هلاك الأمم . دراسة قرآنية القرآن الكريم 2024.

هلاك الأمم……….. دراسة قرآنية

إن الحمد لله تعالي نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله لإ الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله.
"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون"
"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا".
"يا أيها الذين أمنو اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم، ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما".

أما بعد…
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالي ، وخير الهدي هدي محمد صلي الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار

ثم أما بعد…
روي الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه جبير بن نفير رضي الله تعالي عنه قال " لما فتحت علي المسلمين قبرص، ففرق بين أهلها، وانزوي بعضهم إلي بعض يبكون، رأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكي، فقلت له : أتبكي في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله، قال : ويحك يا جبير، إن هذه أمة كانت ظاهرت قاهرة لها الملك؛ فلما عصت الله تعالي صار أمرها إلي ما تري".

الذنوب والمعاصي، وهلاك الأمم
قَالَ ابنُ القَيّم رَحمَه اللهُ تعالى : إنه ممَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الذنوبَ والمَعَاصيَ تَضُرُ ولا بُدَّ، وأَنَّ ضَرَرَهَا في القَلْبِ كَضَرِرِ السُّمُومِ في الأبدان على اختلاف دَرَجَاتِها في الضَرَرِ . وهَلْ في الدُنيا والآخِرَةِ شَرٌّ وداءٌ ، إِلا بِسَبَبِ الذُنوبِ والمعاصي ؟
ويدلل رحِمَهُ اللهُ تعالي علي ذلك فيقول:
· فَمَا الذِي أَخْرَجَ الأَبَوَيْنَ مِنَ الجنةِ والنَعيمِ واللَّذةِ والبَهْجَةِ والسُرور إِلى دَارِ الآلام والأحْزَانِ والمصائِب.
· ما الذي أَخْرجَ إبْليسَ مِنْ مَلَكوتِ السَمَاءِ وَطَرَدَهُ وَلَعَنَهُ وَمَسَخَ ظَاهِرَهُ وبَاطِنَهُ فَجَعَلَ صُورَتَهُ أَقْبَحَ صُورَة وأَشْنَعَهَا وبَاطنَهُ أَقْبَحَ مِنْ صُورَتِهِ وَأشْنَعَ وَبُدّلَ بالقُرْب بُعْدًا ، وبالرَّحْمَةِ لَعْنَةً ، وبالجَمَال قُبْحًا ، وبالجنةِ نارًا تَلظَّى، وبالإيمانِ كُفْرًا، وَبِمْوَالاةِ الوَليّ الحَميدِ عَدَاوَةً وَمُشَاقّةً، وبزَجَلِ التَّسْبيحِ والتَّقْدِيسِ والتَّهْلِيل زَجَلَ الكُفْرِ والفُسوقِ والعِصْيَانِ، فَهَانَ عَلى الله تعالى غَايَة الهَوَانِ، وسَقطَ مِنْ عَيْنِهِ غايَةَ السُقوط، وحَلَّ عليْهِ غَضَبُ الربِّ تعالى فأهْوَاهُ، وَمَقتهُ أَكْبَرَ المَقْتِ فأرْدَاهُ ، فَصَارَ قَوَّادًا لِكُلِّ فاسِقٍ ومُجْرِمٍ، رَضِيَ لِنَفْسِهِ بالقِيادِةِ بَعْدَ تِلْكَ العِبَادَةِ والسِّيادَةِ. فَعِياذًا بِكَ اللَّهُمَّ مِنْ مُخالفَةِ أَمْرِكَ وارْتِكَاب نَهْيِك .
