا تقاتلوا فيه
( يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا ) : وأيضا لا تعتدوا على من دخل البيت الحرام يطلب فضل الله ورضوانه فلا تمنعوهم ولا تصدوهم
( وإذا حللتم فاصطادوا ) : إذا انتهيتم من الإحرام يباح لكم ما حرم عليكم ومنها الصيد

ولا تجعلوا كرهكم لمن كانوا يتعرضون لكم ليمنعوكم من دخول المسجد الحرام أن تعتدوا عليهم وتقتصوا منهم ظلما وعدوان ولكن احكموا بالعدل
ويأمر الله المؤمنين بأن يتعاونوا على البر والتقوى وينهاهم عن أن ينصر بعضهم بعضا ظلما وعدوانا لأن الله شديد العقاب

الآية 3

( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة ومآ أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ، ذلكم فسق ، اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون ، اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا ، فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم )

ينهانا الله عن أكل الميتة إلا السمك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن ماء البحر : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته "
لأن ملوحة ماء البحر الشديدة تمنع تحلل الميته فيه وتمنع فساده فهو طاهر

ونهانا عن أكل الدم المسفوح مثل دم الترسة
وينهى عن أكل لحم الخنزير لأنه يعيش على الجيفة

وينهى عن ( وما أهل به لغير الله ) : كل ما ذكر عند ذبحه اسم غير الله
والمنخنقة : وهو ما مات بالخنق
و الموقوذة : وهى ما تضرب بشئ ثقيل فتموت
والمتردية : وهى ما ماتت بسبب وقوعها من مكان مرتفع
والنطيحة : وهى ما ماتت بسبب نطح أغنام أخرى لها
وما أكل السبع : وهى ما هجم عليها سبع أو نمر أو فهد وأكل جزء منها فالباقى حرام تناوله
( إلا ما ذكيتم ) : أى ما يمكن ذبحه لأن ما زالت به حياة ولم يمت

وما ذبح على النصب : النصب هى حجارة وكان عددها 360 وكان العرب فى الجاهلية يذبحون عندها ويلطخون بالدم ما هو مواجه للكعبة ويطرحون اللحم عليها ، فنهى الله عن ذلك الفعل وحرم أكل اللحوم التى تنشر عليها ولو كانت ذكر اسم الله عليها لأن ذلك شرك مع الله بالنصب

ونهى الله عن ( وأن تستقسموا بالأزلام ) : جمع زلم وهى عبارة عن ثلاثة أقداح مكتوب عليها أفعل والثانى لاتفعل والثالث ليس عليه شئ وعند الإستخارة يضربون هذه الأزلام وما طلع منها واحدا فعل أو لا والغير مكتوب تعاد المحاولة ( مثل القرعة للفعل أم لا ) لأن الشخص يوقف سعيه ويستشير هذه الأقداح وهذا من الشرك
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون فى جزيرة العرب ولكن بالتحريش بينهم "
وهذا فى معنى قوله تعالى ( اليوم يئس الذين كفروا من دينكم ) .. وينطبق على سائر الكفار
ويقول تعالى لا تخشوا ما يفعله الكفار ولا تخضعوا لهم والحق أن تخشوا الله تعالى ( فلا تخشوهم واخشونى )

ويقول لقد رضيت لكم الإسلام دينا وأكملت لكم الدين برسالة محمد صلى الله عليه وسلم فارضوه لأنفسكم
ومن احتاج لشئ مما حرم الله مضطرا وإلا الموت فله تناوله مادام لا يحاول بذلك معصية الله والله غفور رحيم لمن اضطر

جزاك الله خير ..في ميزان حسناتك انشاء الله
الآية 4

( يسئلونك ماذا أحل لهم ، قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله ، فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه ، واتقوا الله ، إن الله سريع الحساب )
بعد أن نزلت آية التحريم لبعض المأكولات والخبائث الضارة سأل بعض الناس عن أشياء هل هى حلال أم حرام مثل شرب البول للتداوى ، والطين وقيل أن هذه ليست من الطيبات ونزلت الآية ( قل أحل لكم الطيبات )

