صفة الرجولة في سورة المائدة – للقرآن الكريم 2024.

صفة الرجولة في سورة المائدة

ط®ظ„ظٹط¬ظٹط©

صفة الرجولة في سورة المائدة

بات من المتعارف عليه أنَّ الرجولة على العكس من الذكورة، هي صفة اختيارية يَتساوى فيها الذكر والأنثى، وأحيانًا تستلزم أن تكون قرارًا يؤدي التأخر في اتخاذه إلى انهيار مقومات احترام الذات، ولدى البحث عن معنى (الرجولة) في المعاجم تجدها مشتقة من معنى الرجل؛ أي: ليس بأنثى، وهذا رجل؛ أي: كامل، كما يرى الفراهيدي، وقال ابن سيده: "وقد يكون الرجل صفة، يعني بذلك الشدة والكمال"، لكنك لن تقع على تعريف اصطلاحي أو لغوي خاص بالرجولة إلا في بعض المعاجم الحديثة، كمعجم الغني الذي عرّف الرجولة بأنها: "كمال الصفات المميِّزة للرجل"، أما الذكَر فهو خلاف الأنثى كما ذكرت مختلف المعاجم، والقرآن الكريم استخدم لفظ الذكر ولفظ الرجل بدقة، بما يَتناسب والمعنى والسياق في إطار الدلالة، إلا أن لفظة (الرجولة) لم ترد في القرآن الكريم؛ إنما ورد لفظ (رجل) في صيَغ المفرد والمثنى والجمع المخاطب، في سبعة وخمسين موضعًا في كتاب الله – تعالى – في تسع وعشرين سورة.

ومن اللافت للنظر أن السورة التي حظيَت بالنصيب الأكبر من هذه الصيغ – حيث وردت فيها ثماني مرات – هي سورة النساء، ثم تلتْها سورة الأعراف بست مرات، فالبقرة بخمس مرات، ولقد تعدَّدت أغراض استخدام لفظ (رجل) في القرآن الكريم بين الدلالة على النوع، وبين صبغ اللفظ بمعان وصفات ترسم قالب الرجولة الحقيقي وتضع معاييرها بعيدًا عن قالب الشارب والبِنية البدنية الخالية من روح العلم ووشاح الخلُق، أحد هذه القوالب الرجولية ما ورد في سورة المائدة، في موقف واحد خلَّده القرآن الكريم في آية في سورة يعتبرها جمع من الدارسين "سورة الرجال" إما ميلاً مع الحديث المرسَل الضعيف: ((علموا رجالكم سورة المائدة وعلموا نساءكم سورة النور))، أو من خلال قراءة موضوعات سورة المائدة التي احتوت على الكثير من الأحكام التشريعية المتعلقة بالدولة الإسلامية وركائز أركانها وعلاقاتها الخارجية وربط التشريع السياسي بسلامة العقيدة، وقد جاء لفظ (رجل) في سورة المائدة مرة واحدة فقط في صيغة المثنى في معرض الحديث عن رفض قوم موسى – عليه السلام – مواجهة القوم الجبارين وتمرُّدهم على أمر الله – تعالى – في هذه اللحظة الفارقة بين حقيقة الإيمان وصِدق الثبات وحسن التوكُّل، وبين غلبة النفس والحسابات النظرية: ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ﴾ [المائدة: 22]، هنا تعرى المواقف ويصبح التخاذل رصاصة من داخل الصف الواحد ترتدُّ لتُشتِّت قلب الجماعة، لم يكن وجود نبي الله موسى – عليه السلام – والضمانات الإلهية كفيلة لاستفزاز الرجولة فيهم لمقاومة الطغيان، فرؤية الحقائق لا تعني بالضرورة إدراكها وتراكُمات المألوف تزرع الخوف من التغيير، إلا أن هناك استثناءً من حالة الفساد الديني التي غزت عقائد قوم موسى – عليه السلام – ﴿ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 23]، فتظهر صفة الرجولة لتصحِّح الانحراف وتنقل المشهد من حيز الوهن والجبن إلى فسحة الحق والقوة، اثنان فقط في مواجهة قومهما والعدو، قد صقَلت الرجولة معدنهما بصفات أُولاها: قول الحق "قال رجلان"، إن إنكار الباطل شعوريًّا وعدم الرضا القلبي عن اعوِجاج الغاية ليس كافيًا؛ فقول الحق واجب، والثورة المضادة ضرورة في ساعة العصيان الإيماني، فالصمت عن الحق أخطر مؤشِّرات هيمنة الظلم حتى في ذواتنا، وصفة الرجولة الثانية ﴿ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ ﴾.