· وَمَا الذِي أَغْرَقَ أَهْلَ الأَرْض كُلَّهمْ حَتَّى عَلا المَاءُ فَوقَ رُؤُوسِ الجِبَال.
· مَا الذي سَلّطَ الريحَ على قَومِ عادٍ حتى ألْقَتْهم مَوْتَى على وَجْهِ الأرض كأنَّهم أعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ، ودمَّرَتْ مَا مَرّتْ عليه مِنْ دِيارِهِمْ وحُرُوثِهِمْ وزُرُوعِهِمْ وَدَوابِّهِمْ حتى صارُوا عِبْرةً للأُمَمِ إلى يومِ القِيامة .
· مَا الذي أرْسل على قومِ ثَمُودَ الصَيْحَةَ حتى قَطَعَتْ قُلوبَهم في أَجْوَافِهِمْ وَماتُوا عن آخِرِهم.
· ما الذي رَفَعَ قُرى اللُوطيّةِ حتى سَمعتْ الملائكةُ نِبَاحَ كِلابِهم ثم قَلَبَها عليهم فَجَعَل عالِيها سافِلَها فأهلكهم جميعًا، ثم أَتْبَعَهم حجارةً مِنْ السماءِ، فجمع عليهم مِنْ العُقوبَةِ ما لم يَجْمعه على أًمَّةٍ غيرِهِم، ولإِخوانِهِم أمثالهُا: ﴿ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾.
· مَا الذي أرسل عَلى قَوم شُعَيْبٍ سَحَابَ العذاب كالظُّلَل فَلَمَّا صَارَ فوقَ رؤوسِهمْ أَمْطَرَ عليهم نارًا تلظَّى.
· وَمَا الذي أَغْرَقَ فرعونَ وقومَهُ في البحر ثم نُقِلَتْ أرْوَاحُهُم إلى جَهَنَّمَ،" النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ، ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب"، فالأَجْسَادُ لِلْغَرَقِ والأَرواحُ لِلْحَرَقِ.
· مَا الذي خَسَفَ بقارُونَ ودَارِهِ ومالِهِ وأهْلِهِ .
· مَا الذِي أهلَكَ القُرُونَ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ بأنواع العُقوباتِ ودَمَّرها تدميرًا.
· مَا الذي أهلكَ قومَ صاحِبِ يس بالصيحِة حتى خَمَدُوا عنْ آخِرِهِم .
· مَا الذي بعثِ على بني إسْرائيلَ قومًا أُولي بأسٍ شديدٍ فجاسُوا خِلال الدِّيارِ، فَقَتلوا الرِجالِ وسَبَوُا الذُرّيةَ والنساءَ، وأحْرقوا الديارَ ونَهبُوا الأموالَ، ثم بَعَثَهُم عليهم مَرَّةً ثانِيَةً فأَهْلَكُوا ما قَدِرُوا عليه وتَبَّروا ما عَلَوْا تتْبيرًا، وَمَا الذِي سَلَّط عليهم أنواعَ العُقوباتِ مَرَّةً بالقتل والسَّبْي وخَراب البلادِ، ومِرَّةً بِجَور الملوكِ، ومَرَّةً بمَسْخِهِمْ قِرَدَةً وخنازيرَ، وآخِرُ ذلك أقسم الربُّ تبارك وتعالى لَيَبْعَثنَّ عليهم إلى يوم القيامة مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ العذاب.
أيها الأخوة: كيف كُنا؟ ولماذا صار أمرنا إلي ما ترون؟
أما عن كيف كنا فهذه رسالة أرسل بها أحد ملوك أوروبا إلي الخليفة الأندلسي هشام الثالث أسوقها أنوذجا وبرهنا علي ما كان للمسلمين من عزة وغلبة علي أعدائهم والحق ما شهدت به الأعداء.