أى أحل لكم الطيبات من الرزق وما ذكر اسم الله عليه
وأحل لكم ما تم اصطياده بالجوارح كالكلاب والصقور والفهود وغيرها مما يستخدم للصيد
وكلمة جارح أى ما يكسب من صيد بواسطتها

( مكلبين ) : مكلب للصيد أى تقتنص بالمخالب
( تعلمونهن مما علمكم الله ) : أى تدربوا الجارح للصيد لكم وليس أقتناص لنفسه
( فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه ) : مادام الجارح معلم أنه يمسك لك بالصيد فاذكر اسم الله عليه وتناوله حلالا
ويأمر الله بتقواه فى الطاعة
الآية 5

( اليوم أحل لكم الطيبات ، وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم ، والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذى أخدان ، ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله ، وهو فى الآخرة من الخاسرين )

يقول تعالى : بالنسبة لطعام اليهود والنصارى فإنه حلال ( ويقصد هنا الطعام بما تم ذبحه بأيديهم حيث أنهم يذكرون اسم الله ولكنهم يخالفون فى صفته )

وسبب نزول الآية أن الصحابى عبد الله بن مغفل قال : أدلى بجراب من شحم يوم خيبر فحضنته وقلت : لا أعطى اليوم من هذا أحد والتفت فإذا النبى يبتسم …فنزلت الآية
وكذلك ذبائح المسلمين حلال لهم
ثم ينتقل إلى التزوج من الحرائر من النساء ( المحصنات أى العفيفة ) ليمهد للقول عن ذلك بالنسبة للزواج من حرائر أهل الكتاب
فيحل الله الزواج منهن وهذا لا يعارض النهى عن الزواج بالمشركات

ويعتنى بأن يرشد إلى إعطائهن ( أجورهن ) مهورهن و البعد عن الزنا
( غير مسافحين )
(ولا متخذى أخدان ) أى لا تتخذوا عشيقات

الآية 6

( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ، وإن كنتم جنبا فاطهروا ، وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ، ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون )

يعلمنا الله الوضوءقبل الصلاةفيقول :

* قمتم إلى الصلاة تدل على وجوب النية للوضوء
* غسل الوجه … ويستحب غسل اليدين جيدا ثم المضمضة والإستنشاق ثلاثا مثل ما فعل النبى صلى الله عليه وسلم

وحد الوجه هو ما بين منبت الشعر للرأس حتى الذقن ومن الأذن إلى الأذن

* غسل اليدين إلى المرفقين مبتدئا باليمين ثم اليسار
ويستحب الزيادة عن المرفق وهو عظمة الكوع كزيادة فى التحجيل يوم القيامة

* مسح الرأس وحرف الباء معناه جزء منها
* غسل الرجلين والإهتمام بالكعبين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" ويل للأعقاب من النار "

وفى حالة عدم وجود الماء أو الأذى بالماء لمرض أو السفر وعدم توفر الماء فيجب التيمم والمحافظة على إقامة الصلاة فى مواقيتها
ويوضح طريقة التيمم سبحانه بقوله :
* ضرب التراب بالكفين ثم المسح على الوجه وأخرى ثم المسح على اليدين إلى المرفقين اليمنى ثم اليسرى
وهذا للتسهيل من الله علينا ولكن للتطهير وإسباغ نعمه علينا ويجب علينا شكره على ذلك

الآيات 7

( واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذى واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا ، واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور )

يذكر الله عباده المؤمنين بنعمته فى شرعه وإرسال رسوله الكريم
ويذكرهم بما أخذ عليهم من وعود وعهود فى الطاعة ومناصرة الرسول ومتابعته والقيام بدينه وإبلاغ عنه ومبايعته على السمع والطاعة
ويؤكد بضرورة التقوى فى جميع الأحوال وأنه يعلم ما يدور بصدورهم

