حلاوة الصيام – الشريعة الاسلامية 2024.

حلاوة الصيام

——————————————————————————–

حلاوة الصّيَام

حلاوة الصّيَام
الصيام طبّ النفوس ، وغذاء الروح ، وزاد القلوب ، هو أُنس المتقين ، وحلاوة المهتدين ، وحياة الصالحين .
إن للصيام حلاوة ولذّة تَصُبّ من إيمان العبد بربّه وإخباته وخشوعه لله رب العالمين ، الصيام زينة عباد الله المؤمنين وصلاحهم وفلاحهم ، مَن صاموا ابتغاء وجه ربهم مؤمنين مُحتسِبين.
إن الصيام ـ وهو حبس النفس وملذّاتها ومحبوباتها ، هو في الحقيقة صلة وثيقة بالله عز وجل ، وقُربة حميدة لنيل رحمته وعفوه، وهو إيثار لمحبّته ومرضاته ـ سبحانه وتعالى ـ يطيب الصائم فيه ويتنعّم ، ويسعد ويتلذّذ ، وينشرح ويغنَم .
الصيام ظاهرهُ التعب والجوع ، والألم والمشقّة ، لكنه ـ في الحقيقة ـ جَنّة إيمانية مزهرة ، وروضة يانعة مخصبة ، يجني الصائمون منها لذائذ الإيمان ومنائر الخشوع وثمار التقوى ، الصيام محفوف بنورٍ يُدركه أهل الإيمان والقرآن ، وفيه حلاوة لا ينالها إلا أهله وأربابه مَن خالطَت بشاشةُ الإيمان قلوبهم ، وأشرقت معالم الهداية في نفوسهم ، هُم مَن سيَرث خزائن التقوى والرحمة .
إن الصيام لا يحلو بغير الله تعالى وقراءة القرآن ، لذا لابد له مما يُغذِّيه ويروّيه ، فلكي يحلو الصيام لابد من الذكر والقرآن ، ولكي يحيا لابد أن يكمل بالطاعة والإحسان ، ولكي يصفو لابد من صيانته من اللغو والآثام .
الصيام صِنوُ الذكر والقرآن ، لا يحلو ويحسُن ويزكو بمجرد الإمساك عن الطعام والشراب ، بل لابد من سقايته وتنميته وتربيته بالذكر والطاعة والخيرات .
قال صلى الله عليه وسلم ضمن حديث الحارث الأشعري الطويل : "وأمرَكم بالصيام فإن مثل ذلك رجل في عصابة ، معه صُرّة فيها مسك ، فكلهم يَعجب أو يعجبه ريحه وإن ريح الصيام أطيب عند الله من ريح المسك) أخرجه أحمد وغيره بسندٍ صحيح( أحمد (4/202) والترمذي (2863) والحاكم (1/421) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي .).
قال ابن القيم رحمه الله :"إنما مثّل صلى الله عليه وسلم ذلك بصاحب الصرّة التي فيها المسك لأنها مستورة عن العيون ، مخبوءة تحت ثيابه كعادة حامل المسك ، وهكذا الصائم صومه مستور عن مشاهدة الخلق ، لا تدركه حواسهم ، والصائم هو الذي صامت جوارحه عن الآثام ، ولسانه عن الكذب والفُحش وقول الزور ، وبطنه عن الطعام والشراب ، وفرجه عن الرّفَث ، فإن تكلّم لم يتكلم بما يجرح صومه ، وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه ، فيخرج كلامه نافعاً صالحاً ، وكذلك أعماله فهي بمنزلة الرائحة التي يشمها مَن جالّس حامل المسك ، كذلك مَن جالَس الصائم انتفع بمجالسته وأمِن من الزور والكذب والفجور والظلم . هذا هو الصوم المشروع ، لا مجرد إمساك عن الطعام والشراب"(الوابل الصيب ص (43) .) انتهى .
إن صفوة الصائمين هم مَن يستغرِق رمضانَ في الذكر والعبادة وقراءة القرآن ، ويعتزل مجال اللغو والرفَث وفضول الكلام ، فلا يبدي إلا خيراً ، ولا يصنع إلا معروفاً ، عندها يسلم له صومه ، فينتفع به ويغتبط إذ تُخالط حلاوة الصيام روحه ودمه لما يلقي من حلاوة المناجاة ومنفعة الدعاء وبركة الذكر ، والعبادة ، فلا يستطيل يوم الصيام ولا يذوق مرارة الجوع ، وينسى التعب والنصب .
اطمأن الأخيار بالصيام وطابت نفوسهم به وسكنت إليه ، فورثوا السعادة والنور والتقوى إذ أن صيامهم مُلأ بالهدى والنور فأنارَ لهم دروب حياتهم ، وبلّغهم محبة ربهم ورضاه ، فحصّلوا ألوان السعادات في شدائد النفس والمشقّات ، فمَن رامَ السعادة فليستقم على طاعة ربه مُخبتاً خاشعاً وليكثر ذكره وشكره والإنابة إليه حتى يظفر بمحبة الله تعالى .
"فإنه لا نعيم ولا لذة ولا ابتهاج ولا كمال إلا بمعرفة الله تعالى ومحبته والطمأنينة بذكره والفرح والابتهاج بقُربه ، والشوق إلى لقائه، فهذه جنّته العاجلة ، كما أنه لا نعيم له في الآخرة ولا فوز إلا بجواره في دار النعيم في الجنة الآجلة ، فله جنتان لا يدخل الثانية منها إن لم يدخل الأولى ، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيميمة ـ قدّس الله روحه ـ يقول : إنّ في الدنيا جنّ مَن لم يدخلها لم يدخل جنّة الآخرة .
وقال بعض العارفين : إنه ليمرّ بالقلب أوقات ، أقول : إن كان أهل الجنة في مثل إنهم لفي عيشٍ طيّب .
وقال بعض المحبّين : مساكين أهل الدنيا ، خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها ، قالوا : وما أطيب ما فيها ؟ محبّة الله والأُنس به والشوق إلى لقائه والإقبال عليه والإعراض عمّا سواه
ـ أو نحو هذا من الكلام ـ وكل مَن له قلب حيّشهد هذا ويعرفه ذوقاً"(تهذيب مدارج السالكين ص (245) .).
قال بعض العارفين لقومٍ :"ما تعدّون العيش فيكم قالوا : الطعام والشراب ونحو ذلك ، فقال : إنما العيش ألا يبقى منك جارحة إلا وهي تجاذبك إلى طاعة الله ، مَن عاش مع الله طاب عيشه ، ومن عاش مع نفسه وهواه طال عيشه".قال الحسن :"إن أحباء الله هم الذين ورثوا أطيب الحياة بما وصلوا إليه من مناجاة حبيبهم وبما وجدوا من لذّة حبه في قلوبهم" ، وأكل إبراهيم بن أدهم مع أصحابه كِسَراً يابسة ثم قام إلى نهر فشرب منه بكفّه ، ثم حمد الله وقال : "لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم والسرور لجالدونا عليه بالسيوف أيّام الحياة ، على ما نحن فيه من لذيذ العيش وقلة التعب" فقال بعض أصحابه : يا أبا إسحاق طلب القوم الراحة والنعيم فأخطأوا الطريق المستقيم فتبسّم ثم قال : مِن أين لك هذا ؟

