ذهب مع الريح عذب الكلم 2024.

ذهب مع الريح

يحكى أن غلاما مدللا كان يقطن في أحد المنازل البعيدة حيث الجبال والمياه والطبيعة الخلابة.كان الغلام معتادا على مزاولة كل ما تهوى نفسه من أعمال وممارسات يومية ممتعة من رقص وغناء الى لعب ولهو الى تأمل وغوص في أعماق الطبيعة الجميلة.عاش الغلام في أجواء مختلفة من التيه والدلال في كنف أبويه الثريين…كيف لا وهو ابنهم الأوحد الذي لون حياتهما بالأمل والحب والجمال.لذلك كانت أوامر الفتى المدلل مطاعة…ورغباته مجابة…فإذا ما احتاج إالى طبل كبير،أحضروه على جناح السرعة ، واذا طلب كنزة حريرية،جلبوا كل ما تشتهيه نفسه من لباس وكساء…
وفي يوم من الأيام وبينما كان يقضي الغلام المدلل وقته ، عبر ربوع الطبيعة الجميلة،أعجبته زهرة الأقحوان البيضاء النقية وقد حطت عليها فراشة ملونة أخاذة،فبرقت في عقل الفتى بارقة وأخذت تسول له نفسه قطف الزهرة شريطة أن تحط الفراشة عليها كي يتسنى له نقل هذا المشهد الرائع داخل حجرته.
أخذ الغلام يفكر في طريقة يقطف فيها الزهرة مع بقاء الفراشة عليها،فقد سول له عقله القاصر أنه يقدر فعل كل شيء،كيف لا وهو الابن المدلل لأم وأب ثريين لا يرفضان له طلبا ولا يخلفان له وعدا…!!!
عاد الغلام أدراجه الى المنزل بعدما فشلت محاولاته بقطف الزهرة وعليها الفراشة،فكلما هم ليقطف الزهرة…طارت عنها الفراشة وحطت على أخرى…وهكذا …
عاد الغلام وعينياه تفيضان بالدموع وقلبه منكسرا. صرخ الغلام صرخة مدوية ملأت أرجاء المنزل الضخم فهب والداه وقد أصابهما الفزع ، متسائلان عن سبب صراخ وبكاء ابنهما فأجابهما بحزن جارف:
لم أستطع قطف زهرة تحط عليها فراشة ملونة!! ذهل الأبوبن من ابنهما المدلل ، وأخذا يرتبان على كتف ابنهما ويمسحان دموعه،ووعداه بقطف زهرة عليها فراشة ملونة…!!!
لم يتكاسل الوالدان عن تحقيق رغبة ابنهما ، وبالفعل قاما بإحضار زهرة اقحوان بيضاء ناصعة في وعاء من الماء ووضعاه في حجرة ابنهما المدلل ليتفاجأ بهدية أبويه ، لكن الظلام استبد حزنا وألما عندما وجد الزهرة دون فراشة ملونة.
حار الوالدان في الفتى الصغير وأخذا يبحثان عن وسيلة لإدخال االبهجة والفرح الى قلب وحيدهما الصغير فخطر للأب فكرة مذهلة ألا وهي إحضار فراشة ملونة محنطة وإلصاقها على الزهرة ، وفعلا قام الأب بتنفيذ فكرته عمليا ونجح في ذلك ،إذ أن الغلام فرح فرحا عظيما ورقص وغنى طربا بالزهرة والفراشة.
وفي يوم من الأيام وبينما كان الغلام المدلل يراقب النجوم بمنظاره ،راودته نفسه بفكرة جديدة وأمر جديد يلقيه على هاكل والديه المتعبين، فأراد أن يضع على سقف حجرته قمرا ونجوما تضيء له الحجرة في الليل الدامس.
طلب الغلام المدلل من أبويه قمرا ونجوما تضيء فضاء حجرته ، في هذه المرة لميتمكن الوالدان المتعبان من تلبية رغبة والديهما،فضج الولد بالبكاء والصراخ لعدم قدرة والديه على تلبية رغباته،فكرت الأم مليا وكذلك الأب لكنهما لم يتوصلا لنتيجة ترجى ، وبعد يوم مضني من التفكير…توصلت الأم لفكرة قد تسعفها وزوجها من الخطأ الذي أوقعا به نفسيهما نتيجة لتدليلهما لغلامهما الأوحد…
فقررت الأم أن تقص جناحي الفراشة الملونة التي تحط على الزهرة وتسكب من الوعاء الماء كي تذبل الزهرة وتموت…وبعد حين من ذلك أحضرت ابنها المدلل وقالت له وهي تمسح بكفها شعره المصقول :"اسمع يا بني لم ولن نبخل في يوم عليك انا ووالدك ،وما قصدنا في جنبك طرفة عين ، لكن الحياة جميلة اذا ما تناولناها بالحب والرعاية والعدل،كما نحن نرعاك ونحبك الان وللأبد أنظر يا ولدي ماذا حل بالزهرة والفراشة وأومأت بعينيها ورأسها ، انظر ما أبشع منظرها وها قد أصبحت ضحية الإهمال والأنانية ، فأنت لم ترعاها ، كما أنك أجبرتها على أخذها من موطنها وأرضها عنوة فماتت حزنا وكذا الفراشة التي أصبحت حبيسة حجرتك دون حرية دون انطلاق…!!!
هل تحب أن نأخذ القمر والنجوم من السماء لإنارة غرفتك ونجعل حينا ووطنا بلا نور!!! أتحب أن تسير تحت قبة السماء ليلا دون قمر ونجوم…!!!
أتحب أن يأخذك شخص غريب من أحضان والديك من بيتك ووطنك…!!!
لا…لا…لا يا أمي …هكذا أجاب الفتى المدلل أمه ثم ركض الى حضنها باكيا نادما على ما فات.
كم من الجميل أن نستمتع بما حولنا من أشياء جميلة أفاض بها علينا الخالق والطبيعة والأكثر متعة أن نستمتع بمن حولنا بما تهواه نفوسنا وتروق له عقولنا فنشارك بعضنا البعض حلاوة الفرح والسعادة بإدراك الجماليات والطبيعة بحواسنا الظاهرة والكامنة فينا ، فلا خير في إنسان أناني يحب التملك والتفرد بالاسمتاع بالأشياء دون غيره، فما أخذ بالقوة والأنانية ذهب هباء أو منشورا تزهر الربيع المتفتح سرعان ما تأتي الرياح وتحمله في طياتها لتقذفه بعيدا عن أنظار الناس الذين اعتادوا الاستمتاع بمشاهدة هذه الأزهار…فكل عمل لأيتام على خير سرعان ما ينهار ويذهب بعيدا عن الأنظار ، وكما يقال: ازرع خيرا تحصد خيرا وازرع شرا تحصد ندامة.

مشكووووووووره
وجزاك الله كل خير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.