بعث جورج الثاني ملك إنجلترا والنرويج والسويد برسالة إلى الخليفة الأندلسي هشام الثالث ، جاء فيها :
" إلى صاحب العظمة / خليفة المسلمين / هشام الثالث الجليل المقام ….
من جورج الثاني ملك إنجلترا والنرويج والسويد …
بعد التعظيم والتوقير، فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الضافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج من هذه الفضائل… لتكون بداية حسنة لاقتفاء أثركم، لنشر العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من أركانها الأربعة.وقد أرفقت البعثة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل، أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص. ثم يختم قائلا: من خادمكم المطيع جورج الثاني
ولكن لماذا صار أمرنا إلي ما يعرفه كل مسلم حتي أولئك المصابون بأنيميا المعرفة واللاطلاع؟

أخوة الإسلام عباد الله إن الله عز وجل أنزل علينا قرآناً يتلى إلى يوم القيامة وقد بيَّن فيه أنه ما من مصيبة تحل بالمسلمين إلا بسبب معاصيهم وذنوبهم وتضييعهم حرمات ربهم وأوامره ونواهيه،
فقال تعالى:((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)) (الشورى:30)
وقال تعالى:(( فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ)) (لأنفال:54)
وقال تعالى:((مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ)) (النساء: 79)
فهذا أول العلاج الذي يجب علينا أن نعرفه حتى نعالج به واقعنا كي نعلم أنه ما من مصيبة وقعت علينا وحلت بديارنا إلا بسبب أنفسنا وذنوبنا وتقصيرنا في حق الله، ومستحيل أن ننتصر ونحن قد ضيعنا الله ونسيناه ولا غرابة بعدها أن ينسانا ربنا((وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ)) (الحشر:19) ((نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ)) التوبة:67)
إن سنن الله لا تتغير ولا تتبدل فالله عز وجل وعدنا بالنصر وأن يهزم عدونا ولكن إن نصرناه وجاهدنا لإعلاء كلمته،وربينا أنفسنا على طاعته، والفرار من معصيته،قال تعالى:((إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)) (محمد:7)،وأخبر تعالى أنه لن ينصر إلا أهل الطاعة والإيمان لا أهل الفجور والخذلان فقال تعالى:((إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)) (غافر:51)
وبين لنا سبحانه أنه إن تولينا عن نصرة دينه ورفع رايته،فإنه يستبدل قوماً يقومون بحق الله وبنصرة دينه((وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)) (محمد: 38)
وعند الإمام أحمد في مسنده وعلي بن الجعد في مسنده أيضا وصححه الألباني عن ابي البختري قال اخبرني من سمع النبيصلى الله عليه وسلم يقول" لن يهلك الناس حتي يعذروا من أنفسهم"
قال سيد قطب – رحمه الله -:(لقد كتب الله عز وجل على نفسه النصر لأوليائه حملة رايته وأصحاب عقيدته، ولكن علق هذا النصر بكمال حقيقة الإيمان في قلوبهم، وباستيفاء مقتضيات الإيمان في تنظيمهم، وسلوكهم، وباستكمال العدة التي في طاقتهم، وبذل الجهد الذي في وسعهم، فهذه سنة الله، وسنة الله لا تحابي أحداً، فأما حين يقصرون في أحد هذه الأمور، فإن عليهم أن يتقبلوا نتيجة التقصير، فإن كونهم مسلمين لا يقتضي خرق السنن، وإبطال النواميس ، فإنما هم مسلمون، لأنهم يطابقون حياتهم كلها على السنن ويصطلحون بفطرتهم كلها مع الناموس .
بهذا الوضوح والصراحة معاً يأخذ الله الجماعة المسلمة، وهو يرد على تساؤلها ودهشتها مما وقع، ويكشف عن السبب القريب من أفعالها ((أوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ)) (آل عمران:165)
فأنفسكم هي التي أخلت بشرط الله وشرط رسوله صلى الله عليه وسلم وأنفسكم هي التي خالجها الهواجس والأطماع،وأنفسكم هي التي عصت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم((وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ)) (آل عمران: 152)
فهذا الذي تستنكرون أن يقع لكم وتقولون:كيف هذا؟هو من عند أنفسكم بانطباق سنن الله عز وجل حين عرضتم أنفسكم لها )ا.هـ(في ظلال القرآن)
ولهذا ورد في الأثر عن العباس بن عبد المطلب:(ما نزل البلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة ) فلنندب ذنوبنا قبل أن نندب مآسينا ولنحارب أنفسنا الأمارة بالسوء وننهاها عن المنكر عندئذ سيحصل النصر وينجلي الغبار والله لا يخلف وعده ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) (النور:55)