أهل المحبّة قومٌ شأنهم عجبُ

سرورهم أبدٌ وعيشهم طرَبُ

العيش عيشهمُ والمُلك ملكُهمُ

ما الناسُ إلا هُم بانوا أو اقتربوا

قيل لبعض العارفين وقد اعتزل عن الخلق : إذا هجَرْتَ الخلق مع مَن تعِيش ؟ قال : مع مَن هجرتُهم لأجله(شرح حديث "لبيك اللهم لبيك" ص (60 – 62) لابن رجب الحنبلي .).
وقيل لمالك بن مِغْوَل وهو جالس في بيته وحده : ألا تستوحش؟ فقال : ويستوحش مع الله أحد ؟!
وقال مسلم بن يسار : "ما تلذّذ المتلذِّذُون بمثل الخلوة بمناجاة الله عز وجل"(الخبر في الحلية (2/294) .).
وقال الفُضيل رحمه الله : "طوبى لمن استوحش من الناس وكان اللهُ جليسَه"(الحلية (8/108) .).
وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله : "أعلى الدرجات أن تنقطع إلى ربك وتستأنِس إليه بقلبِك وعقلك ، وجميع جوارحك حتى لا ترجو إلا ربَّك ، ولا تخاف إلا ذنبك ، وترسخ محبته في قلبك حتى لا تُؤثر عليها شيئاً ، فإذا كُنتَ كذلك لم تُبالِ في بَرٍّ كنتَ أو في بحر أو في سهل أو في جبل ، وكان شوقك إلى لقاء الحبيب شوق الظمآن إلى الماء البارد وشوق الجائع إلى الطعام الطيّب ، ويكون ذكر الله عندك أحلى من العسل وأحلى من الماء العذب الصافي ، عند العطشان في اليوم الصائف"

جعلنا الله وإياكم من الصائمين الزاهدين العبدين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.