الآيات 8 ـ 10

( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ، ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون * وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم * والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم * )

ويقول للمؤمنين كونوا قوامين بالحق ( القسط ) لله وليس لأجل السمعة بين الناس
ولا يحملكم كره قوم على أن لا تعدلوا بينهم وهذا أقرب للتقوى وسيجزيكم الله على فعلكم إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا
ووعد الله المؤمنين المتقين بالمغفرة والرحمة والثواب العظيم
أما الكافرين فلهم عذاب النار والسعير

الآية 11
( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم ، واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون )

عن جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم نزل منزلا وتفرق الناس فى العضاة ( شجرة ضخمة لها شوك ) يستظلون تحتها ، وعلق النبى سلاحه بشجرة ، فجاء أعرابى إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه فسله ( أخرجه من غمده )
ثم أقبل على النبى صلى الله عليه وسلم فقال : من يمنعك منى ؟ قال : " الله " عز وجل ، قال الأعرابى مرتين أو ثلاثا : من يمنعك منى ؟ والنبى صلى الله عليه وسلم يقول : " الله "
فشام ( أغمد ) الأعرابى السيف فدعا النبى أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابى وهو جالس إلى جنبه ولم يعاقبه .
والآية فى هذا المعنى
ومن يتق الله كفاه

الآيات 12 ـ 14

( ولقد أخذ الله ميثاق بنى إسرائيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا ، وقال الله إنى معكم ، لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلى وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجرى من تحتها الأنهار ، فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل * فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية ، يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ، ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم ، فاعف عنهم واصفح ، إن الله يحب المحسنين * ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ، وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون )

يبين الله كيف أخذ على أهل الكتاب من اليهود والنصارى العهود ولكنهم نقضوها فلعنهم الله وأخرجهم من رحمته
فقد جعل الله من اليهود اثنى عشر زعيما ( نقيبا ) على قبائلهم وعهد عليهم بطاعة الله ورسوله وكتابه التوراة وأمرهم بالصلاة والزكاة وعهد إليهم أن ينصروا الرسل ويساعدوهم على الحق ( عزرتموهم )
و( أقرضتم الله ..) وأنفقتم فى سبيل الله وجزاؤهم المغفرة وستر الخطايا وإدخالهم الجنة ومن خالف هذا الميثاق والعهد فقد ضل الطريق وله عذاب النار
ولكنهم نقضوا هذا العهد وقتلوا الأنبياء بدلا من نصرتهم وسعوا فى الفساد وحرفوا التوراة ومسحوا منها آيات التبشير بمحمد صلى الله عليه وسلم فلعنهم الله وجعل قلوبهم قاسية لا تقبل موعظة وتأولوا آيات كتاب الله وحرفوها وتركوا العمل بها
( نسوا حظا مما ذكروا به )
( ولا تزال أعينهم على خائنة منهم …) لا يزال مكرهم وغدرهم لك يا محمد ولأصحابك ، فلو عفوت عنهم لكان هذا خير النصر لك

(ثم نسخت هذه الآية بعد ذلك فى سورة التوبة بالأمر بقتالهم بسبب ما زاد من أذاهم للرسول وأصحابه )
وهؤلاء النصارى الذين ادعوا أنهم أتباع المسيح وهم ليسوا كذلك فهم خالفوا ما أتى به أخذ الله عليهم أيضا المواثيق ولكنم نقضوها مثلما فعل اليهود فألقى الله بينهم البغضاء وجعلهم طوائف كل طائفة تعادى الأخرى وتخالف عقيدتها وسيظلون كذلك حتى يوم القيامة
وسوف يخبرهم الله بما عملوا ويحاسبهم على ما كذبوا على الله ورسوله