أي أُخي: تأمل وانظر إلى بلاد المسلمين:
كم يوجد فيها من ضريح يعبد من دون الله و يطاف عليه ويستغاث بصاحبه ؟
كم هم الذين لا يحكمون بما أنزل الله بل يتحاكمون إلى الطاغوت؟
كم من بدعة تقام في ديار المسلمين صباح مساء ؟
كم من فاحشة تنتهك في ظلام الليل الدامس،وفي الصباح المتفتح الزاهر؟
كم من إنسان يبخس الكيل والميزان ولا يصدق في المعاملة مع ربه ومع الناس ؟
كم من صَرْحٍ لبنوك الربا التي جاهرت الله بالمحاربة والمعصية ؟
كم هم الناس المعرضون عن دين الله وحكمه وأقبلوا على الملاهي والخمور والأغاني والمسلسلات ؟
كم هم الناس الذين لا يصلون ويدعون بأنهم مسلمون ؟
أنظر للشوارع والأسواق فلا ترى – ويا للأسف ـ إلا تخنث للرجال ، وترجل النساء، والغيبة،والكذب، والنميمة ، والغش ، والظلم ، وخفر العهود ، وإخلاف المواعيد ، وأكل حقوق الناس، والعصبية القبلية والعرقية المنتنة، والزنا،واللواط، والنفاق، وسوء الأخلاق ـ إلا قليلاً ممن رحم ربك ـ
ثم مع هذا كله نريد نصر الله ، وأن يهزم عدونا ويكف شره ويكبت أمره !!
عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنه – قال كنت عاشر عشرة من المهاجرين،عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فأقبل علينا بوجهه، وقال : ( يا معشر المهاجرين – خمس خصال إذا ابتليتم بهن ، وأعوذ بالله أن تدركوهن:ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوها إلا ابتلاهم الله بالسنين، وشدة المؤنة ، وجور السلطان ، ولا منع قوم الزكاة إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ، ولا خفر قوم العهد إلا سلط الله عليهم العدو فأخذ بعض ما في أيديهم ، وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله عز وجل في كتابه إلا جعل بأسهم بينهم ) أخرجه البيهقي والحاكم بسند صحيح .جزاءً بجزاءِ ، ومثلاً بمثل ، إذا نحن عصينا الله وخالفنا أمره سلط علينا الأعداء والوباء، والضراء((فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) (النور:63)
إن الله عز وجل- لما ذكر الأمم الكافرة التي عصت رسله،وخالفت أمره قال عنهم بعد ذلك:(( فكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) (العنكبوت:40)
فنفسك لم ولا تلم المطايا :
وفي المسند ( 2/362) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسند صحيح (حد يقام في الأرض خير من المطر لأهلها أربعين صباحاً) .
وقد علق الإمام ابن تيمية على هذا الحديث بقوله:(وهذا لأن المعاصي سبب لنقص الرزق والخوف من العدو،كما يدل عليه الكتاب والسنة،فإذا أقيمت الحدود وظهرت طاعة الله،و نقصت معصية الله حصل الرزق والنصر)
وعليه فالنحيب على بلاد للمسلمين ضاعت دون عمل وتوبة صادقة، لا تحقق نصراً ولا تعيد أثراً!
وقد قيل في المثل(إيقاد شعلة خير من لعن الظلام) فلنبدأ في التغيير والعمل ولنترك لوم الزمان والدهر، فهو فعل الفاشلين العاجزين لا فعل الطموحين الناجحين

