مغامرة 3 اسابيع في مستشفى المجانين قصص تدمي الجفون
قريبا ساحكي لكم سيداتي مامررت به خلال تدريبي في مستشفي المجانين او بالاحرى ضحايا المكبوتات كما سماهم احد المرضى هناك -يقال خذ الحكمة من افواه المجانين-
و الله إنها لتكسر الحجر فيها عبر و مواعظ لا تنتهي اتمنى الصبر سيداتي و اعتذر مسبقا .
كان الجو جميلا وكنت جد متشوقة لهذا التدريب فقد قيل لي انه ممتع وسهل , دخلنا الى المصحة و ارتدينا مآزرنا البيضاء وانتظرنا التعليمات ,و ماهي إلا لحظات حتى دخل علينا البروفيسور مرحبا بنا و اخبرنا اننا سنبقى مع المرضى لمدة 3 اسابيع كاملة من8 صباحا الى منتصف النهار وان دورنا يقتصر على تعلم الاستماع اليهم ثم اخذنا في جولة معه.
كنت اعلم ان مستشفياتنا ليست مجهزة باحدث التقنيات فقد رايت كثيرا منها ولكنني لم اتصور ان اجد المصحة بذلك السوء , ربما بل اكيد هي اسوء من السجن ………….
دخلنا فاستقبلنا سليمان وحيانا بتحية عسكرية ورحب بنا اشد ترحيب- قلنا ربما كان جنديا سنسأله فيما بعد- ثم ارانا الطبيب مكان نومهم وان هناك -حسب الحالة – غرف لـ 2 ولـ 3 او اكثر ,وغرفة اخرى تستعمل لحجز المريض, واننا ليس مسموح لنا بالدخول هنا -نحن 6بنات وولد واحد والمصحة للرجال- ويجب ان نبقى في صالة الطعام الفسيحة تحت اعين المراقبين فلا ندري ما قد يحدث , ثم ذهبوا جميعا وتركونا نكاد نموت من الرعب لولا زميلنا الذي احسنا ببعض الامان.
اول ما لفت نظري هو ان معظم المرضى شباب وانهم يدخنون -اخبرنا المراقبون ان من لديه نقودا نشتري له بها سيجارات من النوع الأقل اضرارا للصحة و لكن …..يدخنون كثيرا كثيرا ودون توقف …
المريض 1 سليمان اكثر المرضى تعاونا ولطفا
السن 35 سنة
التشخيص الاضطراب الثنائي القطب
’ اتريدون ان تدرسوا عنا تعالوا ساخبركم بكل شيء ’ ثم بدأ بوابل من المواعظ, الحكم , الشعر ,الفلسفة ’ قائلا نحن نتكون من الجسم + الروح ..الجسم يذهب إلى التراب و الروح إلى السماء فاين هو العقل ؟ ’ وفي كل مرة يستشهد بآيات من القرآن الكريم …وهو في كامل وعيه عارف بكل احوال العالم وما يحدث في مختلف البلدان العربية بل و لم يتوقف عن أبداء آرائه الموزونة -هل هو حقا مريض ؟ الظاهر اننا نحن المرضى –
كان صعبا جدا علينا ان نجعله يجلس ’ حسبت انكم ستغادرون اليوم , ستبقون 3 اسابيع؟ هذا رائع ’ رغم ذلك فهو يغير من موضوع لآخر دون توقف كما انه شديد الغموض ولا يحب الحديث عن قصته. ولكن في الأخير اعطانا لمحة عن حياته .
عاش سليمان طفولة عادية وكان من المتفوقين في الدراسة , حصل على البكالوريا ولكنه لم يدخل الجامعة – كان يظن انه اكبر من ان يدرس فيها – خرج الي المجتمع وبحث عن عمل ولكن بدون فائدة ففي كل مرة يحس انه أكبر من ذلك ’ لقد كنت أظن أنني المهدي المنتظر ’ كان ذلك سبب اول زيارة له عند طبيب الامراض العقلية الذي أعطاه دواءا ساعده علي المضي في حياته قدما , فتزوج زهرة و انجب منها إيمان ’ ياليتني لم أتزوجها , كانت تحرض أهلها علي ودفعتني إلى شرب الخمر , هي سبب كل معاناتي ’ توقف عن شرب دوائه بل وأصبح مدمنا للخمر و المخدرات -كان سهلا عليه أن يتحصل عليها فهو مريض عقلي الدولة مسؤولة عن أعطائه الدواء مجانا والذي كان يستعمله بغير الطريقة الذي وصفها له الطبيب – بعد مدة طويلة على هذه الحالة طلبت زوجته الطلاق وغادرت مع ابنتها وبقي هو محروق القلب عليهما , بعد ذلك تدهورت حالته من اسوء الى اسوء إلى درجة أنه حاول الأنتحار فعاد به اهله الى الطبيب الذي ادخله المصحة بضعة اسابيع حتى تحسن ثم خرج و تزوج من جديد من نجمة ’ زوجتي نجمة إنها حامل ,لم أراها منذ مدة أرجوكم تكلموا مع الطبيب المسؤول ليخرجني من هنا , لأراها ثم أعود فأنا على كل وجدت راحتي هنا , هنا اذا قمت ورقصت أو غنيت لا يحاسبني أحد أما في الخارج فيقال عني مجنون , نعم أنا مجنون ..هل تعرفون ما سبب جنوني ..كلمة أبدا … خالدين فيها أبدا ….لبثين فيها أحقابا… أحقابا …ثم حاول كي يده بالسيجارة فلم يستطع و قال هذه و لم أحتملها فكيف بأبدا…؟؟؟ ’ غاب مدة من الزمن ثم عاد طلب منا أن نعطيه هاتفا ليسأل عن زوجته وحين تكلم مع أخيه وجدناه يطلب من السماح و انه لم يقصد ان يضره فلم يكن في وعيه , عرفنا أنه لم يحكي لنا قصته تماما بل كان يعبر عن ما في نفسه عن المكبوتات على حد تعبيره….لم يكن مسموحا لنا أن نطلع على ملفه ولحد الساعة لا ندري حقيقته و لكن الأكيد انه شخص مثقف ولو لم يجن لكان شخصا فعالا في المجتمع ’ لقد كنت أتمنى أن أشتغل و أكون بيتا و عائلة سعيدة ولكن ….قضاء الله وقدره ….عندما أخرج أعدكم سألتزم ولن أتوقف عن طاعة الله وعبادته….أريد أن أسألكم سؤالا… هل تستطيع الملائكة أن تعيش مع البشر ؟ فقلنا لا بالطبع لا ….فقال لقد عرفت ذلك لذلك لا أستطيع العيش هنا لذلك حاولت الإنتحار لأن عقليتي عقلية ملائكة…….. ’
في الأيام التي تلت كان قليل الكلام أحيانا يبكي دون سبب و حين نسأله يقول أنه أشتاق لزوجته…وأحيانا انه يريد الموت …. قد كانت حالته تسوء ربما هو مفعول الدواء….. المهم انه في آخر يوم هددنا أنه سيعود الى الخمر و المخدرات إذا لم نخرجه….
لم يكن باليد حيلة فقد كان مريضا حقا من خلال ملاحظتنا لتصرفاته , وكل ماقاله كان يعيده علينا كلما سنحت الفرصة وكان يحتاج علاجا أكثر ….اللهم إشف سليمان .
يتبع