الآيات 15 ، 16

( ياأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير ، قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم )
ثم يحدث الله عز وجل أهل الكتاب من اليهود والنصارى ويقول لهم أنه أرسل لهم النبى محمد صلى الله عليه وسلم ليوضح لهم ما حرف آباءهم مما أنزل الله فى التوراة والإنجيل وبدلوا وكذبوا على الله وافتروا عليه ويسكت على كثير مما غيروا فلا فائدة فى بيانه
وأنه صلى الله عليه وسلم جاء بالقرآن الذى هو نور ورحمة لهم ويبين لهم ما يرحمهم من عذاب بأسهم فى الدنيا وعذاب النار فى الآخرة
فهو هدى ومنهج استقامة وطريق نجاة لمن اتبع رضا الله يرشدهم للحق ويبعدهم عن الضلال

الآيات 17 ـ 18

( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ، قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن فى الأرض جميعا ، ولله ملك السموات والأرض وما بينهما ، يخلق ما يشاء ، والله على كل شئ قدير * وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ، قل فلم يعذبكم بذنوبكم ، بل أنتم بشر ممن خلق ، يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ، ولله ملك السموات والأرض وما بينهما ، وإليه المصير )
قالت النصارى أن عيسى عليه السلام هو ابن الله ولقد كفروا بمثل هذا القول ولكنه عبد الله ورسوله
فلو أراد الله أن يهلك المسيح وأمه والخلق جميعا لفعل وما منعه شئ
والله يملك كل شئ وهو القادر على ما يشاء ويخلق ما يشاء
ادعى اليهود والنصارى أنهم أحباء الله وأبنائه وهو يحبهم لأنهم ينتسبون لأنبيائه
فيقول لهم الله لو كان ذلك حقا فلماذا يعذبكم بذنوبكم ، ولكنكم بشر ممن خلق ومثلكم كمثل جميع أبناء آدم والله الحاكم فى عباده كيف يشاء وإليه المرجع والمآب

الآية 19
( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير ، والله على كل شئ قدير )
يقول الله عز وجل لليهود والنصارى أنه قد أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم لهم بعد فترة زمنية ( حوالى 600 سنة من بعد عيسى ) حتى لا تقولوا لم يأتنا من رسول ينهانا عن الشر ويرشدنا إلى الحق
فقد جاءكم محمدا والله قادر على عقاب الظالم وثواب المطيع

الآيات 20 ـ 26

( وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين * يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التى كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين * قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون * قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون ، وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين * قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها ، فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون * قال رب إنى لا أملك إلا نفسى وأخى ، فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين * قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون فى الأرض ، فلا تأس على القوم الفاسقين )

يخبر الله تعالى عن موسى وقومه بعد أن أخذهم هاربا من فرعون وبعد أن عبدوا العجل بعد ما رأوا الآيات ثم ساروا مع موسى
قال لهم موسى اذكروا نعم الله عليكم فقد جعل فيكم الأنبياء إبراهيم واسحاق ويعقوب ويوسف وجمع لكم خير الآخرة مع خير الدنيا إذ جعل منكم الملوك ( أى لكم المنزل والأموال والأولاد والزوجة ـ وكانوا من ملك ذلك يسمى ملكا )

وجعلكم علماء زمانكم وأشرف من القبط واليونان وسائر أصناف بنى آدم ( آتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين )

وأمرهم بأن يدخلوا معه الأرض المقدسة المطهرة وهى جبل الطور وما حولهالتى وعدكم بها الله ولا تتراجعوا عن الجهاد وتخسروا الدنيا والآخرة

قالوا يا موسى لن نقدر على الدخول لأن بها قوما ذو قوة شديدة ولا نقدر على مقاومتهم ولن ندخل ما داموا فيها ، وإن خرجوا منها ندخلها نحن

وحاول رجلان من المؤمنين أن يحرضوهم على الجهاد وقالا لو دخلتم متوكلين على الله فهو ينصركم عليهم لأنه وعدكم بها
ولكن بلا فائدة ، بل أصروا على الرفض وقالوا اذهب يا موسى أنت وربك لتقاتلا ونحن هنا فى انتظارك