قال تعالى:(( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)) (الرعد: من الآية11)
وقال تعالى:((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) (لأنفال:53)
ورحم الله أبا الدر داء حيث كان يقول للغزاة (يا أيها الناس:عمل الصالح قبل الغزو،فإنما تقاتلون بأعمالكم)، ولله در الفضيل بن عياض حين قال للمجاهدين عندما أرادوا الخروج لقتال عدوهم:
(عليكم بالتوبة، فإنها ترد عنكم ما ترده السيوف)
قال بن الجوزي:ينبغي لكل ذي لب و فطنة أن يحذر عواقب المعاصي . فإنه ليس بين الآدمي و بين الله تعالى قرابة ولا رحم ، و إنما هو قائم بالقسط ،حاكم بالعدل، وإن كان حلمه يسع الذنوب . إلا أنه إذا شاء عفا فعفا عن كل كثيفمن الذنوب، و إذا شاء أخذ وأخذ باليسير، فالحذر الحذر .
و لقد رأيتأقواماً من المترفين كانوا يتقلبون في الظلم والمعاصي باطنة وظاهرة فأخذوا من حيثلم يحتسبوا، فقلت أصولهم، و نقص ما بنوا من قواعد أحكموها لذراريهم وأبنائهم، وما كان ذلك إلا لأنهم أهملوا جانب الحق عز وجل، و ظنوا أن ما يفعلونه منخير يقاوم ما يجري من الشر، فمالت سفينة ظنونهم، فدخلها من ماء الكيد ما أغرقهم .
فالله الله في مراقبة الحق عزوجل . فإن ميزان عدله تبين فيه الذرة ، و جزاؤه مراصد للمخطئ و لو بعد حين.
وفي الحلية عن ابنعباس أنه قال:"يا صاحب الذنب لا تأمن سوء عاقبة الذنب، ولما يتبع الذنبأعظم من الذنب إذا عملته؛ قلة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال وأنت على الذنب أعظممن الذنب، ضحكك وأنت لا تدري ما لله صانع بك أعظم من الذنب، فرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم منالذنب، حزنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب، خوفك من الريح إذا حركت ستر بابكوأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب.
قال الأوزاعي رحمه الله، سمعت بلال بن سعد يقول:"لا تنظر إلي صغر المعصية، ولكن انظر إلي من عصيت".
قال الفضيل :"بقدر ما يصغر الذنب عندك يعظم عند الله ، وبقدر ما يعظم عندك يصغر عند الله".
وذكر الإمام أحمد عن وهب قال :"إن الرب عز وجل قال في بعض ما يقول لبني إسرائيل:"إني إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية، وإذا عصيت غضبت ، وإذا غضبت لعنت ، ولعنتي تبلغ السابع من الولد".
وعن أبي الدرداء قال:" ليحذر امرؤ أن تلعنه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر، ثم قال : تدري مما هذا ؟ قلت: لا، قال إن العبد يخلو بمعاصي الله، فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر".
وقال يحيي بن معاذ الرازي:" عجبت من ذي عقل يقول في دعائه: اللهم لا تشمت بي الأعداء! ثم هو يشمت بنفسه كل عدو له، قيل: وكيف ذلك؟ قال: يعصي الله فيشمت به في القيامة كل عدو.
قال بَعْضُ العُلمَاء : أَعْظَمُ المعاقَبةِ أَنْ لا يُحِسَّ المعاقَبُ بالعقوبة ، وأشَدُ مِن ذلك أَنْ يَقَعَ السرورُ بما هو عُقُوبة ، كالفَرَحِ بالمِالِ الحَرامِ ، والتَّمكُّنِ مِن الذُنُوب ، ومَن هَذِهِ حَالُه لا يَفُوزُ بطاعَةْ.

بارك الله في جهودك ووقت الذي سخرتيه للخير
جعله الله في موازين حسناتك
وفيك بارك أختى الكريمة
شكرا على مرورك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.