يقول الإمام أبو السعود:

"أي يخافون الله – تعالى – دون العدو، ويتّقونه في مخالفة أمره ونهيه، وفيه تعريض بأن من عداهما لا يَخافونه تعالى"، والخوف من الله صفة تَستلزِم انتفاء الخوف من غيره، وصفة الرجولة الثالثة: ﴿ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ﴾، يقول الإمام الآلوسي: "أي: بالإيمان والتثبيت"، ويقول الشيخ الشعراوي: "لقد أنعم الله على هذَين الرجلين بحسن الفَهم عن الله"، وهذا يشير إلى فضيلة الشجاعة في نصرة أوامر الله – تعالى – في ضابط يُخرجها من محذورات التهور إلى تهذيبها بخاصية الفهم وإتقان استنباط مراد الله – تعالى – فهذان الرجلان أصحاب عقول شجاعة تُتقِن المخاطرة بالدنيا لاغتنام الآخِرة، وصفة الرجولة الرابعة: ﴿ ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ﴾ [المائدة: 23]، التحريض على نصرة الحق والبذل في سيبله لم يكتفيا بقول الحق فقط؛ بل وحرصوا على دفع قومهم للانضِمام إليهما، يقول الأديب سيد قطب: "قاعدة في علم القلوب وفي علم الحروب، أقدموا واقتَحموا، فمتى دخلتم على القوم في عقر دارهم انكسَرت قلوبهم بقدر ما تقوى قلوبكم؛ وشعروا بالهزيمة في أرواحهم، وكتب لكم الغلب عليهم.."، وإن تأكيدهما على الغلَبة دليل منَعة فهمها لسنن الله في نصرة من يَنصره، وتصديقًا بوعد نبيهم موسى – عليه السلام -: ﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ [المائدة: 21]، وتختم منظومة الرجولة بصفة خامسة تغلِّف فعل المواجهة والدخول المادي بالاتكال على الله – تعالى – ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا ﴾، وتقديمها للفظ الجلالة الله على فعل الاتكال من باب تحفيز قومهم باستِشعار عظَمة المتوكَّل عليه، بعدما لمسوا خوفهم من البشر، ثم يضع الرجلان قومهما على خط المواجهة مع حقيقة إيمانهم؛ ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾، إعادة لصياغة الموقف في إطاره الحقيقي بأنه اختبار إلهي، وهنا يتعاظَم الخطاب لإبراز أصدق مَعاقل الإنسانية فينا؛ قيمة الإيمان بالله تعالى.

إن حضارة قائمة على رجال ونساء بلا رجولة لن تَصمد أمام مَن هم أضعف منها، لكن رجولة في رجلين فقط قادرة على خوض المواجَهة والانتصار، القرآن الكريم لم يَذكُر اسم الرجلين ولا ما حدث لهما، وانتهى الموقف الرجولي الخالد إلى يوم القيامة، في سورة محكمة لم يَنسخْها قرآن بعدها.

في حفظ البارئ

ط®ظ„ظٹط¬ظٹط©[/URL]
مشكورررررررة
يعطيك العآفيه على الطرح الرائع
لاحرمنا منك آبدآ ولآمن ابدآعك
بآنتظار جديدك المتميز
شكرا جزيلا
العفو ..
بارك الله فيك
منوره

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.