غضب موسى عليهم ودعا ربه أن لا حيلة له هو وأخوه فافصل بينى وبينهم يارب
فقضى الله عليهم بأن يتيهوا أربعين سنة لا يهتدون لطريق ولا يدخلوا الأرض المقدسة
وكان لهم فى التيه آيات عجيبة وخوارق عظيمة من مثل الغمام الذى يستظلون به والمن والسلوى والصخرة التى نبع منها الماء وعيون الماء ومعجزات عجيبة لموسى
ثم توفى هارون وبعده موسى بثلاث سنين وأقام بينهم يوشع بن نون خليفة لموسى ومات كثيرين من بنى اسرائيل فى هذا المكان
وبعد انتهاء الأربعين سنة خرج بهم يوشع من هذا التيه قاصدا الأرض المطهرة وحاصر من كانوا ببيت المقدس وطلب من الله أن يمسك الشمس حتى ينتصر ونصره الله وقال لهم ادخلوا من الباب خاشعين لنصر الله راكعين وقولوا حطة ( أى حط عنا خطايانا ) ولكنهم رفعوا رؤسهم وقالوا ( حنطة ) استهزاء بنبيهم

ويقول الله لنبيه محمد هذا كان سلوكهم من قبل فلا تحزن على القوم الفاسقين ولا تأسف عليهم

الآيات 27 ـ 31

( واتل عليهم نبأ ابنى آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر ، قال لأقتلنك ، قال إنما يتقبل الله من المتقين * لئن بسطت إلىّ يدك لتقتلنى ما أنا بباسط يدى إليك لأقتلك ، إنى أخاف الله رب العالمين * إنى أريد أن تبوء بإثمى وإثمك فتكون من أصحاب النار ، وذلك جزاء الظالمين * فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين * فبعث الله غرابا يبحث فى الأرض ليريه كيف يوارى سوءة أخيه ، قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارى سوءة أخى ، فأصبح من النادمين )
وملخص القصة كما ذكرها أئمة السلف : أن آدم كان يزوج ذكر كل بطن بأنثى البطن الأخرى ، وهابيل أراد أن يتزوج بإخت قابيل الأكبر منه ، وكانت أخت قابيل حسناء ، فأراد قابيل أن يستأثر للزواج منها على أخيه ، ولكن آدم أمرهما أن يقربا قربانا لله ، وذهب آدم ليحج وترك بنيه .

فقرب هابيل جذعة سمينة جيدة لأنه كان صاحب غنم ، وقرب قابيل حزمة من ردئ زرعه لأنه كان صاحب زرع ، فنزلت النار من السماء ، فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل ، فغضب قابيل وقال لأخيه لأقتلنك ، حتى لا تتزوج من أختى الحسناء ، و قتل قابيل هابيل نتيجة لما استولى على قلبه من حسد لأخيه على حظه من زوجة حسناء تمناها قابيل لنفسه وهى لا تحق له .

وهكذا … كان الحسد سببا فى تدمير أخوين ، هابيل الذى قتل ظلما ، وقابيل الحاقد الذى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم برواية ابن مسعود : "لا تقتل نفسا ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ، لأنه كان أول من سن القتل "رواه الجماعة .

وذكر مجاهد : ( أن قابيل عوجل بالعقوبة يوم قتل أخاه فعلقت ساقه إلى فخذه وجعل وجهه إلى اشمس كيفما دارت تنكيلا به وتعجيلا لذنبه وبغيه وحسده لأخيه لأبويه )

وقال صلى الله عليه وسلم : " ما من ذنب أجدر أن يعجل الله عقوبته فى الدنيا مع ما يدخر لصاحبه فى الآخرة من البغى ، وقطيعة الرحم "

ثم أنه قال تعالى : ( فبعث الله غرابا يبحث فى الأرض ليريه كيف يوارى سوءة أخيه قال ياويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارى سوءة أخى فأصبح من النادمين )
وحصد قابيل من حسده الندم والعقوبة .

مكان الحادث

مغارة تسمى مغارة الدم بجبل قاسيون شمالى دمشق

عقوبته

علقت ساقه إلى فخذه وجعل وجهه إلى الشمس

الآيات 32 ـ 34

( من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ، ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك فى الأرض لمسرفون * إنما جزآءُ الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتّلوا أو يصلبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ، ذلك لهم خزىٌ فى النيا ، ولهم فى الآخرة عذاب عظيم * إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ، فاعلموا أن الله غفورٌ رحيم )

يقول تعالى أن بسبب ما فعله قابيل بهابيل ابنى آدم شرع الله لبنى اسرائيل أن من قتل نفسا ظلما بغير أن تكون قصاصا أو بسبب الفساد فى الأرض بما يستحل العقاب بالقتل فكأنما قتل الناس جميعا
ومن حرّم قتل النفس ظلما فكأنما أحيا الناس جميعا

ويقول الله عزوجل : لقد جآءت الرسل من ربهم بالحجج والبراهين والدلائل الواضحة وبالرغم من ذلك فهم يرتكبون المحارم

إن جزاء الذين يكفرون ويقطعون الطريق ويخوفون السبيل أن يقتلوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يصلبوا أو ينفوا من ارضهم ولإمام المسلمين الخيار فى أمره
وهذا من العار والذل والشر ( الخزى ) لهم بين الناس مع ما أخر لهم الله من عذاب جهنم يوم القيامة

أما الذين تابوا قبل إقامة الحد عليهم بالعقوبه فإن الله غفور رحيم ولا يقام عليهم الحد

الآيات 35 ـ 37

( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا فى سبيله لعلكم تفلحون * إن الذين كفروا لو أن لهم ما فى الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ، ولهم عذابٌ أليم * يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ، ولهم عذابٌ مقيم )

يقول تعالى للمؤمنين أن يتقوه وتقربوا إلى الله بالطاعات وحاربوا فى سبيل رفع كلمة التوحيد والطاعة لله
والوسيلة هى الطرق للتقرب إلى الله
وقيل أنها علم فى أعلى درجات الجنة ومعناها تقربوا لتحصلوا على أعلى درجات فى الجنة
وهؤلاء الذين كفروا لو أن لأحدهم ملء الأرض ذهبا وجاء به يوم القيامة ليفتدى نفسه ما تقبل منه ، وله العذاب المؤلم فى جهنم
يحاولون أن يتخلصوا من العذاب ولكن بلا فائدة فهم مخلدون فى النار والتعذيب

الآيات 38 ـ 40

( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزآء بما كسبا نكالا من الله ، والله عزيز حكيم * فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه ، إن الله غفور رحيم * ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء ، والله على كل شئ قدير )

وضع الله حدا للسارق أو السارقة وهو أن تقطع يده اليمنى ، وذلك إذا سرق بحد أدنى مقدار ربع دينار فقد قال صلى الله عليه وسلم " تقطع يد السارق فى ربع دينار
فصاعدا "
وذلك نتيجة ما كسبا حراما ومجازاة على فعلهما
فمن سرق بيده تقطع يده تنكيلا له على ما فعل والله قوى عزيز وحكيم فى انتقامه وشرعه
والذى تاب بعد سرقته فإن الله يقبل توبته ولابد عليه من رد ما سرق
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما بعد .. فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وإنى والذى نفسى بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها "

ويقول تعالى : إن الله هو مالك كل ذلك ولا معقب لحكمه يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء

الآية 41

( ياأيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون فى الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ، ومن الذين هادوا سمّاعون للكذب سمّاعون لقوم آخرين لم يأتوك ، يحرّفون الكلم من بعد مواضعه ، يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ، ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا ، أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم ، لهم فى الدنيا خزى ، ولهم فى الآخرة عذاب عظيم *)

نزلت هذه الآيات فى الكفار الذين يسارعون فى الكفر الذين يقدمون آراءهم على طاعة الله ورسوله ( من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ) فهم منافقون يقولون ما ليس بقلوبهم .

وكذلك أعداء الإسلام والمسلمين ( ومن الذين هادوا ) وهؤلاء جميعا ( سمّاعون للكذب سمّاعون لقوم آخرين ) فهم لايستجيبون للرسول ولكن يستجيبون لأقوام أخرى لم تأت مجلس الرسول وينقلون الكذب لأقوام أخرى .

يتأولون كلام الرسول على غير تأويله ( يحرفون الكلم من بعد مواضعه ) ويبدلونه وفقا لأهوائهم .

( يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ) وهؤلاء هم اليهود الذين بدلوا كتاب الله ومسحوا منه وكتبوا بأيديهم وحرفوه فكانوا يتحاكموا إلى الرسول وما يحكم به لصالحهم يأخذوه وما لا يوافقهم يتركونه
وقد كانت الحادثة التى نزلت فيها الآية هى :

أن اليهود وجدوا حد الرجم للزانى المحصن فى التوراة ، فكانوا إذا زنى الضعيف رجموه وإذا زنى الشريف تركوه ، ثم اتفقوا على أن يقيموا حلا وسطا بينهما وقرروا أن يكون الحد لكلاهما أن يكتفوا بالجلد والتعنيف ويركبوه على حمار بالمقلوب ويطاف به
ثم زنا رجل وامرأة يهوديين بعد الهجرة ، فقالت اليهود نحتكم إلى الرسول فإن حكم بالرجم لا نطيعه وإن حكم بالجلد والتعنيف اتبعنا ما قال
فذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لهم : " ما تجدون فى التوراة فى شأن الرجم ؟ "
فقالوا : نفضحهم ونجلدهم
قال عبد الله بن سلام ـ وهو يهودى أسلم ـ : كذبتم إن فيها الرجم
فأتوا بالتوراة وفتحوها فوضع أحدهم يده على آية الرجم وقرأ ما قبلها وما بعدها
فقال له عبد الله بن سلام : ارفع يدك
فقرؤها فكانت حد الرجم ، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بهما فرجما

ونزلت فيهم الآية 41
ثم يقول عنهم الله ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) ، ويقول : (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) إن الذين لم يحكموا بما أمر الله فهم كافرون وظالمون
ويقول عن الكفار كلهم أنهم فاسقون
(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون )
وبالطبع اليهود مأمورون باتباع محمد صلى الله عليه وسلم ولكن الله أمره بأن يحكم بينهم بما ورد فى التوراة ليثبت لهم أن التوراة حق وهم حتى لا يتبعونها لظلمهم وكفرهم بها .
ثم قال تعالى فيهم : هؤلاء الذين وقعوا فى الفتنة ولا يريد الله هدايتهم ولهم العذاب الأليم الشديد فى الدنيا والآخرة

الآيات 42 ـ 44

( سمّاعون للكذب أكّالون للسحت ، فإن جاؤك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ، وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا ، وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ، إن الله يحب المقسطين * وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك ، وما أولئك بالمؤمنين * إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور ، يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء ، فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتى ثمنا قليلا ، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) .

يقول الله عنهم هؤلاء يسمعون الباطل بدقة ( سمّاعون للكذب ) ويأكلون الحرام والرشوة ( السحت ) فكيف يستجيب لهم الله ، فإن جاؤك يا محمد لتحكم بينهم فاحكم بينهم وإن أردت أن لا تحكم فلا تفعل فهذا لا يضرك منه شئ
وإن حكمت فاحكم بينهم بالعدل ( بالقسط ) حتى لو كانوا لايلتزمون به لأن الله يحب العادلين .
ثم انظر كذبهم وظلمهم ، فهم قالوا أنهم يستمسكون بالتوراة ويتبعون ما جاءت به ثم إنهم لمصلحتهم تركوها وجاؤك لتحكم بينهم وهؤلاء ليسوا بمؤمنين

وهذه التوراة فيها حكم الله وشريعته التى انزل على نبيه موسى التى حكم بها موسى والأنبياء من بعده لا يخرجون عما بها ولا يحرفونه وكذلك الربانيون والعباد من الصالحين والأحبار وهم العلماء وذلك بما ( اسحفظوا ) استودعوا بكتاب الله وأمروا بالعمل به وكانوا شهداء على ذلك
فلا تخافوهم وخافوا الله وأطيعوه
والذين يحكمون بغير ما أنزل الله من أهل الكتاب ويخفونه فهم كافرون بفضل الله .

الآية 45

( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص ، فمن تصدق به فهو كفارة له ، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون )
وهنا توبيخ لليهود فعندهم بالتوراة الأحكام والحدود واضحة ولكنهم عمدوا إلى تغييرها وفقا لأهوائهم وعنادا وبذلك كانوا ظالمون لأنهم لم ينصفوا المظلوم بهذا التغيير .
ومن عفا عن حقه وتصدق به فذلك كفارة للجانى وأجر للمجنى عليه

الآيات 46 ـ 47

( وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة ، وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين * وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون )

( وقفينا ) وأتبعنا أنبياء بنى إسرائيل بعيسى ابن مريم ليؤكد ما هو بالتوراة ويحل بعض ما كان حرم على اليهود وكان اإنجيل هدى ونور لإزالة الشبهات وحل المشكلات ومتبعا للتوراة ليس مخالف لها وهو زاجر لمرتكبى المحارم وموعظة للمتقين
ثم يؤكد أن الإنجيل لابد من أن يتبع ومن ما جاء به الإيمان بمحمد المبشر به فى التوراة والإنجيل
ومن لا يتبع ما فيه من أحكام فهو فاسقا خارجا على طاعة الله مائلا إلى الباطل

الآيات 48 ـ 50
( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ، فاحكم بينهم بما أنزل الله ، ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق ، لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فى ما آتاكم ، فاستبقوا الخيرات ، إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون * وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ، فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ، وإن كثيرا من الناس لفاسقون * أفحكم الجاهلية يبغون ، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون )

ذكر الله كلا من التوراة والإنجيل وهنا يذكر القرآن العظيم بأنه الحق والصدق الذى لا ريب فيه ويصدق على ما سبقه من الكتب ويؤكد ما جاء بها من تبشير بقدوم محمدا صلى الله عليه وسلم
ومهيمنا أى شهيدا على ما كان بها فما يوافقه فهو الحق وما خالفه فهو باطل

ويأمر الله رسوله بأن يحكم بما أنزل الله فى كتابه ولا تتبع ما تمليه أهواءهم ومصالحهم ولا يصرفك جهلهم عن الحق

ولكل أمة كانت منهجا وشرع إنما تتفق جميعها فى عقيدة التوحيد

وقد جعل الله اختلاف الشرائع بما يناسب القوم والأزمنة ولو أراد الله لجعل الناس أمة واحدة ولكن شاءت قدرته فى هذا الإختلاف ليختبر كل أمة فيما جاءها من شرع

فعلى الناس أن تتسابق فى فعل الخيرات واتباع ما جاء بالقرآن والمرجع والمصير إلى الله يوم القيامة
ويخبر الله الأمم فيما اختلفوا فيه يوم القيامة
ثم يؤكد الله على نبيه بضرورة الحكم بما أمر الله والحذر من اليهود أن يكذبون على الرسول صلى الله عليه وسلم فهم خونة

وإن خالفوا ما تحكم به بينهم فالله يقدر عليهم ويصيبهم بذنوبهم بأن يصرفهم عن الحق لأن أكثرهم خارج عن طاعة ربه

فهم يريدون حكم مثلما كان يحكم الناس فى الجاهلية بالضلالة والجهل ولكن ما أعدل حكم الله لمن كان له عقل وأيقن أن الله أحكم الحاكمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.